ما رأي فضيلة الشيخ بما تسنُّه بعض الجماعات الإسلامية من أساليب دعوية كالانتخابات البرلمانية ، والمظاهرات السياسية ، وتوزيع المنشورات السرية ، وغيرها من الأساليب ، كما أن هناك أساليب دعوية من تمثيليات وأناشيد ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما رأي فضيلة الشيخ بما تسنُّه بعض الجماعات الإسلامية من أساليب دعوية كالانتخابات البرلمانية ، والمظاهرات السياسية ، وتوزيع المنشورات السرية ، وغيرها من الأساليب ، كما أن هناك أساليب دعوية من تمثيليات وأناشيد ؟
A-
A=
A+
السائل : ما رأي فضيلة الشيخ بما تسنُّه بعض الجماعات الإسلامية من أساليب دعوية كالانتخابات البرلمانية ، والمظاهرات السياسية ، وتوزيع المنشورات السرية ، وغيرها من الأساليب ، كما أن هناك أساليب دعوية من تمثيليات وأناشيد ؟

الشيخ : أظن هذا تكلَّمنا عليه - أيضًا - في مجالس مضت ، وممكن أخذ الجواب - أيضًا - مما سبق في هذا المجلس آنفًا ، لأن القيام بالدعوة ... الإسلام للناس جميعًا ، فيتبيَّن لهؤلاء الناس أنَّ الاسلام لا يقوم على هتافات ولا يقوم على مناشير تُوزَّع ، أنا في الحقيقة ... أن لأحد الدعاة الإسلاميين في العصر الحاضر نعرف له فضله بأنه دعا المسلمين إلى الإسلام ولو بمفهوم محدود قاصر ، وكان على أتباعه أن يتمِّموا دعوته ، قال - هذا الذي أشير إليه لأصحابه ، ولكن لم يسمعوا نصيحته ! - : " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تُقَمْ لكم في أرضكم " ، كلام عندي في منتهى الحكمة ، حتى لا أكون مبالغًا أنُّو لو كان هناك وحي بعد رسول الله لَقلتُ : هذا من وحي السماء ! لأنه يقول للناس جميعًا : قبل أن تدعو الناس لعمل سياسي ولثورة دموية ولما يشبه ذلك من أعمال سياسية ؛ فأنتم قبل كل شيء " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم " ، ثم لا تهتموا بالعمل السياسي هذا الاهتمام الكلي الذي فيه استباق الأمور ، فمن الحكم ... - أيضًا - : " من استعجل الشيء قبل أوانه ابتُلي بحرمانه " ، وهذا ما وقع في بعض الجماعات الإسلامية التي كان رئيسها هذا الذي نطق بهذه الحكمة ، " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم ، تُقَمْ لكم في أرضكم " ، خالفوه في ذلك فأرادوا أن يُقيموا دولة الإسلام بالثورة الدموية ؛ فكان الثمنُ ذهابَ دم هذا الإنسان إلى الأرض نثرًا ؛ لماذا ؟ لأنهم استعجلوا الشيء قبل أوانه ، فابتُلوا بحرمانه ، هذه حكمة ، لكنها حكمة بالغة ؛ لماذا ؟ " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم " ... أمور كثيرة هؤلاء الناس لا يهتمُّون بها ، أوَّل هذه إقامة الدولة المسلمة في القلوب تعني العلم الصحيح ، إذا أردت أنت أن تفهم أن توحِّد ربَّك فيجب أن تفهم ما معنى لا إله إلا الله ، كما أشرنا آنفًا ؛ إذا أردت أن تصلي فيجب أن تعرف كيف صلى رسول الله ، إلى إلى إلى آخره ، هؤلاء لا يفهمون بشيء من ذلك إطلاقًا ، إذًا هم لا يستطيعون أن يقيموا دولة الإسلام في قلوبهم ، حتى يُكافئهم الله - عز وجل - بإقامة دولة الإسلام في أرضهم ، إذًا فاقد الشيء لا يعطيه .

من العجائب أن هذه الكلمة التي وُجِّهت إليهم نحن نعمل بها ، وهم مُعرضون عنها ، هذه من العجائب التي في هذا الزمان ، نحن فهمنا هذه الحكمة وطبَّقناها عمليًّا ، نعتقد ... أن قوله - تعالى - : (( إن تنصروا الله ينصركم )) ، ولا يمكن أن نستحقَّ النصر من الله ونحن لا نعرف الله ، ولا نعرف ما أحلَّ الله ، ولا نعرف ما حرَّم الله ، ولا نعرف كيف نعبد الله ، ولا نعرف كيف نحجُّ إلى بيت الله إلى آخره ، كيف إذًا تُقام دولة الإسلام على الأرض ونحن لم نقم دولة الإسلام في القلب ؟ هذا أمر مستحيل ، لذلك علينا أن نعمل للإسلام كما عمل سلفنا الصَّالح ، وبلاش صياحات ! وبلاش هتافات ! وبلاش عمل سياسي ! لأن هذا العمل السياسي أولًا يفرِّق الأمة ، وهذا أكبر دليل ، انظروا إلى بعض الأحزاب الإسلامية كيف يتدابرون ، وكيف يتقاطعون ، وكيف أنهم لا يتعرَّفون على المسلمين الآخرين ، مع أنهم يشتركون في كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله !! لكن هذا التفرُّق أمر طبيعي ، لأنهم - مع الأسف الشديد ، وهذه عبرة لمن يعتبر - اتفقوا على كلمة لا إله إلا الله واختلفوا في فهمها ، فأدَّى اختلافهم في فهمها إلى اختلافهم في واقعهم ، وإلى تدابرهم ، وإلى تقاطعهم ؛ فالعلاج إذًا كلمتان كنت قلتهما منذ عشر سنوات ، الأصل الذي ينبغي أن تقام الدعوات الإسلامية كلها ، وأن يُحقَّق العزُّ للأمة الإسلامية هو على كلمتين اثنتين ، وهما : " التصفية والتربية " ، " التصفية والتربية " ؛ أي : لا بد من أن تجتمع همم أهل العلم والحُكَّام الذين يهمُّهم ما يهتم به أهل العلم ، ويساعدونهم على نشر هذا العلم ، أن يهتمَّ أهل العلم بتصفية الاسلام ممَّا دخل فيه من أنواع ... والدسائس ... ، لا يوجد حتى من عامة الناس إلا وهو يعلم أن هناك أحاديث ضعيفة وموضوعة ، فأين العلماء المنبثُّون في العالم الإسلامي كله الذين ينبِّهون الشعوب المختلفة على الأحاديث الضعيفة والموضوعة ليكونوا في حذرٍ منها ، لا شيء من ذلك إلا نقاط بيضاء في ... أسود ، ماذا يؤثِّر ؟ لا شيء أبدًا ، كذلك إصلاح العقائد كما أشرنا آنفًا ، أين دعاة التوحيد بالمعنى العلمي الصحيح ؟ أنا أعرف في دعاة توحيد اليوم ، لكن نريد أن يكون ... له دعاة بمستوى لائق ، أن يكونوا من أهل العلم ، ليسوا من طلاب العلم فقط ، أين أين الذين يفسِّرون القرآن تفسيرًا صحيحًا ، ويرفعون عنه الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، والإسرائيليات المنكرة ، وتفسيرات أهل الرأي من الجهمية والمعطِّلة ؟ أين أين الذين يأتون إلى كتب الفقه على اختلاف المذاهب والمشارب ويصفُّونها ممَّا فيها من أفكار وآراء وعبادات تخالف السنة الصحيحة ؟ كل هذا لا وجود له .

لذلك قلنا الإصلاح يقوم على كلمتين ؛ " التصفية " وقد عرفنا شيئًا من تفسيرها ، و " التربية " أي : لا بدَّ من تربية المسلمين على الإسلام الصحيح ، لأن مجرَّد التربية ما يسمُّونه بـ " علم السلوك " ، " علم السلوك " هذا إذا كان مبنيًّا على سلوك علم التصوف فهذا انصراف عن الدين ، كما أرد بعض الرهط يفعلوا ذلك في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فقال - عليه السلام - : الطريق هو طريقي ، والمنهج هو منهجي ، والسنة هي سنتي ، قال - عليه السلام - : ( أما إني أخشاكم لله ) الخشية تعرفونها من هذا العنوان ( أما إني أخشاكم لله ، وأتقاكم لله ، أما إني أقوم الليل وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأتزوَّج النساء ؛ فمن رغبَ عن سنَّتي فليس منِّي ) ، عجبٌ عجيبٌ جدًّا ، الدعاة هؤلاء رغبوا عن سنة الرسول - عليه السلام - جهلًا وسلوكًا ؛ فكيف ينصر الله الإسلام والدعاة هم المنحرفون ؟! لو نظرت إلى أكثرهم لا نتَّهمهم جميعًا تجدهم لا يُحسنون الصلاة التي صلَّاها الرسول - عليه السلام - ، لو أخذت أكبر شخصية فيهم ، وقلت له : هل يُمكنني أن أتعلَّم منك صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ لَأوجس منك خيفة ، لأنه مجرَّد أن يسمع منك كلمة رسول الله سوف يتهمك بأنك أنت رجل إما ... ، وفي بعض البلاد وهَّابي ، أو أنت مذهب خامسي ، أو أنت متشدِّد ، أو ما شابه ذلك . ... كذلك ... في تعليمه صفة صلاة النبي لا يعرف ذلك ؛ لم ؟ أين يتعلَّم صفة صلاة النبي ؟ هو نشأ على مذهب ، إن كان ... فقط ، هذا الحكم معروف اليوم ، وأكثرهم لم يدرسوا حتى الفقه الحنفي أو الشافعي أو المالكي ؛ أحسنهم حالًا هم الدكاترة الذين تخرَّجوا من كليات الشريعة ، لا يدرسون إلا رؤوس أقلام من الفقه ، فلذلك هم يتعبَّدون الله يصلون ويصومون ويحجُّون ويعتمرون على ما رُبِّي عليه آباؤهم وأجدادهم ، أما قول - عليه السلام - : ( صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي ) فلا يعرفون له معنًى ، ( خذوا عنِّي مناسككم ؛ فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ) لا ، نحن نأخذ الحج من كتب ... ، ولذلك تجدونها تُباع بالألوف المؤلفة ، وليس فيها التنبيه على ما نبَّه عليه الرسول - عليه السلام - من مناسك الحج .

الخلاصة : لا بدَّ من أمرين اثنين ؛ القيام بهما يحتاج إلى الألوف المؤلَّفة من علماء المسلمين المنتشرين في العالم الاسلامي ، وهم علماء حقًّا ، ليسوا كما قال لي أحد الظُّرفاء في دمشق ؛ قال لي مرَّة من باب الممازحة والمداعبة وأنا أذكر - آسفًا - ... بعض العلماء ... ، هؤلاء اثنان ؛ قسم منهم عالم عامل ، وقسم عامِل عالم ، يعني هو ليس بعالم ، لكن عامل حالو ... العلماء ، فالعلماء قسمان : قسم عالم حقًّا يعمل بعلمه ، وهم يقولون في بعض الكتب : " وعالم بعلمه لم يعملا أو لن يعملا *** معذَّب من قبل عُبَّاد الوثنْ " ، وهذا أخذوه من قوله - عليه السلام - في " صحيح مسلم " : ( أوَّل من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة ؛ عالم ومجاهد و ... ) والحديث فيه طول ، والمقصود ... القسم الثاني ، هذا القسم الأول ، وبأمثالهم تنجح الأمة ، وبأمثالهم تنهض الأمة وتفهم دينها ، ثم يحقِّق الله لهم النصر ، لا نعني نحن أن لا نعمل العمل السياسي ، لكن نعمل أن لا ... ومنصوص القرآن الكريم ؛ لأن الاختلاف والتنازع سبب للهزيمة ، وهذا معروف ... .

الشاهد القسم الثاني ، القسم الأول هو من تنهض على أيديه الأمة ، عالم عامل بعلمه حقًّا ، أما القسم الآخر وهو القسم الأكبر عامل عالم ، يدَّعون العلم وهذا مصداقه في قوله - عليه السلام - ، وهذا في الحقيقة من علامات نبوَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والأدلة الغيبيَّة التي أوحاها الله إليه وهو قوله - عليه السلام - : ( إن الله لا ينتزع العلم انتزاعًا من صدور العلماء ، ولكنَّه يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبقِ عالمًا اتَّخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا ) ، هدول هم اللي قلنا عنهم ذلك الأديب الأريب : عامل عالم ؛ ( اتَّخذ الناس رؤوسًا جُهَّالًا ) ، ... .

فتاوى عديدة ما كنتم تسمعونها من قبل ، وهذا - أيضًا - مما أخبرنا الرسول - عليه السلام - في بعض الأحاديث أنُّو سيأتي ناسٌ سيحدِّثونكم بأحاديث لم تعرفوها ولم تسمعوها لا أنتم ولا آباؤكم ؛ فمثلًا من منكم لم يسمع فتاوى ممَّن يُظن فيهم العلم في إباحة نوع من أنواع الربا ، من منكم لم يسمع بإباحة ما يسمُّونه ... " اليانصيب الخيري " ، اليانصيب الخيري لو كان هؤلاء الناس يعلمون ما يقولون وينصحون الأمة لَحذفوا لرفعوا كلمة " اليانصيب الخيري " ووضعوا مقامها وبديلها كلمة " القمار الخيري " ، وحينئذ يتَّضح ... ، " الميسر الخيري " !! ... اليانصيب هو الميسر هو القمار ، فدغَّلوا الناس بكلمة الخيري ، اليانصيب الخيري لصالح الفقراء والمساكين ، ثم صارت إيه ؟ قضية عامة مش مختصة للفقراء والمساكين ، بل أصبح الناس يتعاملون بالرِّبا علنًا على رؤوس الأشهاد بسبب ... إذا كانت النسبة قليلة فلا ضير من ذلك ، يتَّخذون رؤوسًا جُهَّالًا ، إذا سُئلوا أفتوا بغير علمٍ فضلُّوا وأضلُّوا .

نسأل الله - عز وجل - أن يوفِّقنا لفهم كتاب ربِّنا على ضوء سنَّة نبيِّنا ، ومنهج سلفنا الصالح ، وأن يُلهمنا العمل لذلك ، حتى نستحقَّ نصر الله ، وينقذنا من هذا الضِّيق الذي ألمَّ بالمسلمين في كلِّ بلاد الاسلام ، إنه سميع مجيب ، والحمد لله رب العالمين .

مواضيع متعلقة