رواية الحديث المخالف عن الثقات . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
رواية الحديث المخالف عن الثقات .
A-
A=
A+
السائل : ... سؤال آخر : حديث تحريك الإصبع .

الشيخ : نعم .

السائل : ... .

الشيخ : أجبنا عنه في جلسة سابقة بجوابين :

الجواب الأول : - اصبر يا أخي - الجواب الأول : أن المُخالَف هنا له صلة بشيخه واعتزاز بالرواية عنه أكثر من كل راوٍ من أولئك الرواة الذين خالفوه ، حيث قالوا في ترجمته بأنه : " ثقة ثبت " ، ولعله أخصُّ بالذكر من رواية عاصم بن كليب ، فهنا هذا الوصف يرفع من شأنه أكثر مما إذا قيل فلان ثقة وخالفه الثقات الآخرون ؛ فهنا ينطبق التعريف السابق .

الجواب الثاني : أن المخالفة هنا ليست مخالفة جذريَّة ؛ بحيث أنه جاء بشيءٍ لم يأت أولئك به خلاف المثال السابق ، لعلكم تذكرون معي أن من أمثلة الحديث الشاذ الذي جاء ذكره في بعض كتب المصطلح منه " اختصار علوم الحديث " لابن كثير ، جاء بحديث ابن عمر : " فرضَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر عن كل بيت من المسلمين " .

السائل : ... .

الشيخ : " من المسلمين " ؛ زيادة : " من المسلمين " ، فرُدَّت هذه الزيادة من بعض المتشدِّدين بأنه تفرَّد بها مالك ، ثم جاء الرد الصحيح بأن هذا التفرد ليس صحيحًا ، فتُوبع على هذه الزيادة الإمام مالك من كثير من الثقات ، فزيادة " من المسلمين " هي زيادة ثقة على ثقة ، أو زيادة ثقات على ثقات ، أما هنا في مجال التحريك ما الذي زاده ؟ هو قال : " رأيته يحركها " ، أولئك قالوا : " أشار " ، الإشارة في اللغة العربية ليس كما قال أولئك : لم يحركها ، لو قالوا لم يحرِّكها ، أو لم يذكر الإشارة مطلقًا ؛ حينذاك يُقال شذَّ هذا عن أولئك الثقات ، لكن أولئك الثقات وافقوا هذا الثقة برواية الإشارة ، لكن ... ليست صريحةً بالتحريك ، وإنما هي تحتمل الإشارة هكذا والإشارة هكذا ، لأنك إذا قلت وقد رأيت رجلًا ينادي الآخر من بعيد تقول أشار بيده أو كفِّه ؛ هذا لا ينافي أنه حرَّك كفَّه أو حرَّك أصابعه ، فإذًا الذي هذا الثقة الذي ذكر كلمة : " يحرِّكها " لم يُخالف الثقات ، لأنَّنا لا نستطيع أن نقول أن أولئك الثقات يعنون أشارَ إشارةً بغير تحريك ، لو كان كذلك كنَّا نقول : هو حديث شاذ .

يوجد في " سنن أبي داود " حديث ابن الزبير يروي جلوس النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد وأنه لمَّا جلس رآه يشير بأصبعه ولا يحرِّكها ، هذه الرواية جامعة مانعة ، أثبت الإشارة ونفى التحريك ، هذا لو كان كذلك الأمر في حديث عاصم بن كليب لَكان مثالًا - أيضًا - جديدًا من حديث الشَّاذ ، لكن حديث ابن الزبير هذا في " سنن أبي داود " هو الشاذ ، بل هو المنكر ، والسبب في ذلك أن هذا الحديث مرويٌّ من طريق محمد بن عجلان المدني عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أنه رأى الرسول - عليه السلام - .

أما ابن عجلان تعلمون أن فيه كلامًا ، وأن الذي استقر عليه رأي العلماء أنه حسن الحديث ، وهنا يأتي الآن أن من كان حديثه حسنًا فحديثه معرَّض للقلقلة لأدنى مناسبة ، وهذا الذي وقع في خصوص في هذا الحديث ، الحديث في " سنن أبي داود " من رواية شخص ... لأن العهد بعيد عن محمد بن عجلان في هذه السياقة ، ثم جاء رواة ثقات ورووا الحديث عن ابن عجلان بدون " لا يحركها " فقط : " رأيته يشير بها " ، فلم يذكر : " ولا يحركها " ، صار هذا الحديث شاذًّا بالنسبة للراوي الأول الذي ظننته أنه زيادة من ... فهو ثقة ؛ فهو شذَّ عن الجماعة الذين رووا الحديث كلهم عن محمد بن عجلان إلى آخره .

أنا شخصيًّا أقول : هذا الثقة الذي روى زيادة " ولا يحركها " عن محمد بن عجلان لا نستطيع أن نقول شذَّ عن الجماعة ؛ لأننا حينما نقول ذلك معناه أنه أخطأ على ابن عجلان ، وأنه زاد عليه ما لم يقله بدليل رواية الثقات الآخرين ، هذا يُقال فيما لو كان محمد بن عجلان في الثقة مثل الراوي عنه ، أما وهو دونه فأنا أتصوَّر - وهذا يعني أنا متشبِّع به تمامًا مقتنع به - بمثل هذه الصورة لا نتَّهم الثقة بأنه زاد على مثل هذا الراوي ، وإنما نتَّهم الراوي نفسه أنه هو تارةً روى الرواية على الصحة ، بدون إيش ؟ زيادة " لا يحرِّكها " ، وتارةً لأن في حفظه ضعفًا زاد هذه الزيادة ، ... منه من ؟ هذا الراوي الثقة ، وأولئك سمعوا الحديث منه على ... ، هذه واحدة .

والأخرى - وهي أهم - أن محمد بن عجلان تُوبع في رواية أصل الحديث دون هذه الزيادة ، هذا الخطأ ممَّن ؟ من ابن عجلان ، ولهذا أقول لما البيهقي - رحمه الله - لما ذكر حديث إيش ؟ عاصم بن كليب في زيادة : " رأيته يحركها " ذكره بعد أن ذكر حديث - أو قبيل - حديث ابن الزبير " ولا يحرِّكها " ، قال في سبيل الجمع بين الروايتين بلفظة الترجي : قال : " ولعل مقصود رواية عاصم بن كليب " أنه يحركها " يعني يشير بها برواية ابن الزبير أنه : " كان لا يحرِّكها " ، فأنا رأيت أن هذا الجمع هو جمع فقهي أكثر ما يكون من أن يكون جمعًا حديثيًّا ، لأن هذا الجمع إنما يُصار إليه إذا كانت الروايتان المختلفتان قويتان كما قال ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - في كتابه " شرح النخبة " ؛ أن الحديث إذا جاء حديثان من قسم المقبول المتعارضين وُفِّق بينهما بطريق من طرق التوفيق ، فإن لم يمكن التوفيق اعتُبر الناسخ من المنسوخ ، إذا لم يكن هناك مجال لإثبات ناسخ ومنسوخ صِيرَ إلى الترجيح ، قيل - مثلًا - هذا صحيح وهذا حسن ، ويُقدَّم الصحيح على الحسن ، هذا صحيح مشهور أو مستفيض ، هذا حديث صحيح فرد ، إلى آخره ، وإذا لم يمكن الترجيح وتفاوتت قوة الحديثين ... ... ووكل الأمر إلى عالمه .

حديث ابن عجلان عرفنا ما فيه ، فكيف نحاول التوفيق بين متنه وبين إثبات الثقة ؟

هو - البيهقي - رحمه الله - - لو وجد مجالًا لإعلال هذه الرواية : " رأيته يحركها بالسجود " لَأغناه ذلك عن الجمع كما يُغنيني أنا عن الجمع بين هذا الحديث الصحيح وبين حديث ابن الزبير بزيادة : " لا يحرِّكها " لأنها زيادة شاذة ؛ إن لم نقل منكرة ، تفرَّد بها ابن عجلان دون سائر الثقات الذين تابعوه على رواية أصل الحديث عن شيخه عامر ، والحديث بدون الزيادة في " صحيح السنن " وبطرق صحيحة ، ولعله - أيضًا - - كما هي عادته - - أقول لعل لأني لستُ متيقِّنًا - روى الحديث من رواية بعض الثقات عن ابن عجلان بدون الزيادة . فإذًا هذه الزيادة شاذَّة ، يبقى حديث عاصم بن كليب دون أي معارض يضطرُّنا أن نقول بأنَّه من قسم الشاذ .

غيره ؟ تفضَّل .

السائل : الرواية هذه ألا يوجد ... قاعدة أخرى حديث ابن الزبير وحديث ابن عمر ... ولم يذكرها فيه التحريك ، يُضاف إلى هذا مخالفة سائر الرواة لا ... بأن الحكم يختلف ، ويُقدَّم رواية ... .

الشيخ : سبق الجواب ، الإشارة لا تعني نفس التحريك .

السائل : ... .

الشيخ : نعم .

السائل : ... .

الشيخ : فنقول : كان يرفعها ، الرفع لا ينافي أولًا الإشارة ، صح ولَّا لأ ؟ والإشارة - كما ذكرنا آنفًا - لا يُنافي التحريك ، ومعلوم أننا نأخذ هنا بالزايد فالزايد ، ولا ضرورة أن نقول إن هناك شذوذًا ، مثلًا - دعنا من حديث " يحرِّكها - ؛ لا يوجد شذوذ بين رواية من روى : " رفعها " ، وبين من روى رواية : " أشارة بها " ، ما في تنافي أبدًا بين اللفظين .

السائل : أقول فسَّر ... .

الشيخ : أيوا ، أحدهما داخل في الآخر ، وأحدهما مفسِّر للآخر .

نعم .

مواضيع متعلقة