يُشيع البعض بأنكم تضعِّفون وتصحِّحون دون ضوابط ، فأحيانًا تتشدَّدون في التصحيح ، وأحيانًا تتشددون في التضعيف ، وأحيانًا تصحِّحون في الصحيح وتضعِّفون في " صحيح الجامع " ، وتقولون رجعنا عن كذا وكذا ؛ فما قولكم ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
يُشيع البعض بأنكم تضعِّفون وتصحِّحون دون ضوابط ، فأحيانًا تتشدَّدون في التصحيح ، وأحيانًا تتشددون في التضعيف ، وأحيانًا تصحِّحون في الصحيح وتضعِّفون في " صحيح الجامع " ، وتقولون رجعنا عن كذا وكذا ؛ فما قولكم ؟
A-
A=
A+
السائل : يُشيع البعض بأنكم تضعِّفون وتصحِّحون دون ضوابط ، والدليل على ذلك أنكم - أحيانًا - تتشدَّدون في التصحيح ، وأحيانًا تتشدَّدون في التَّضعيف ، وأحيانًا تصحِّحون في الصحيح ، وتضعِّفون في " صحيح الجامع " ، وتقولون رجعنا عن كذا وكذا ؛ فما قولكم ؟

الشيخ : نقول من كان من أهل العلم فنحن مستعدُّون لنناقشه فيما يدَّعيه ، أما إذا كان ليس من أهل العلم ؛ فلا وزن لكلامه ، هذا من جهة . من جهة أخرى أنا أعترف وأقول - كما قلت آنفًا - : إن جاز لي أن أفتخر فأنا أفتخر بأنه إذا تبيَّن لي الخطأ رجعت عنه ولا أصرُّ عليه كما يفعل غيري ، ومن المؤسف جدًّا أن تنقلب الفضيلة اليوم مع بعض الناس إلى قباحة أو قبيحة ، بل ربَّما إلى رذيلة ، فماذا في الإنسان إذا تبيَّن له خطؤه في كتاب فتراجع عنه ، لا سيَّما في مثل هذا العلم ، علم الحديث والتصحيح والتضعيف الذي أعرض عنه ملايين علماء المسلمين طيلةَ هذه القرون الطويلة ؟ لماذا ؟ لصعوبته !

وأنا أضرب لكم مثلًا بسيطًا جدًّا ، ولو أنُّو له علاقة بالمصطلح ، لكنه واضح المثال : الحديث ينقسم عند علماء الحديث ، وأقول الصحيح ينقسم إلى صحيح لذاته ، وصحيح لغيره ، وكذلك الحديث الحسن ينقسم عند أهل العلم إلى حديث حسن لذاته ، وحسن لغيره ؛ وهنا البحث الآن ، ما معنى هذا حديث حسن لذاته ، وحديث حسن لغيره ؟ معناه أنَّ هذا الحديث ليس له سند صحيح ، لكن له سند صحيح ، هذا تعريف ماذا ؟ الحديث الحسن لذاته ، والحديث الحسن لذاته هو الذي توفَّرت فيه الشروط في الحديث الصحيح كلها ، لكن أحد رواته قلَّ ضبطه وحفظه عن مستوى حفظ وضبط راوي الحديث الصحيح ، لذلك قالوا عن حديثه : حديث حسن لذاته ، يأتي بعد ذلك المثال في النهاية الحديث الحسن لغيره ؛ ما هو ؟ يعني هو الحديث الذي ليس له إسناد صحيح ، فيأتي الشيخ الألباني ما غيره ، هاللِّي موضوع في قفص الاتهام ، يأتي إلى حديث فيقف على إسناده فيضعِّفه ، ويمضي زمن ويمضي زمن وهو يقول : أنُّو هذا حديث ضعيف ، وإذا به وهو منغمس كل حياته في دراسة المخطوطات فضلًا عن المطبوعات ، وإذا به يرى لهذا الحديث طريق أخرى ، وأقلُّ ما يُفيد هذه الطريق الأخرى ذلك الحديث الذي هو ضعيف أنه يرفعه من الضَّعف إلى مرتبة الحسن لغيره ، فأقول في كتاب آخر هذا حديث حسن ؛ ليش ؟ لم قلت من قبل إنه ضعيف ثم قلت أخيرًا في كتاب آخر إنه حسن ؟ لأنه تبيَّن لي شيء كنت لا أعلمه ، وإن كان الإنسان بطبيعة الحال كما وصفه الله - عز وجل - (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا )) ، لكن أصدَق ما يصدق مثل هذا النَّص هو بالنسبة للذي يشتغل في علم الحديث ، لكثرة الطرق بالألوف المؤلَّفة ، ولذلك فالواجب على الإنسان أنُّو يبحث في حدود ما يستطيع ، وأنا فعلت ربما - لا أقول هذا مدحًا ، بل بيانًا للواقع - بحثتُ وفتَّشتُ عن طرق الحديث بصورة يُمكن لا وجود له في العصر الحاضر ، وكثير من أهل الإنصاف والعلم يعترفون بهذه الحقيقة ، لكن هل أنا أحطت بكل شيء علمًا ؟ هيهات هيهات ! فاتني ويفوتني الشيء الكثير ، فهذا مثال بسيط فالذي يجهل هذه الحقيقة ، إيه ليه الألباني ضعَّف الحديث في الكتاب الفلاني ثم صحَّحه في الكتاب الفلاني ؟ هذا مثال للحديث اللِّي ضعَّفته في كتاب وقوَّيته في كتاب آخر ، والعكس - أيضًا - صحيح ، يقع ؛ أي : ربَّما أصحِّح حديثًا في كتاب وتمضي السنين وإذا بي أكتشف علَّة خفيَّة في ذلك الإسناد الذي كنت صحَّحته ، فأنقد نفسي بنفسي ، وقد ينقدني غيري فأستفيده منه ، فأعلنها صريحةً أنُّو هذا الحديث ضعيف السند ، إن كان في مجال للبيان فعلتُ ذلك وبيَّنت وفصَّلت القول ، ومجال ذلك الكتابان المشهوران " سلسلة الأحاديث الصحيحة " و " سلسلة الأحاديث الضعيفة " ، وإن كان ما فيه مجال اقتصرت ببيان المرتبة كما جريت على ذلك في " صحيح الجامع " و " ضعيف الجامع " .

هذه الأمور أهل العلم لا يكادون يتنبَّهون لها فضلًا عن طلبة العلم ، فضلًا عمن دونهم ، لذلك أنا أنصح إخواننا طلبة العلم جميعًا مهما كانت اتجاهاتهم وحزبيتهم - عافانا الله وإياهم - أن يتريَّثوا في النقد ، وأن يتساءلوا في أنفسهم ، كما جاءني نقد من بعض الإخوان في بعض الليالي التي سهرناها في الخارج ؛ أنُّو مثلًا ينتقدني في حديث أنُّو حديث الطِّيَرة ، يعني : ( وما منَّا إلا من - إيه ؟ - يصيبه الطيرة ، ثم يُذهبه الله بالتوكل ) ، فكتب إليَّ يعني قرابة صفحة يقول : أنت أخطأت حينما ذكرت : ( وما منَّا ) ، هذا ليس من الحديث ، وإنما هذا مُدْرج ، على حسب ما نقل هو فقط قلت : والله هذه خطيئة ، وما منَّا من أحد إلا ويخطئ ، لما رجعت إلى الحديث الذي أوردتُه في " السلسلة " ؛ وإذا أنا أشرت الكلام الذي هو يواجهني به ، ويقول إنه هذه الجملة مدرجة ، فكيف أنت صحَّحتها ؟ وإذا بي أجد الكلام هناك في " الصحيحة " أُشير إلى الإدراج ، وأنقل كلام بعض الأئمة الذين هو نقل عنهم أن هذه الزيادة مُدرجة ، ولكني أتبنَّى رأي علماء آخرين أنُّو هذا ليس مدرجًا ؛ لأنه جاء في صُلب الكلام ، هذا مثال يعني من أمثلة تسرُّع بعض إخواننا لإنكار ، وكأن المقصود هو مجرد الإنكار ، وليس البحث العلمي .

خلاصة القول : قد أصحِّح حديثًا ثم يتبيَّن لي علَّة فيما بعد ، والعلل كثيرة في هذا العلم ، قد يكون مثلًا هناك إرسال خفي ، والإرسال الخفي من العلل التي يقول بعض أهل العلم أنُّو معرفة علل الحديث من حيث الإرسال هو أدقُّ أنواع علم الحديث ، من الذي يعرف هذا المجال وأهميته وكونه قد يخفى على أكبر العلماء ؟ ما يعرف ذلك إلا الذي مارس الأمر بنفسه .

خلاصة القول : أنُّو هذا السؤال الذي سمعته الآن ليس هو بالأمر الجديد ، تأتينا رسائل ومناقشات كثيرة ، والجواب - باختصار - : أن الذي ينقد هذا النقد ما أظنُّه من أهل العلم ، وإن حسَّنت الظن به فهو من شبابنا المسلم المتحمِّس ، ثم ينطلق بدون وعي إلى النقد ، هذا إذا كان ليس من أهل الشَّحناء والبغضاء الذين ابتُلينا بهم في بعض البلاد ، ونسأل الله - عز وجل - أن يصلح ذوات نفوسنا ، وأن يطهِّر قلوبنا من الغلِّ والحقد والحسد ، وأن يجمعنا على كتاب الله وهدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .

مواضيع متعلقة