بعض الناس يقول: ما لنا وللصحابة ؟ هم رجال ونحن رجال ، وقد اختلفوا فيما بينهم . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بعض الناس يقول: ما لنا وللصحابة ؟ هم رجال ونحن رجال ، وقد اختلفوا فيما بينهم .
A-
A=
A+
السائل : ويُلاحظ على الأسئلة التي جاءت أن الكثير منها قد طرح في لقاءات سابقة ، كسياقة المرأة للسيارة مثلًا ، وموضوع الخروج على الحكَّام المعاصرين ، وموضوع ستر الوجه بالنسبة للمرأة ، وأمور متعلقة في الصلاة ، ولذلك فهذه الأمور يعني نرجئها لأنها قد طُرحت في لقاءات أخرى ، وبالإمكان الحصول عليها من الأشرطة السابقة .

وهناك بعض الأسئلة الجديدة ، هي مجمل الأسئلة تدور على أساس فضيلة الشيخ أنكم قلتم أننا يجب أن نتَّبع الكتاب والسنة ، لكن هناك من الناس من يقول : بأننا يعني ما لنا والصحابة ؟ فهم رجال ونحن رجال ، وهم اختلفوا فيما بينهم ؛ فكيف يكون نرجع لهم وهم مختلفين فيما بينهم في أمور متعددة ؟

الشيخ : أنا أشرت في كلمتي السابقة أن الصحابة إذا كانوا على تفسير واحد لا يجوز الخروج عليهم ، أما إذا كان كما في سؤال السائل إذا الصحابة أنفسهم اختلفوا ؛ فحينذاك وجبَ على أهل العلم أن يقوموا بتحقيق نص من نصوص الكتاب الكريم ؛ ألا وهو قوله - تبارك وتعالى - : (( فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلًا )) .

بحثنا السابق كان - يا إخواننا ، يجب أن تفهموا علينا جيِّدًا ما نطرحه عليكم من النصائح والعلم - نحن نقول : آية (( وفي سبيل الله )) قد فسَّرها المفسِّرون قديمًا صحابة وتابعين وأئمة مجتهدين ، وبنَوا عليها بعض الأحكام الفقهية على أن المقصود بها الجهاد في سبيل الله ، قول آخر للإمام أحمد أنه - أيضًا - يدخل فيه الحج في سبيل الله ، ما أحد من الصحابة خالف في هذا إطلاقًا ، ولذلك فهذا السؤال لا يرد فيما نحن فيه ، قد يرد في مكان آخر ، فجوابه أنهم إن اختلفوا فصحيح حينذاك ، نحن رجال وهم رجال ، لكن هذا الذي يقول : نحن رجال ما وزنه في العلم ؟ هل هو هذا الذي قلنا إنه يفتي بما قال الله ، وما قال رسول الله ، ويَدْرس أقوال السلف ، ويعرف إنُّو المسألة هذه فيها قولين ولَّا ما فيها إلا قول واحد ، إن كان كذلك ؛ فقد يجوز أن يقول الإنسان : هم رجال ونحن رجال ، وإن كان هذا فيه شيء من التزكية للنفس ، وذلك طبعًا محظور شرعًا ، ولكن على كل حال إذا ما قاله بلسان القال فيمكن أن يقوله بلسان الحال ، فمن الذي يجوز أن يقول عن نفسه بلسان الحال نحن رجال ؟ ومتى يجوز له أن يقول نحن رجال كما هم رجال ؟ الجواب : أولًا إنما يجوز أن يقول القائل من المتأخِّرين هُم الصحابة رجال ونحن رجال ، إذا كان جرى على سَنَنِهم ، وعلى خطَّتهم ، وعلى من منهجهم من حيث عدم الإفتاء بالرأي ، وإنما بما جاء في الكتاب والسنة ، فإن كان هذا الذي يقول هم رجال ونحن رجال سار على المنهج الذي جرى عليه أولئك الرجال ؛ جاز له أن يقول - ولو بلسان الحال - نحن رجال كما هم رجال .

هذا أولًا ، وثانيًا : متى يقول هذا ؟ يقول هذا إذا اختلفوا ، أما إذا اتفقوا فليس هو برجل ، بل قوله نحن رجال دليل على أنه ليس من الرجال ؛ لأن الله - عز وجل - قد ذكر في الآية السابقة التي احتججت بها على أنه لا يجوز لأحدٍ اليوم أن يأتي بتفسير جديد بنصٍّ من قرآن الله القديم فُسِّر على وجه سبق ، فلا يجوز الآن أن نُفسر نحن هذا النص بتفسير جديد لم يُسبق إليه .

هذا يكون قد خرج على ما كان عليه أولئك الصحابة ، وهناك يتحقَّق فيه قول الله - عز وجل - ، وقول الرسول - عليه السلام - معروف ، أما قول الله ؛ فهي الآية السابقة : (( ومن يشاقق الرسول من بعد تبيَّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولَّى ونصله جهنم وساءت مصيرًا )) ، لماذا ذكر الله - عز وجل - في هذه الآية (( ويتَّبع غير سبيل المؤمنين )) ؟ لماذا لم تكن الآية : " ومن يشاقق الرسول من بعد تبين له الهدى نولِّه ما تولَّى " ؟ لماذا زاد هذه الجملة المعطوفة على الرسول فقال : (( ويتبع غير سبيل المؤمنين )) ؟ ذلك لما ذكرناه آنفًا ؛ أن الصحابة الذين تلقوا العلم - أي القرآن والحديث من الرسول - عليه الصلاة والسلام - مباشرة - كانوا أفهم الناس عقولًا ، وأطهر الناس قلوبًا ، وأزكى الناس نفوسًا ، ولذلك كانوا يُبادرون إلى تطبيق أحكام الله - عز وجل - مهما كانت شديدة على النفس ، لا سيَّما إذا كانت حديث عهد بالإسلام ، هؤلاء الصحابة هم الذين تلقَّوا القرآن والسنة ، وفهموه وطبَّقوه ، إذا نحن جئنا في آخر الزمان فخالفناهم في فهمهم ، في عملهم ؛ انطبقت علينا تلك الآية : (( ومن يشاقق الرسول من بعد تبيَّن له الهدى ويتَّبع غير سبيل المؤمنين )) ، فنكون قد اتَّبعنا سبيل غير سبيل المؤمنين ، والمثال الآن بين أيديكم ، إذا لم يوجد في السلف من قال : (( وفي سبيل الله )) يدخل فيه كل المشاريع الخيرية ؛ فمعنى الذي يُفتي ويُفسر الآية بهذه الكلية أنه خالف سبيل المؤمنين ، أما إذا اختلفوا كما جاء في السؤال ؛ فحينذاك لنا جواب ثاني ، وهو منصوص - أيضًا - في القرأن الكريم ، (( فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير )) و إيه ؟

السائل : خير لكم .

الشيخ : نعم ؟

السائل : ذلك خير لكم وأحسن تأويلًا .

الشيخ : (( وأحسن تأويلًا )) ، نعم .

ومشكلة جديدة اليوم إن كثيرًا من الناس يعلمون أن المسألة فيها خلاف فعلًا ، فكيف يتبنَّون قولًا ويرجِّحونه على قول ؟ ليس اعتمادًا على هذا الأمر الإلهي وتنفيذًا له (( فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول )) لا يرجعون إلى الله والرسول ، ومعنى الآية كما هو معلوم لدى الجميع الرجوع إلى كتاب الله ، وإلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذًا إلى ماذا يرجعون ؟ والله هذا الأيسر ، هذا الأصلح ، وهذا يعني بيشجِّع الناس على التمسك بالدين ؛ أهكذا أمر ربُّ العالمين في الآية ؟ لا ، (( فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلًا )) ، فمن لم يرجع هذا المرجع ما يكون يعني فيه إشعار في الآية أنَّه في قلبه زغل ، وفي إيمانه ضعف !

لذلك ينبغي نحن معشر المسلمين جميعًا بالقسمين السابقين ، من كان من أهل العلم حقًّا فسبيله أن يرجع إلى كتاب الله ، وحديث رسول الله ، وما اتفق عليه أصحاب رسول الله ، فإن تنازعوا رجع إلى كتاب الله وحديث رسول الله بحكم هذه الآية ، ومن كان من عامَّة الناس ليس من أهل العلم يرد الآية السابقة الذكر : (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )) ، من هم أهل الذكر ؟ عرفنا بوضوح كما قال ابن القيم : " العلم قال الله قال رسوله " ، أهل الذكر أهل العلم بالقرآن وبالسنة ، أما السؤال هذا فعمَّا تنازعوا فيه ، لقد تنازع الصحابة كثيرًا في بعض المسائل الفرعية ، ولم يختلفوا والحمد لله في شيء من العقيدة بخلاف الخلف ، فلما تنازعوا رجع العلماء المسلمين وبخاصة منهم المجتهدين إلى القرآن وإلى السنة ، فرجَّح كل منهم ما تبيَّن له أنه الراجح .

فأرجو أن لا يختلطَ الأمر على أحد من الحاضرين بين وجوب اتباع الصحابة فيما اتفقوا عليه ، وعدم الخروج عليهم برأي جديد ، وبينما إذا كانوا اختلفوا فحين ذلك نقول أو يقولون : هم رجال ونحن رجال بالشرط السابق ؛ أن يكونوا يتحاكمون إلى كتاب الله ، وحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .

مواضيع متعلقة