الزيادة في حديث : " العنوهنَّ فإنَّهنَّ ملعونات " ، ما مدى صحتها ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الزيادة في حديث : " العنوهنَّ فإنَّهنَّ ملعونات " ، ما مدى صحتها ؟
A-
A=
A+
السائل : يقول : البعض يُضعِّف زيادة الحديث ( العنوهنَّ فإنَّهنَّ ملعونات ) ، وإذا صحَّت هذه الزيادة ؛ فكيف تكون طريقة اللَّعن ؟

الشيخ : الذين يُضعِّفون هذه الزيادة هم في الواقع مبتدئون في هذا العلم ، فيظنُّون أن كل راوٍ تُكلِّم فيه بجرح يصبح هذا الراوي حديثه ضعيفًا ، وليس الأمر كذلك ، فهناك قواعد كما كنَّا وجَّهنا إليكم نصيحة بوجوب تعلم أصول الفقه ، وتعلم أصول الحديث ؛ حتى لا يقع طالب العلم في شيء من الخطأ فقهًا أو حديثيًّا ، فهناك قواعد تقول في المصطلح : " أن الجرح مُقدَّم على التعديل مع بيان سبب الجرح " ، ثم بعد هذا البيان لا بدَّ أن يُلاحظ ؛ هل هذا الجرح المُبَيَّن هو في نفسه جرح يُسقط الاحتجاج بحديث هذا الراوي أم هو قد يكون جرحًا وقد لا يكون جرحًا ؟

ونحن نعلم من دراسة تاريخ كثير من أئمة الحديث وحفَّاظهم أن بعضهم كان عنده شدَّة في الجرح ، وكان يُسْقِط الاحتجاج بالرجل لأدنى سبب ، - مثلًا - قيل : لأحدهم لماذا لا تَرْوِ عنه ؟ قال : لأنه ، لأني رأيته راكبًا بِرْذَوْنًا ، وما أدري لعل البِرْذوْن غير معروف عندكم في بلادكم ، البِرْذوْن هو فرس أو جنس من الفرس ، لكنه مكتنز اللحم ، وصغير الحجم ، ثم مشيته تختلف عن مشية الفرس المعروف مشيته سريعة ، يمشي هكذا ، ومن طبيعة الراكب يتمايل هكذا كأنه يمشي الخيلاء ، وهذا كانوا إلى عهد قريب عندنا في سوريا يمتطيه طبقة معيَّنة من الناس وهم الجباة الذين كانوا يجمعون الخبز من الفرَّانين الذين يخبزون الخبز ، وكانوا يومئذٍ يشترون القمح من المطاحن ، قبل أن تأتي هذه البلايا إلى كثير من بلاد المسلمين التي تُسمَّى بالاشتراكية وغيرها ، حيث وضعت الدولة على كل مرافق الأمة ، فكان الطحين يومئذٍ والقمح والشعير حر ، فكان التاجر الطَّحَّان يشتري ما شاء الله من القمح ويطحنه ، ويجو الفرَّانين يشترو من عندهم في كل يوم حاجتهم ، لا يدفعون الفلوس إلا بعد شهر أو شهرين . لهؤلاء الطَّحَّانين جباة يركبون هذه البراذين ، فكانوا يمشون في الطرقات ويمرُّون على الفرَّانين ، ويجبون ثمن تلك ذلك الطَّحين ، هذا النوع من الفرس - وهو المسمَّى بالبرذون - له هذه المشية التي تُوحي إلى النَّاظر إليه وإلى ممتطيه بأنه كأنه يختال ، فذلك المحدِّث قال : " رأيته راكبًا برذونًا " ، فلو دقَّقنا النظر هذا لا يعتبر جرحًا ، هذا ركبه خيلاء أم ركبه لحاجة ؟ لا يستطيع أن يقول الإنسان : كل من ركب هذا البرذون إنما ركبه للخيلاء ، كما لو فرضنا اليوم - مثلًا - أنُّو الإنسان المُنعم عليه - كما هو الشَّأن في بلادكم - بيركب سيارة ، ثم يعرف عندنا في بلادنا " كادالاك " ، يعني في ممتاز وأتوماتيك وما بعرف ، فهذا لا يمكن أن يُقال كلما ركب هذه السيارة فهو ساقط الرواية ، لأنه ركبها خيلاء ، قد يركبها رجل فاضل متواضع ، وقد يركبها - أيضًا - رجل متكبِّر .

الخلاصة : الراوي المجروح لا يسقط من درجة الاعتبار بل الاحتجاج بحديثه إلا إذا جُرح بجرح مكشوف ، فتأتي في ترجمة بعض الرجال أقوال مختلفة ، منهم من يوثِّقه ، منهم من يضعِّفه ، فيذهب بعض المبتدئين في هذا العلم أنُّو هذا ما دام الرجل مُتكلَّم فيه فإذًا الحديث ضعيف ، لا ، هناك مرتبة بين الرجل الضعيف حديثه ، وبين الرجل الصحيح حديثه ، وهو من يكون حسن الحديث ، وهذه من الدقة بحيث أن الحافظ الذهبي - رحمه الله - - وهو من تعلمون في الحفظ والنقد ، وهو صاحب الكتاب المشهور " ميزان الاعتدال في نقد الرجال " - قال : من أدقِّ علوم الحديث تمييزُ الحديث الحسن بين الصحيح والضعيف " ، فهذا الذي يريد أن يحكم على هذا الحديث بالضعف ؛ تُرى هل وصل إلى هذه المرتبة أو قاربها بحيث يستطيع أن يميِّز الحديث الحسن من الضعيف والصحيح ، مع قول الذهبي هذا أن هذا من أدقِّ علوم الحديث ؟

الخلاصة : أنُّو هذا تعجُّل من بعض طلبة العلم من اخواننا الذين ربنا - عز وجل - شرح صدورهم للاشتغال بهذا العلم الشريف ؛ حيث أعرض عنه كبار الرجال والمشايخ ، فنحن ننصحهم بأن يستمرُّوا في هذه الدراسة ، ولا يتعجَّلوا في إصدار الأحكام التي يتبنَّاها ، أو تظهر لهم ، هذا من حيث الجواب عن مرتبة الحديث .

أما الجواب على الشق الثاني من السؤال : وهو على افتراض ثبوت الحديث ؛ فتطبيقه كما قلنا أكثر من مرَّة كما يطبَّق القاعدة التي أسَّسها الرسول - عليه السلام - بالنسبة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حين قال : " من رأى منكم منكرًا ؛ فليغيِّره بيده ، فإن لم يستطع ؛ فبلسانه ، فإن لم يستطع ؛ فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " .

لا فرقَ - أيُّها المسلم - بين أن ترى امرأةً تمشي متبرِّجة في الطريق أو رجلًا كاشفًا عن فخذيه ، هذا خالف الشرع ، وتلك خالفت الشرع ، فماذا تفعل ؟ لو كنت في دولة تحكم الإسلام لَكان أقل ما تستطيعه أنك تقرعه بـ - ليس بالعصا - ، وإنما أقول بالكلام ، وتنهره ، وتأمره بأن يستر عورته ، وليس له عليك من سبيل ، أما اليوم لو فعلت شيئًا من ذلك فلربَّما يكون في بعض البلاد أن يكون مصيره إلى السجن ، لذلك نحن اليوم لاحظنا هذا التحلل وعدم وجود ناصر للآمرين بالمعروف والناهن عن المنكر ، فنرى المنكرات في الطرقات شائعة ، ونكتفي بالإنكار بالقلب ، ونقول ربما بلساننا في ذوات أنفسنا : اللهم هذا منكر لا نرضى به .

فإذًا فإن هذا المنكر - وهو المرأة المتبرِّجة - كأي منكر آخر ؛ تستطيع تغيِّره بلسانك على الأقل اليوم ؟ ما تستطيع ، بتقلك أنا حر ، وإيش أنت لك علاقة فيَّ كذا ، وربَّما تستدعي الشرطي ، والشرطي يأخذك للمخفر ، وربما تقع بعد ذلك أمور عني سيِّئة ، ما ندري إيش عواقبها ، فإذا كنت لا تستطيع أن تعظَها ، فإذًا هذا الحكم الشرعي تقوله بينك وبينها - بينك وبين نفسك - ، ولا تُسمعها إذا كنت تخشى ، أما إذا كنت ما تخشى شيئًا ؛ فالحكم أن تسمعها من باب الرَّدع لها عن هذه المعصية الكبيرة .

نعم .

مواضيع متعلقة