في قوله - تعالى - : (( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )) ؛ هل يؤخذ منه إثبات صفة العين لله - تبارك وتعالى - ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
في قوله - تعالى - : (( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )) ؛ هل يؤخذ منه إثبات صفة العين لله - تبارك وتعالى - ؟
A-
A=
A+
السائل : آخر سؤال : هل يُؤخذ من الآية (( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي )) أن الله - عز وجل - له عين ؟ وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن ) ؛ هل يؤخذ منه أن الله - عز وجل - له أصابع ؟

الشيخ : لا شك ، لكن لا يُؤخذ من الآية أنه في عين الله كما يتوهَّم بعض المعطِّلة ؛ لأن الآية هنا هي بالمعنى الذي يسمُّونه تأويلًا ، في عين الله في أعيننا ؛ يعني في مراقبتنا وملاحظتنا ، وليس هذا تأويلًا كما يظنُّ كثير من المعطِّلة ، هذا هو المعنى الذي لا يفهمه العربي - الذي لا يفهم العربي - غيره ، وهذا له أمثلة ويسمِّيها بعض المتأخرين بأنها من باب التأويل ، مثلًا حينما جاء في سورة يوسف قوله - تبارك وتعالى - : (( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا )) ، كلُّ عربي يفهم أن معنى (( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ )) أي : أهلها ، (( وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا )) أي : أهلها ، وهذا ليس تأويلًا ، لكنهم يظنُّون أنه تأويل ؛ ذلك لأن التأويل عندهم في اصطلاحهم هو الجملة لها معنيان ، معنى حقيقي يتبادر إلى الذِّهن أوَّل ما يتبادر ، ومعنى مجازي لا يتبادر إلا بطريق التَّأويل ، فهم يقولون إنما نفهم النَّصَّ العربي بالطريق الأوَّل بطريق المعنى المتبادر للذِّهن ، والذي يسمُّونه حقيقة ، ما لم يقُمْ هناك دليل يحملنا على تفسير النَّصِّ بطريق التأويل ، هذا المثال الأول : (( فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا )) ، والمثال الآخر : (( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ )) لا يصح فيها هذا الوصف ؛ أي : إن الذي يسمع كلًّا من الآيتين لا يتبادر في ذهن في معناه في أعيينا في ظرفية ، وهذا الذي يخاطب ربُّنا إنه في عين الله أي : في جوف عين الله ؛ ما أحد يفهم هذا المعنى ، وإنما يفهم المعنى الثاني الذي يسمُّونه مجازًا أو يسمُّونه تأويلًا ، هذا تسميته تأويل خلاف القاعدة ، القاعدة التأويل بيكون المعنى غير متبادر ، المعنى المتبادر بيكون هو المعنى الحقيقي ، مثل - مثلًا - : (( جاء ربُّك )) ، هَيْ آية في القرآن ، ما الذي يتبادر إلى السامع ؟ جاء الله هو نفسه ذاته وعظمته وجلاله ، بيجو هم بأولوها بمعنى لا يتبادر للذهن ، فبيقولوا : (( جاء ربُّك )) يعني ملائكة ربك ، أو يعني رحمة ربك أو نحو ذلك ، فقولنا هنا في الآية (( جاءَ ربُّك )) المعنى الظاهر هو هذا ؛ أن الله ذاته جاء ، ليست كآية : (( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ )) يعني حيطانها !! ما أحد يفهم هذا الكلام .

لذلك المعنى المتبادر منه هو المعنى الحقيقي ، لكن اصطلاحًا من المتأخرين يسمُّون هذا مجازًا ، هو مجاز إيش ؟ الحذف ، في حذف مضاف ، (( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ )) أي : أهل القرية ، هذا المعنى هو الصحيح ، وهو الحقيقة ، وله أمثلة كثيرة جدًّا في اللغة العربية تُبيِّن لكم أن المسألة فيها دقَّة ، وفيها انحراف عن طريقة السلف بشبهات لا قيمة لها أبدًا ، العربي حينما يقول : " سال الميزاب " لو وقفت وقفة الجامد والمتأثِّر بالحقيقة والمجاز ؛ لازم تفهم سال الميزاب يعني حرَّ حرارة شديدة جدًّا أحاطت بجوِّ الميزاب فصار كالماء سال ، هل أحد يخطر في باله هذا المعنى من قول العربي : سال الميزاب ؟ ما أحد ، وإنما يفهم سال الميزاب أي : ماء الميزاب ، فهذا الفهم ليس تأويلًا يا جماعة ، هذا هو المعنى المقصود من يوم جرى العربي جرى لسانه بهذه العبارة ، سال الميزاب لا يعني سال الميزاب الميزاب نفسه ، وإنما ما يجري فيه من الماء ، كذلك - مثلًا - حينما يقول العربي : جرى النهر ، النهر في اللغة هو الأخدود ، الحفرة الطويلة هذه التي يجري فيها الماء ، فلمَّا بيقول العربي : جرى النهر ما يعني جرى أرض النهر الأخدود ، كما - مثلًا - شفنا هنا في المطار السُّلَّم هذا الكهربائي لمَّا الإنسان بيركبه يمشي فيه ... إنما يعني العربي جرى النهر ؛ أي : ماء النهر ، هذا المعنى بيسمُّوه اصطلاحًا تأويلًا ، لكن الحقيقة هو الحقيقة ، وليس هناك مجاز ، ليه ؟ لأنه ما في معنيين يمكن أن يُفسَّر هكذا وهكذا ، إنما هو معنى واحد ، بخلاف الأمثلة التي يضربونها أنُّو فيها حقيقة ومجاز ، ونصير نحن نقول يجب علينا أن نفسِّرها على الحقيقة ؛ لأنُّو ليس هناك دليل يحملنا على المجاز . كما قلنا : (( جَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )) ، ( ينزل الله ) ، شو يلي بيضطرُّو للتأويل ؟ ممكن أن يكون يعني في هناك تأويل ، لكن الأصل ألا تأويل ، الأصل أن تُفهم العبارة كما جاءت .

أنا أقول بهيك مناسبة في بلادنا - هناك في سوريا - أقول : إذا نحن لم نضع القواعد التي وضعها أهل العلم نفسهم في ضبط الكلام أصبح الكلام فوضى لا نهاية لها ، قد يقول قائل : " جاء الأمير " ، بعدين بتبين لأ هو بيقصد جاء خادم الأمير ! قديش في فرق بين جاء الأمير وجاء خادم الأمير ؟ هل يجوز لعربي أن يقول : " جاء الأمير " وهو يقصد خادم الأمير ، ولا يضع في كلامه قرينة تُسمع السامع تُلفت نظر السامع إلى أنه يقصد الخادم ما يقصد الأمير ؟ ولذلك أنا أقول للقائلين بوحدة الوجود الصوفية هؤلاء : لهم كلمات خطيرة جدًّا ، هي الكفر الصريح ، فيأتي أتباعهم من الصوفية وبيتكلَّفوا ، بيقول : يا أخي ، هذا كلام ظاهره صحيح كفر لكن له تأويل ! له معنى دقيق عالي ! أنت أهل الظاهر ما تفهمونه ! نقول لهم : ما معنى قول القائل منهم : كل ما تراه بعينك فهو الله ؟ كل ما تراه بعينك من مخلوقات لا فرق بين الطاهر والنجس ، بين الطَّيِّب والخبيث هو الله ! ويقول قائلهم :

وما الكلب والخنزير إلا إلهنا *** وما الله إلا راهبٌ في كنيسة

بيقولو لك : هذا الكلام له معنى ثاني ، أنا بقول حينئذٍ بتحدَّاكم ، هاتوا أيَّ عبارة مهما كانت عريقة في الضَّلال أحوِّلها لكم ياها في لحظة واحدة إلى توحيد خالص ، بأيِّ طريقة ؟ طريقة التأويل ، أنا بقول - مثلًا - : الخوري خلق السموات والأرض ، في أكفر من هذه العبارة ؟ جيب المضاف المحذوف قل : رب الخوري ، تمَّت العبارة ، رب الخوري خلق السموات والأرض ، هل هذا هو القاعدة التي ينبغي أن يقوم عليها تفاهم الناس بعضهم مع بعض ؟ لأ ، القاعدة أن الكلام حقيقة ، إلا إذا في قرينة ، فالقرينة هي التي تدلُّنا على أن هذا المعنى غير مراد . هنا في الأمثلة التي نحن بصددها - وأشعر أنني قد أطلت كثيرًا - ليست من باب المجاز والحقيقة ، لأنُّو كل هذه الآيات ليس لها إلا معنى واحد ، وهذا المعنى الواحد هو الذي يتبادر في ذهن كلِّ عربي سامع أن المعنى اسأل أهل القرية ، اسأل أهل العير ، في أعيننا يعني في مراقبتنا وفي ملاحظتنا ، والحمد لله رب العالمين .

مواضيع متعلقة