بيان إجماع العلماء وإجماع الأمة والشذوذ و بيان أنواع من الإجماعات وهل يكفر من خالف الإجماع .؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان إجماع العلماء وإجماع الأمة والشذوذ و بيان أنواع من الإجماعات وهل يكفر من خالف الإجماع .؟
A-
A=
A+
السائل : أستاذي أريد أن أسألك بالنسبة لموضوع الإجماع مع العلماء وإجماع الأمة, والشذوذ, يعني فكرة بسيطة النظر في هذا ؟

سائل آخر : نحن بدنا أول شيء , السؤال بتفرع كثير, بس بدنا نعرف أول شيء ما هو الإجماع, يعني سؤالنا ما هو الإجماع ؟ وبعد ذلك نتطرق لأسئلة أخرى.

الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, أما بعد:

فالإجماع عند العلماء أقسام: القسم الأول منه, هو الذي لا يجوز مخالفته, وهناك أقسام أخرى من الإجماعات, فربما نرى من الفائدة أن نذكرها أو أن نذكر ما تيسر منها, الإجماع الأول وهو إجماع الأمة, ويدخل في هذا التعريف إجماع علماء الأمة وسائر الأمة, فهناك من يقول بأن الإجماع هو إجماع العلماء, ولكن الإمام الغزالي يقول الإجماع هو إجماع الأمة, بحيث انه يدخل فيها من دون العلماء من الأمة, سواء كان من طلاب العلم أو كانوا من عامة المسلمين, هذا الإجماع هو الذي يعبر عنه بعض العلماء الذين لا يعتدون بالأنواع الأخرى من الإجماع, مما سنذكر بعض ذلك إن شاء الله, ويسميه هؤلاء العلماء بما هو معلوم من الذين بالضرورة, فما كان معلوم من الذين بالضرورة يشترك فيه كل الأمة, لا فرق كما ذكرنا بين عالم وبين غيره, وهذا الإجماع هو الذي جحده مسلم خرج من الدين, أما الإجماعات الأخرى فهي ليست كذلك, وهي تدخل الآن في مناقشة علمية هادئة, وهي أن الإجماع غير الإجماع الأول هو إجماع نظري, وهو الذي يعبر عنه بعض العلماء بالمتفق عليه بين العلماء, ولا يسمونه إجماعا, وذلك لأن الإجماع في الحقيقة الذي يعتبر إنكاره خروجا عن الملة, لا يمكن أن يتصور إلا بالمفهوم الأول.

أما الإجماع النظري الذي هو جمع أقوال العلماء الذين تكلموا في المسألة في عصر معين فهذا الأمر مستحيل لا يمكن تحقيقه واقعيا, وهذا إن شاء الله سهل تصوره, ذلك لأن العلماء في كل قطر ومصر كما نعلم جميعا متفرقون, فمن الذي يستطيع أن يتصل بكل فرد من أفراد العلماء, ويأخذ آراءهم فيجدها كلها متفقه بعضها مع البعض, هذا أمر مستحيل تحقيقه, ولذلك يقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى كما ذكر ذلك ابنه عبد الله ابن أحمد في كتابه مسائل الإمام أحمد, الإمام أحمد رحمه الله تعالى له عدة كتب تسمى بكتب المسائل, أي أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى سئل عن كثير من المسائل فأجاب عنها, هذه الإجابات نقلها وسجلها بعض تلامذته منه ابنه عبد الله الذي هو راوي مسند أبيه, وهو مسند أحمد المشهور, ومنهم أبو داود السجستاني مؤلف كتاب السنن الذي هو الكتاب الثالث من الكتاب الستة, ومنهم ابنه صالح, صالح ابن الإمام أحمد, ومنهم ابن هانئ وغيره.

عبد الله بن أحمد يروي عن أبيه قال : " من ادعى الإجماع فقد كذب, وما يدريه لعلهم اختلفوا " الإمام أحمد في الشطر الأول من هذه الكلمة يشير إلى عدم امكانية الإجماع لو وقع, لأنه يقول: " من ادعى الإجماع فقد كذب, وما يدريه " هذا نقد ثان, لأنهم لو اجتمعوا اليوم ممكن يختلفوا غدا, فشو درى هذا الإنسان أن العلماء كلهم في ساعة واحدة أو في يوم أو في أسبوع أو شهر أو سنة, اجتمعوا على شيء ثم ما اختلفوا, ما يدريه, لذلك جنح بعض العلماء المنصفين إلى عدم التلفظ بلفظة الإجماع, إلا إذا كان بالمعنى الأول, وهو المعلوم من الدين بالضرورة, فيقول بدل الإجماع اتفق العلماء, وهذا لا يعني أن كل عالم تكلم في هذه المسألة أولا ثم طابق كلام بعضهم بعضا ثانيا, وإنما الأقوال التي نقلت عن هؤلاء العلماء يوافق بعضهم بعضا, ولذلك فيقال في هذه الحالة اتفق العلماء.

من تلك الإجماعات التي ألمحت إليها آنفا هو إجماع منطقة معينة أو بلدة خاصة من تلك المنطقة, كإجماع أهل المدينة مثلا. فالإمام مالك رحمه الله تعالى يعتد بإجماع أهل المدينة دون أي إجماع آخر, ذلك لأن المدينة كما نعلم جميعا كان مقر واستقرار الدعوة الإسلامية في عهد الرسول عليه السلام والخلفاء الراشدين, فكان موئل ومجمع العلماء من كافة الأقطار والبلاد من الصحابة وغيرهم, ولذلك فالإمام مالك رحمه الله يرى أن ما أجمع عليه علماء المدينة خاصة من الصحابة والتابعين الذين هو أدركهم في عهده فهذا هو الإجماع, لكن الحقيقة الذي يلحظه الباحث بل يلمسه لمس اليد, أن مع كون هذا الإجماع يأتي بدائرة ضيقة جدا, أي المدينة وليس العالم الإسلامي كله يستدرك العلماء على الإمام مالك كثيرا من الإجماعات التي ادعاها من أهل المدينة, فيقولون له قد خالف هذا كبير علماء المدينة بل سيد التابعين ألا وهو سعيد بن المسيب, فإذا هذا الإجماع المصغر والذي هو حجة الإمام مالك رحمه الله تعالى دون بقية الأئمة, هذا الإجماع نفسه لم يمكن إثباته فكيف يمكن إثبات إجماع الأمة في سائر أقطار البلاد الإسلامية.

من هذه الأنواع إجماع أهل الكوفة وهذا يحتج به أبو حنيفة رحمه الله تعالى وأصحابه, ويقال فيه ما يقال في الإجماع السابق ألا وهو إجماع أهل المدينة, أي أنه انتقد بكثير من الأقوال التي تخالف الإجماع المدعى.

ثم يأتي من أنواع الإجماع الإجماع السكوتي, الإجماع السكوتي وهذا معناه أن عالما من علماء المسلمين يتكلم في محضر من المسلمين بقول ولا أحد ينتقده , فيقولون ما دام هذا العالم الفاضل تكلم بهذا الكلام ثم لم يتعقب من أحد الحاضرين, فمعنى ذلك أن هذا هو الحق والصواب, وإلا كان انتقد , الواقع هذا الإجماع تقبله النفس المطمئنة بشرط واحد, إذا لم يكن ثمة نص من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالفه وإلا فهو إجماع مقبول, ولماذا ؟ لأمرين اثنين:

الأمر الأول: أن الله عز وجل يقول: (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) فالله يقول هنا: (( ويتبع غير سبيل المؤمنين )) فإذا جاءتنا رواية صحيحة بأن أحد علماء المسلمين تكلم في مسألة ما في محضر من علمائهم وأقروه على ذلك, فالنفس تطمئن حينذاك ليقال هذا سبيل المؤمنين, لكن بالشرط السابق, وأعيد التذكير به ألا يكون هناك نص من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف هذا الإجماع السكوتي.

وفي رأي علماء الأصول أن الإجماع السكوتي هو في الواقع أضعف الإجماعات لأنه قد يتكلم المتكلم بقول ويكون هناك في المجلس من يرى خلافه, ولكن يرى من المصلحة ألا يتكلم بخلاف ما سمع, من باب درء المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى, وأنا الآن أضرب مثالين :

أحدهما يتعلق بالإجماع السكوتي, ما هو مثاله ؟ والآخر يتعلق بأنه ممكن أن يكون في الإجماع السكوتي من سكت على مضض لسبب, سأذكر الآن مثالا هو المثال الثاني, مثال الإجماع السكوتي: جاء في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خطب يوم جمعة وتلا آية سجدة فنزل من المنبر وسجد وسجد الناس معه, في الأسبوع الثاني خطب أيضا وتلا آية سجدة هي أو غيرها, أنا الآن لا أذكر, فلما رأى الناس يتهيؤون إلى السجود أشار إليهم بقوله رضي الله تعالى عنه: " إن الله لم يكتبها علينا, إن الله لم يكتب علينا سجدة التلاوة إلا أن نشاء " فهذا نص صريح بأن سجدة التلاوة ليست أمرا فرضا, وإنما هو راجع إلى مشيئة التالي أو السامع, ولا شك أن عمر بن الخطاب حينما يخطب في مسجد المدينة أن هناك المئات من الصحابة والتابعين, فحينما لا يقوم أحد وهو خليفة المسلمين ليبين خلاف ما قال أمير المؤمنين, النفس تطمئن إلى كون هذا الرأي ليس فيه خلاف, لكن هذا لا يفيد القطع واليقين, ولذلك لا يعتبر أن من خالف هذا الإجماع يكون كافرا, لأن الكفر لا يجوز الصيرورة إليه إلا إذا كان من خالفه خالف أمرا كما قلنا في تعريف الإجماع الأول, معلوما من الدين بالضرورة, ذلك لأنه من الممكن كما ذكرت آنفا, أنه يكون هناك من يرى خلاف هذا الرأي وإن كان لم ينقل, لكن هذا تطريق نظري احتمالي لسبب أو أكثر من سبب كما يقال اليوم, مثاله وهو المثال الثاني الذي أشرت إليه آنفا: أن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه كان قد حج في زمن عثمان بن عفان, وثبت عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا أتى منى ونزل فيها أيام التشريق أتم الصلاة ولم يقصر, ومعلوم عند علماء المسلمين كافة أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم حج حجة الوداع من يوم خرج من المدينة إلى أن رجع إليها صلى ركعتين ركعتين, ومعنى ذلك في منى نفسها صلى أيضا ركعتين ركعتين , أما عثمان رضي الله تعالى عنه فقد أتم, وهنا يذكر العلماء رأيين أو سببين قد نعرج عليهما فيما بعد, حتى لا نبعد كثيرا عن توضيح المثال, فكان ابن مسعود إذا صلى خلف عثمان يتابعه في منى ويصلي أربعا, فقيل له أنت تقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجع إلى المدينة, فما بالك تتم؟ فكان يقول جوابا مختصرا جدا, ولكنه حكيم جدا أيضا, كان يقول: " الخلاف شر, الخلاف شر " أي مخالفة فرد من أفراد المسلمين عمل خليفة المسلمين, وهو بلا شك من العلم والدين والصلاح في مكان معروف مشهود له بذلك, فلا بد أن إتمامه, له في ذلك وجهة نظر, فهو لا يفعل ذلك نكاية بالسنة وهو يعلمها, إذن أنا لا أريد أن أخالفه فأصلي خلاف صلاته, وإن كنت أعتقد أن السنة القصر, فيقول الخلاف شر.

فإذن هو كان يصلي وفي نفسه أن السنة ركعتان لكن لما سئل قال الخلاف شر فهذا المثال يمكن يصور لنا احتمال أن يكون هناك قول وقع في مجمع من الناس أو فعل, ويكون لا يرى ذلك لكنه يسكت كما قلت في أول كلامي من باب دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى, فهو يسكت حتى ما يصير فتنة وبلبة في جماعة المسلمين, فهذا ما يحضرني الآن من أنواع الإجماعات , وأن شيئا من ذلك لا يمكن تكفير المسلم, إلا إذا كان يجحد أو يخالف ما كان معلوما من الدين بالضرورة, وهو الإجماع اليقيني وليس ثمت إجماع آخر, لكننا في الواقع نلاحظ أن المسألة لا ينبغي أن نأخذ لها أهمية كبرى, لأن النتيجة أنه إذا لم يكن هناك نص من كتاب الله أو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفق جماعة من المسلمين الأولين, خاصة إذا كانوا من الصحابة المكرمين فليس لأحد أن يخالفهم إلا بنص من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, متى يخالف؟ إذا كان الرعيل الأول والجيل الأول هم أنفسهم اختلفوا فحينذاك يختار مما اختلفوا فيه ما هو أقرب إلى الصواب في ما يراه هو, ولذلك يقول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى يصنف العلم على ثلاث مراتب, فيقول:

" العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فقيه

كلا ولا جحد الصفات ونفيها ... حذرا من التعطيل والتشبيه " .

هذا ما عندي جوابا عن السؤال السابق, وإذا كان هناك بعض الفروع ما تعرضنا لذكرها فيما يتعلق بالسؤال, فلا مانع من عندي من أن نسمع ما عندكما.

مواضيع متعلقة