بيان الشيخ لكيفية الدعوة الصحيحة لإقامة منهج علمي صحيح . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان الشيخ لكيفية الدعوة الصحيحة لإقامة منهج علمي صحيح .
A-
A=
A+
السائل : شيخنا شو رأيك تعطي نصيحة عامة ...

الشيخ : يعني إيه .

سائل آخر : نصيحة عامة تنصحنا فيها , وبعدين أسئلة , نصيحة حول إقامة مثلا الدعوة في إدلب , وكيفية إقامة هذه الدعوة بمنهج علمي صحيح , يعني نصيحة حول كيفية الدعوة إلى إقامة منهج علمي صحيح في إدلب ؟ .

الألباني : نعم والله هذا

السائل:....الشيخ: .., يجب قبل كل شيء على إخواننا الحريصين على اتباع الكتاب والسنة أن يتدارسوها دراسة علمية دقيقة فيها الوعي والفهم الصحيح ، وفيها التأني في عدم تبني الآراء الشخصية من الذين يرون أنفسهم أنهم صاروا من طلاب هذا العلم الشريف ؛ ويجب بالإضافة إلى هذا ـ وهو دراسة هذا العلم ـ يجب أن يكون كل دارس حريصا على العمل بما علم حتى لا يكون علمه حجة عليه من جهة ، وحتى ينفع الله تبارك وتعالى الناس بعلمه .

ثم ينبغي أن يلاحظ في ذلك أمر ثالث : وهو إذا أردنا أن ندعوا الناس إلى ما امتن الله به علينا من الهدى والنور فيجب أن نترفق بهم وأن لا نتشدد عليهم , وأن لا نظهر أمامهم بأننا متميزون عليهم بهذا العلم ، يجب أن نعتبر الناس كل الناس الذين نراهم بعيدين عن هدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، أن نعتبرهم مرضى , ولا شك أن المرض المعنوي أشد وأضر على صاحبه من المرض المادي البدني ، وإذا كان من المفروض في الطبيب البدني أن يترفق بالمريض حتى يقول كثير منهم أن بعض المرض يعافون بمجرد أن يسمعوا كلاما لطيفا من طبيبهم , فأولى وأولى أن يكون طالب العلم الذي يتولى إرشاد الناس وهدايتهم إلى اتباع السنة واتباع ما كان عليه سلفنا الصالح رضي الله عنهم ، أن يكون رفيقا في دعوتهم لطيفا في معاملتهم .

وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينكر على السيدة عائشة رضي الله عنها حينما قست في رد السلام على ذلك اليهودي الذي دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فألوى لسانه بالسلام فقال : السام عليكم . فسلامه غير واضح أنه سلام المسلمين , ولا هو واضح أنه دعاء على سيد المرسلين بالموت الذي هو السام ؛ فهو لم ينطق بها فصيحة صريحة , بالطبع لا يتجرأ أن يخاطب الرسول عليه السلام والدولة له يومئذ بقوله : السام عليك أي الموت ؛ ولكنه أيضا لما في قبله من غل وحقد وكفر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطلق ليلقي عليه السلام الذي هو اسم ليلقي عليه صلى الله عليه وآله وسلم السلام الذي هو اسم من أسماء الله عز وجل كما جاء في الحديث الصحيح ، وإنما غمغمها وضيعها , فقال : السام عليكم ، ومن الأمر البدهي أن لا يخفى ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم , فرد عليه السلام بإيجاز وغاية الإيجاز بقوله : ( وعليكم ) أما السيدة عائشة وهي من وراء الحجاب , فما كادت تسمع هذا الإلواء من ذاك اليهودي بالسلام حتى طارت شقتين , وقالت : وعليك السام واللعنة والغضب إخوة القردة والخنازير . فلما خرج اليهودي قال عليه السلام لها : ( ما هذا يا عائشة ) قالت : يا رسول الله ألم تسمع ما قال , قال لها : ( ألم تسمعي ما قلت , يا عائشة ) وهنا الشاهد : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه , وما كان العنف في شيء إلا شانه ) وإذا كان هكذا يقول الرسول عليه السلام لمن خاطب اليهود بتلك اللهجة القاسية وهي السيدة عائشة , وحق لها ذلك لأنها فهمت من اليهودي أنه يدعوا على النبي صلى الله عليه وسلم بالموت ؛ فماذا ينبغي أن يكون موقفنا مع إخواننا الذين يشتركون معنا على الأقل في الشهادتين ؛ فلا شك أننا يجب أن نترفق بهم وأن لا نتشدد عليهم .

ولهذا كان من وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما أنه عليه السلام لما أرسلهما دعاة إلى اليمن قال لهما : ( اذهبا وتطاوعا , ويسرا ولا تعسرا ) فهذا كله وذاك مما يجعلنا ننتبه لنكون في دعوتنا متسامحين متياسرين مع الناس ، وكما أقول في مثل هذه المناسبة كثيرا ما أقول :

إن دعوتنا والحمد لله هي دعوة الحق , والناس عن الحق غافلون ، وكلمة الحق بطبيعة الحال على الناس ثقيلة , فيكفي إثقالا على الناس أن ندعوهم إلى هذا الحق الثقيل عليهم ، فحسبهم ثقل كلمة الحق , فذلك مما ينبغي أن يردعنا وأن يصدنا عن أن نزيد في الإثقال عليهم في استعمالنا الأسلوب الشديد في دعوتنا إياهم إلى الحق ؛ لأنه إذا انضم إلى شدة الحق وثقله على الناس شدة الأسلوب , إذا انضم إلى دعوة الناس شدة الحق وثقله عليهم وهو حق ، فلا ينبغي أن نضم إلى هذا الثقل ثقلا آخر ليس بحق ، وحينئذ يكون هذا الثقل الثاني صآدا للناس عن تقبل الحق الثقيل بطبيعته ، كما قال تعالى : (( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا )) .

ولهذا كان من كلامه عليه السلام بالنسبة لمعاذ في قصة إطالته للقراءة في صلاة العشاء تلك الإطالة التي حملت أحد الأنصار على أن يقطع الصلاة خلفه , وأن يصلي وحده , وينطلق إلى داره ويترك الجماعة ؛ فكان معاذ لما بلغه الخبر يشتد في الحمل على هذا الأنصاري حتى كان يقول فيه : إنه منافق ، واستعمل معاذ رضي الله عنه استعمل هذه الكلمة انطلاقا منه مع المبدأ العام ، المبدأ العام الذي تحدث عنه ابن مسعود في حديثه الطويل في صحيح مسلم أنه : ( ما كان يتخلف عن صلاة الجماعة إلا منافق ) وكذلك هناك حديث آخر : ( أن الذي يكون في المسجد ويسمع الأذان ثم يخرج فهو منافق ) استعمل معاذ هذا الاستعمال العام في حق ذلك الإنسان ، وكان مخطئا , لأن هذا الرجل لم يخرج إتباعا للهوى , وإنما لعذر بينه للرسول عليه السلام حينما شكا معاذا إليه ، فأرسل الرسول وراء معاذ كما هو معلوم ، فقال له عليه الصلاة والسلام : ( أفتان أنت يا معاذ ، أفتان أنت يا معاذ ، أفتان أنت يا معاذ ، بحسبك أن تقرأ بالشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى ونحوها من السور ، إذا أم أحدكم فليخفف ... ) إلى آخر الحديث , الشاهد ان القسوة والشدة تضر بالدعوة ، ونحن مع الأسف نلاحظ في كثير من إخواننا ، وكلما كان هذا الأخ حديث عهد بالدعوة كلما كان شديدا فيها لأنه يتصور أن الشدة تنفع في الدعوة , والواقع أنها تضر ، وحسبكم في هذا الصدد قول الله عز وجل : (( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )) .

مواضيع متعلقة