من أنكر الأحاديث الصحيحة بالعقل ؛ فما حكمه ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
من أنكر الأحاديث الصحيحة بالعقل ؛ فما حكمه ؟
A-
A=
A+
السائل : سائل يقول : طالعنا في صحيفة إسلامية مقالًا لأحد العلماء البارزين يقول : أنا أعمل بذهني في قبول النُّصوص وردِّها ؟

الشيخ : كيف ؟ أنا أعمل ؟

السائل : أعمل بذهني في قبول النُّصوص وردِّها ؟

الشيخ : الله أكبر !

السائل : وضرب لذلك - مثلًا - رده لحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي أخبر فيه بأن موسى - عليه السلام - فقأَ عين الملك عندما جاءَه ليقبض روحه ، وذلك بحجَّة أنه لا يصحُّ لوليٍّ أن يكره لقاء الله - تعالى - فضلًا عن رسوله .

نعم .

الشيخ : شو كان أول السؤال ؟ هل يجوز ؟

السائل : أول السؤال هو يقول - هذا العالم - يقول : أنا أعمل بذهني في قبول النصوص وردها ؟

الشيخ : فهمت هذا ، لكن هذا كأنُّو مبتدأ ؛ ما هو الخبر ؟

السائل : الخبر : هل يجوز له ذلك ؟

الشيخ : إي جاء في السؤال هذا ؟

السائل : بل قرأ في صحيفة هذا الكلام ؛ يريد هل هذا الكلام صحيح ؟

الشيخ : عارف يا سيدي ، بس أنا أسأل : هل جاء السؤال ؟ أنت قرأتَ ؛ فما هو السؤال ؟

السائل : السؤال يقول .

الشيخ : لأ هو يقول ، لكن السؤال الذي ختم الورقة ما هو ؟

السائل : ما هو رأيك في هذا الرجل يعني ؟

الشيخ : ... بس أنا أريد أن أتَّهم نفسي ؛ هل جاء هذا في السؤال ؟

السائل : مفهوم هذا الكلام مفهوم ؛ " ما هو رأيك " مفهوم ؟ ولا جاء عندك ؟

السائل : " ما هو رأيك " مو مكتوب في السؤال ؟

الشيخ : المهم هذا .

السائل : بيقصد هل له في ذلك حجة ؟

الشيخ : أنت تتصوَّر أن يكون في بال المبتدع حجة ؟! سبحان الله ! أنا على كل حال أقول له بهذه المناسبة : عند علماء الحديث - كما هو معلوم - نقد السند ونقد المتن ، نقد السند هو جلُّ مستند علماء الحديث في تصحيح الأحاديث وفي تضعيفها ، ونادرًا ما يتوجَّهون إلى تصحيح الحديث من حيث متنه ، وبالأحرى إلى تضعيف الحديث من حيث متنه .

يوجد الآن في العصر الحاضر تعبير جديد مقابل نقد السند أو نقد الإسناد ونقد المتن بقولهم : النقد الخارجي والنقد الداخلي ، النقد الخارجي يتعلَّق بالسند ، والنقد الداخلي يتعلَّق بالمتن ، فعلماء الحديث من فضلهم ودقَّة علمهم أنهم أقاموا النقد الخارجي - أي : نقد المتن - على تتبُّع متون أحاديث بعض الرواة ، فإذا وجَدُوا الغالب على هذه المتون مخالفة الراوي لها لأحاديث الثقات حكموا بضعفه ، وربما عبَّروا عنه بما يدلُّ على هذا السَّبر وعلى هذا التتبُّع ، فيقول بعضهم - مثلًا - : " منكر الحديث " ، ويقول بعضهم : " يروي المناكير عن المشاهير " ، و " يروي الطامات عن الأثبات " ، وبعضهم يقول : " له منكرات " ، ونحو ذلك ؛ هذا كله يدلنا على أن علم الحديث علم الجرح والتعديل قام على تتبُّع أحاديث الرواة ، فمن وجدوا فيه مخالفة للثقات الذين لا يُسأل عنهم حكموا بما يستحقُّه ؛ إما من تكذيب ، وإما من تضعيف شديد ، وإما من تضعيف خفيف ؛ هذا النوع ممكن أن يُستشهد به ، وما دون ذلك فلا ، من فعل هذا ؟ أئمة الحديث ، وعلى هذا الاستقراء أقاموا علم الجرح والتعديل .

الآن نعود إلى مثل هذا القائل ، ما وزنه في علم الحديث ؟ هل درس علم الحديث ؟ أولًا متونًا بحيث أحاط بها بأكبر كمِّيَّة ممكنة منها ، فجرت السنة في عروقه مجرى الدم ، ومن جهة أخرى تضلَّع بتراجم رواة هذه الثَّروة الضَّخمة من الحديث النبوي ؛ بحيث أنه يتمكَّن على الأقلِّ بتصحيح حديث هو من باب التعبُّديَّات التي لا مجال لخوض العقل فيها ، ولا يُمكن أن يُحكم بالصحة أو بالضعف إلا من طريق الأسانيد ؛ أي : النقد الخارجي ، هل هذا الرجل علم شيئًا من هذا أو ذاك ؟

الجواب : لا ، إذًا هو إنما ينقد هذا الحديث أو ذاك إنما ينقد متَّبعًا هواه ، وليس سالكًا في نقده طريقة علماء المتقدِّمين من المحدثين ، هذه الطريقة التي قامت على سبر المتون التي أشار إليها الإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله - حينما وُجِّه إليه سؤال حسَّاس ودقيق جدًّا ؛ قيل له : هل يمكن معرفة الحديث الموضوع دون الرجوع إلى إسناده ؟ فأجاب : " نعم ، مَن درس السنة حتى جرى الحديث في عروقه مجرى الدم ، وصار عنده ذوق خاص لأحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة " ؛ فمثل هذا - وما أندره في علماء الحديث ! فضلًا عن غيرهم - مثل هذا يمكنه أن يقول مجرَّد أن يسمع الحديث ، ودون أن يرجع إلى إسناده : هذا حديث غير صحيح ، بل وقد يقول : هذا حديث منكر ، هذا حديث باطل إلى آخره . لا شك أن هذا الذي يقول هذا الكلام - كما يُقال - " ليس في العير ولا في النفير " ، هذا كلام مجمل ، أما الكلام المفصَّل حول هذا الحديث ؛ فهو يؤكِّد أن هذا الرجل إنما - في التعبير السوري عندنا إذا أرادوا أن يغمزوا من قناة عالم ما أو إنسان ما بيقولوا عنه - " يخطف الكبة من رأس الماعون وبيطير " ، فهو لا يعلم ما في هذا الماعون من كبَّة صالحة ولَّا طالحة و و إلى آخره ، هذا الرجل قرأ هذا الحديث يومًا ما في بعض الكتب ، فيظنُّ أن الحديث هذا هو لفظه ، أما أن يتتبَّع الحديث ويكوِّن في رأيه عنه فكرةً جامعةً محيطةً ؛ فهذا مما لا يفعله ليس هو - وهو أبعد الناس عن دراسة السنة - بل لا يفعله من قد يكون دارسًا للسنة ، ولكن ليس عنده ذلك الجلد وذلك الصبر في جمع ألفاظ الحديث وطرقه ليتبيَّن له المراد من هذا الحديث أو ذاك ، فهذا الحديث لا شك في صحَّته ؛ لأن الإمام مسلم - رحمه الله - رواه في " صحيحه " بالسند الصحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وهذا هو الذي يُمكن مثل هذا الإنسان أن يقف عليه وليس في " صحيح مسلم " مباشرة ، وإنما في بعض الكتب التي تنقل عنه كـ " الجامع الصغير " للسيوطي ونحوه ، أما أن يُجري على هذا الحديث دراسة خاصة أولًا حديثيَّة ، وثانيًا علميَّة متنيَّة هذا لا يفعله في كل الأحاديث التي هو أنكرها أو غيره من المعاصرين ، وليس هو بالذي سنَّ هذه الضلالة ؛ فهي ضلالة وُجدت قبله من بعض المعاصرين .

وبهذه المناسبة أذكر بالفائدة العلميَّة أنه كان هناك رجلٌ نجديٌّ أزهريٌّ ، وقلَّ من النجديين من تأزهر - إن صحَّ التعبير - إلا هذا الذي يُعرف بعبد الله القصيمي ، هذا عبد الله القصيمي في دراسته الأولى في الأزهر كان آيةً في الرَّدِّ على المخالفين بالتوحيد الصحيح والمنكرين للأحاديث الصحيحة كهذا الرجل وغيره ، فألَّف كتبًا نافعة جدًّا في الرَّدِّ على علماء الأزهر ، وعلى القائلين بجواز الاستغاثة بغير الله ، ونحو ذلك ، وألَّف كتابًا نافعًا جدًّا بهذه المناسبة سمَّاه : " حل مشكلات الأحاديث النبوية " ، وهو على وزان كتاب " مشكل الآثار " للإمام أبي جعفر الطحاوي ، لكن الإمام هذا - رحمه الله - كان نَفَسَه طويلًا في تأليفه لهذا الكتاب ؛ لأنَّه جمع مئات الأحاديث ، بينما عبد الله القصيمي هذا تكلَّم على بعض الأحاديث المشهورة التي أشكلت على بعض المعاصرين من الآرائيِّين ، فيحسن الرجوع إلى هذا الكتاب مع التنبُّه إلى أن مؤلفه قد حادَ في آخر حياته عن الصراط المستقيم ، ليس عن مذهبه بل وعن إسلامه بالكلية ؛ فألَّف في الطَّعن في الدين مطلقًا كتابًا سمَّاه .

سائل آخر : " الأغلال " .

الشيخ : " الأغلال " نعم ، سمَّاه " الأغلال " ، بل سمَّاه " هذه هي الأغلال " .

فالشاهد هذا الحديث وجدناه في " مسند الإمام أحمد " بالسند الصحيح برواية تطيح بأصل هذا الإنسان وتمسُّكه في الطعن بهذا الحديث ، هذه الرواية تقول في مقدمة الحديث : " كان ملك الموت يأتي البشر عيانًا ، فجاء ملك الموت موسى - عليه السلام - فقال له : أجب ربك " إلى آخر الحديث ، فهو معروف ، فصفعَه تلك الصَّفعة فخلع عينه فقأ عينه إلى آخر الحديث ، فإذًا المشكلة تزول من أساسها حينما نعلم أنَّ ملك الموت جاء إلى موسى - عليه السلام - في صورة إنسان ، لا يعرف موسى - عليه الصلاة والسلام - أن هذا الجائي إليه هو مُرسلٌ من ربِّه ، ولذلك ما كان منه إلا أن صفعَه ففقأ عينه ، فرجع الملك إلى ربِّه وقال : يا ربِّ ، أرسلتني إلى عبد لك لا يحب الموت . فقال له : ارجع وأخبره أو قل له فليضع يده على جلد ثور ؛ فله بكلِّ شعرة تحت يده سنة من الحياة . فرجع إليه ، وبلَّغه هذه الرسالة من ربه ، هنا عرف موسى - عليه السلام - أن هذا ليس هو بشرًا مثله جاء يستهزئ به ، فأعطاه مكافأته تلك ، وإنما عرف الآن أنه مُرسل من ربِّه - تبارك وتعالى - ، ولذلك قال لملك الموت : وماذا بعد ذلك ؟ قال : بعد ذلك الموت . قال : فالآن إذًا . فهو يقول كيف يكره الموت وهو يقول في نهاية الحديث : الآن ؟ ولو أني وضعت يدي على جلد ثور وكان لي بكلِّ شعرة تحت يدي سنة من الحياة فالآن عجِّل بالموت ، كيف يُنسب إليه أنه أولًا كان يكره الموت ، وثانيًا كيف يفقأ عين رسول من الله - تبارك وتعالى - ؟ الجواب واضح جدًّا أنه فقأَ عين بشر ، وليس عين ملك ، ففي الجمع بطرق الحديث وألفاظ الحديث تزول إشكالات أحاديث كثيرة وكثيرة جدًّا ؛ فهذا هو الجواب في الرَّدِّ على مثل هذا الإنسان .

السائل : جزاكم الله خيرًا .

الشيخ : وإياكم .

الشيخ : صارت الساعة عشرة ؟ نكتفي بهذا المقدار ؟ هل نعستم ؟

السائل : عندنا بعض الأسئلة الكثيرة .

الشيخ : تفضل .

السائل : لو ما يؤثِّر في صحتك ولا شيء .

الشيخ : تفضل ، أنا معكم على كل حال نحو ربع ساعة - إن شاء الله - .
  • فتاوى جدة - شريط : 31
  • توقيت الفهرسة : 00:01:51
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة