ذكر أنواع التوحيد الثلاث وشرح توحيد الأسماء والصفات ، وبيان أن من الشرك في توحيد الأسماء والصفات ادِّعاء علم الغيب لغير الله سواء نسبته لنبيٍّ أو وليٍّ . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ذكر أنواع التوحيد الثلاث وشرح توحيد الأسماء والصفات ، وبيان أن من الشرك في توحيد الأسماء والصفات ادِّعاء علم الغيب لغير الله سواء نسبته لنبيٍّ أو وليٍّ .
A-
A=
A+
الشيخ : قلنا : إن التوحيد لا بد أن يجمَعَ توحيد الربوبية ، وهذا كان ... ولا بد أن يجمع إلى ذلك توحيد العبادة ، وهذا ما كفر به المشركين وبعض مَن ضَلَّ من المسلمين بسبب جهلهم .

وهناك توحيد ثالث به يتمُّ فهمُ التوحيد الذي هو المقصود من الشهادة ومن الكلمة الطَّيِّبة ، هذا التوحيد الثالث هو الذي يُسمَّى بتوحيد الصفات ، توحيد الصفات أن تعتقد أن الله - عز وجل - واحد في صفاته لا يُشبه أحدًا من مخلوقاته ، ولا أحد من مخلوقاته يشبه ربَّه في شيء من صفاته ؛ كما قال - عز وجل - : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) . هذا توحيد الصفات ، فكما أن الله - عز وجل - واحد في صفاته ؛ فهو واحد في عبادته ؛ فهو واحد في ذاته .

أما الاقتصار على الإيمان بأن الله واحد في ذاته وبس ؛ فهذا توحيد المشركين ، أما الاقتصار على توحيد الله في ذاته وعبادته فقط دون توحيده في صفاته فهؤلاء فهذا توحيد الغلاة الضالين الذين يؤمنون بتوحيد الربوبية ، ويؤمنون بتوحيد العبادة ؛ يعني لا يعبدون مع الله ، لكن من جهة أخرى يُشركون بعض المخلوقات مع الله في بعض الصفات ، يمكن تستغربون هذا الكلام ، ولكن نحن نقدِّم إليكم أمثلة من واقع حياة المسلمين اليوم .

كلنا فيما آمل وأرجو يعلم أن من صفات الله - عز وجل - أنه عالم الغيب في عديد من الآيات القرآنية : (( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ )) ، هل أحد يعلم الغيب ؟ أبدًا لا أحد سواه ، هذا توحيد الصفات ، من توحيد الصفات ، لكن هناك ملايين المسلمين مَن يعتقدون في معظَّميهم وفي بعض صالحيهم أنهم يعلمون الغيب ، وأكبر دليل على هذا إذا درسنا التاريخ القديم وما وَرِثْناه من بعض الأناشيد أنتم تسمعون بعض الناس يتبرَّكون بـ " قصيدة البوصيري " ، وفيها يقول مخاطبًا النبيَّ - عليه الصلاة والسلام - بقوله :

" فإنَّ مِن جودِك الدُّنيا وضرَّتَها *** ومن علومِك علمَ اللوحِ والقلمِ "

فهذا من الناحية العربية " من علومك " يعني بعض علومك - يا رسول الله - علم اللوح والقلم ، ما أدري والله بعد اللوح والقلم إيش في من العلوم ؟ مع ذلك أعطى للرسول - عليه السلام - علم اللوح والقلم وزيادة ، " ومن علومك علم اللوح والقلم " ؛ إذًا جعل الرسولَ شريكًا مع الله في العلم بالغيب مع أن الله يحكي في كتابه عن النبي - عليه السلام - أنه كان يقول : (( وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ )) ، هذا كلام صريح في القرآن الكريم عن نبيِّه أنه لا يعلم الغيب ، ويحتجُّ على ذلك بواقع حياته أنه لو كان يعلم الغيب ما مسَّه السوء .

كلنا يعلم كيف أن بعض المنافقين اتَّهموا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في عرض أحبِّ النساء إليه السيدة عائشة ، وكلنا يعلم كيف كان موقف الرسول اتجاه هذه التهمة ، لا يدري هذه التهمة حق ولَّا باطل ، فهَجَرَ السيدة عائشة مدة طويلة ؛ حتى نزل وحي السماء يطهِّرها تطهيرًا ممَّا تآمر به أعداء الله ، فالرسول - عليه السلام - آذاه المشركون آذاه المنافقون حينما اتَّهموه في عرض أحبِّ النساء إليه ، وغير ما ... هو عنده علم اللوح والقلم ، لماذا لم يعرف أنُّو السيدة عائشة هي براء ممَّا اتَّهمه المنافقون بأنه بشر ؟ (( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ )) ، هذه ... الرسول - عليه السلام - ؛ فكيف يلتقي الإيمان بالقرآن وبخاصَّة بهذه الآيات التي فيها أن الرسول لا يعلم الغيب ؛ كيف يلتقي هذا الإيمان مع قول المسلمين اليوم تبعًا لبوصيرهم : " ومن علومِك علم اللوح والقلم " ؟! هذا كفر بأن الله واحد في صفاته ، هذا قديمًا .

أما اليوم فيا ما أكثر ما نسمع عن بعض مَن يسمُّونهم بالمريدين لبعض مَن يسمُّونهم بالمرشدين والمشايخ الصوفيين ، تجدهم يحكون بكل بساطة أنُّو والله كنت حاضر في درس الشَّيخ وجاية ناوي في نفسي أني أسأله سؤال ، وإذا به يعلم ما في نفسي ، فيُجيبني عن سؤالي قبل أن أسأله ، فَهُم يعطون للشَّيخ صفة عليم بما في الصدور !! هذا كفر بتوحيد الصفات ، فهذا النوع من الإنسان لا يُفيده أن يقول : لا إله إلا الله ، لا يُفيده أن يفهَمَ حقيقة معنى لا إله إلا الله ؛ وهو أنه لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله ، لا يُفيده أنه فعلًا لا يذبح ولا ينذر ولا يستغيث إلا بالله - عز وجل - ، كل هذا وهذا لا يُفيده ما دام أنه جعل لله شريكًا في بعض صفاته ، ومن ذلك العلم بالغيب .

لقد جاء في " صحيح البخاري " أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مَرَّ بجارية من جواري الأنصار وهي تغني على عادة العرب الشعر المرتجل ، فقالت في جملة ما قالت : " وفينا نبيٌّ يعلم ما في غدِ " ، فقال لها : ( لا يعلم ما في غدٍ إلا الله ، دَعِي هذا فقولي ما كنتِ تقولون ) . ماذا قالت الجارية ؟ " وفينا نبيٌّ يعلم ما في غَدِ " ما قالت : " ومن علومك علم اللوح والقلم " ؛ " وفينا نبيٌّ يعلم ما في غَدِ " ، قال لها : ( لا يعلم الغيب إلا الله ، دَعِي هذا وقولي ما كنت تقولين ) ؛ يعني من وصف الرسول - عليه السلام - بما فيه دون غلوٍّ ودون إشراك له مع الله - عز وجل - في شيء من صفاته .

لعلي قد أطلت عليكم كثيرًا أو قليلًا ، لكن الواقع أنُّو مثل هذا البحث ينبغي أن يُكرَّر وأن يُكرَّر حتى يرسخ في ذهن كل مسلم ويفهم معنى هذه الكلمة الطَّيِّبة المنجيَّة لصاحبها من الخلود في الآخرة ؛ لأن حياته ونجاته هناك ينبني ليس على التكلُّم والتلفظ بها ، وإنما على المعرفة بمعناها الصحيح أوَّلًا ، ثم على الإيمان الجازم بهذا المعنى الصحيح ثانيًا ، ثم على عدم الكفر عمليًّا وانطلاقًا في حياتنا بهذا الإيمان الصحيح كما ضربنا لكم أمثلة ، والبحث في الشركيات المُنافية للتوحيد هذا فصل خاص تحت عنوان الشركيات والوثنيات التي تُنافي التوحيد كثير وكثير جدًّا ، وأذكركم بمثال واحد فقط لتأخذوا قياس منه على أمثلة أخرى ، وبعد ذلك أتوجَّه إلى الإجابة على أسئلة أخرى على حسب الترتيب الذي وَرَدَنا .

مواضيع متعلقة