درس " الأدب المفرد " ، " باب الصبر على الأذى " ، حديث أبي موسى رقم ( 389 ) : ( لَيسَ أَحَدٌ - أَو لَيسَ شَيءٌ - أَصبَرَ عَلَى أَذًى يَسمَعُهُ مِنَ اللَّهِ - عز وجل - وَإِنَّهُم لَيَدَّعُونَ لَهُ وَلَدًا ، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِم وَيَرْزُقُهُم ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
درس " الأدب المفرد " ، " باب الصبر على الأذى " ، حديث أبي موسى رقم ( 389 ) : ( لَيسَ أَحَدٌ - أَو لَيسَ شَيءٌ - أَصبَرَ عَلَى أَذًى يَسمَعُهُ مِنَ اللَّهِ - عز وجل - وَإِنَّهُم لَيَدَّعُونَ لَهُ وَلَدًا ، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِم وَيَرْزُقُهُم ) .
A-
A=
A+
الشيخ : ومن أجل هذه النقطة أتبع المصنف هذا الحديث بأحاديث أخرى يلفت نظر المسلم الذي حضَّه النبي - عليه السلام - على المخالطة وعلى الصبر فيما لو ابتُلِي بأذى أتبع هذا الحديث في باب : " الصبر على الأذى " ، وأورد تحته حديثًا بإسناد صحيح عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( لَيسَ أَحَدٌ - أَو لَيسَ شَيءٌ - أَصبَرَ عَلَى أَذًى يَسمَعُهُ مِنَ اللَّهِ - عز وجل - ) ، فالله الذي خلق الناس فهو يُسمع الأذى من الناس وهم عباد له مخلوقون له ؛ مع ذلك فهو يصبر عليهم ؛ أي : لهذا حظ المسلم أنُّو إذا كان ربك الذي خلق الناس مع ذلك يؤذونه فيصبر على أذاهم كما ... الحديث ، فأنت أولى أيها المسلم أن تصبر فيما إذا أصابك أذى .

ما هو هذا الأذى الذي يسمعه ربُّنا - عز وجل - ثم هو يصبر عليه صبرًا لا يصبره أحدٌ من العالمين ؟

قال في تمام الحديث : ( إنهم ليدعون له ولدًا - أو يَدَّعُونَ لَهُ وَلَدًا - وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِم وَيَرْزُقُهُم ) ، إنهم لَيتَّهمون الله - عز وجل - ... لأن له شريكًا لأن له ولدًا ؛ ومع ذلك عم يرزقهم خيرات الدنيا ، وحينما يمرضون يعافيهم ، كيف هذا وهم يسبُّونه ويدَّعون له الولد والشريك ؟ ذلك من صبر الله - تبارك وتعالى - على عباده ؛ لذلك قال - عليه الصلاة والسلام - : ( ليس شيء وليس أحد أصبر على أذًى من الله - عز وجل - يسمعه من أحد ؛ ذلك لأنهم يدَّعون له ولدًا ، وإنه لَيعافيهم ويرزقهم ) .

قد يقول قائل : هذا الله ، الله - عز وجل - له كل صفات الكمال ، فهو يستطيع أن يصبر هذا الصبر الذي ليس مثله صبر في الدنيا ؛ فكيف نحن نستطيع أن ... ؟ نقول : لا يمكن للإنسان مهما سما وعلا أن تصبح صفتُه مشابهةً لصفة من صفات الله - عز وجل - ، لكن هذا من باب التقريب ؛ لأن الله يقول : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ، ومع أنه قال في حقِّه (( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) لما ذكر آدم - عليه السلام - قال : (( فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا )) ، لكن سمع آدم وبنيه ليس كسمع الله - عز وجل - وبصره بطبيعة الحال ، لكن في نوع مشاركة في اللفظ ، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يتشبَّه لله - عز وجل - في تمام الصفة فهو أن يقارب الاتصاف بشيء من صفة الصبر التي يتَّصف بها الله - تبارك وتعالى - ، ومن صفاته الصبور الشكور .

وبهذه المناسبة أذكِّر بحديث مشهور ومذكور في بعض الكتب ولا أصل له ، ولكن له صلة بهذا المعنى الذي نُدندن حوله ، هذا الحديث لفظه : " تخلَّقوا بأخلاق الله " . " تخلَّقوا بأخلاق الله " حديث لا أصل له ؛ أي : لم يُروَ عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مطلقًا حتى ولا بإسناد موضوع ، وإنما اشتهر في الأزمنة المتأخِّرة أن الرسول - عليه السلام - قال : " تخلَّقوا بأخلاق الله " . لكن هل لهذا الحديث الذي لا أصل له روايةً عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صحة من حيث المعنى ؟ هل يمكن أن يُقال للإنسان : تخلَّق بأخلاق الله ؟ الجواب : يمكن في غالب صفات الله - عز وجل - ، ولا يمكن بل لا يجوز شرعًا أن يتخلَّق المخلوق بشيء من بعض صفات الله - عز وجل - ؛ مثلًا من صفاته أنه الجبَّار ، فلا يجوز للمسلم أن يتخلَّق بالجبروت ؛ لأن صفة الجبروت صفة تليق بالله - تبارك وتعالى - الخالق ؛ لذلك جاء في بعض الأحاديث القدسية أن مَن تجبَّرَ وتكبَّرَ قصمَه الله - عز وجل - ؛ لأن الكبرياء والجبروت هما من صفات الله - عز وجل - ، لكن لو جِئْنا لصفة الصبر لصفة الحلم فهنا يُقال : تخلَّقوا بهذه الأخلاق الإلهية ، لكن بقدر الاستطاعة ، بقدر ما يتناسب مع الطبيعة البشرية .

في هذه النقطة أي : لكون الإنسان لا يستطيع أن يقارب بالتشبُّه بصبر الله - عز وجل - جاء بحديث ثاني يتعلق بخَلْقٍ من خَلْقِ الله - عز وجل - هو الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وحينئذٍ فتبقى المقاربة والمشابهة متجانسة بين الإنسان المأمور بأن يتخلَّق بخلق الصبر وبين هذا الإنسان الكامل الذي ستسمعون ما جاء فيه من الصبر .

مواضيع متعلقة