المعنى الحقيقي لكلمة : " لا إله إلا الله " . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
المعنى الحقيقي لكلمة : " لا إله إلا الله " .
A-
A=
A+
الشيخ : فقبل كلِّ شيء يجب أن نفهم باختصار ما معنى لا إله إلا الله ؟

كثير من الناس كثير جدًّا يفهمون معنى لا إله إلا الله أي : لا ربَّ إلا الله ، هذا خطأ ، فَهْمُ هذه الكلمة الطَّيِّبة التي خُوطب الرسول وأُمِرَ بأن يعلم ، وقيل له في القرآن : (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )) ؛ كثير من الناس يفسرونها بهذا التفسير القاصر ، لا إله إلا الله ؛ يعني : لا ربَّ لا خالق إلا الله ، لا ربَّ لا خالق إلا الله هذا كلام صحيح ، لكن ليس صحيحًا تفسير هذه الكلمة الطَّيِّبة بهذا التفسير ، فلا إله إلا الله ليس معناه لا ربَّ إلا الله ، لا خالق إلا الله ؛ إذًا ما هو المعنى الصحيح ؟ أجمع علماء المسلمين أن المعنى الصحيح لهذه الكلمة الطَّيِّبة " لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله " ، هذا المعنى الصحيح ، " لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله " ، وليس المعنى لا ربَّ إلا الله ، ومن الأدلة على ذلك .

السائل : ... .

الشيخ : ومن الأدلة على ذلك أن تعلموا الحقيقة الآتية ؛ وهي - أيضًا - من الأمور المجهولة عند كثير من المسلمين ، لا أعني فقط العامة ، بل حتى المثقَّفين ، الحقيقة الآتية هي المشركين الذين بُعِثَ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إليهم مباشرةً ، ودعاهم إلى عبادة الله وإلى أن يقولوا معه : لا إله إلا الله ، فأبَوا عليه ، فقاتلهم وقاتلوه ؛ لماذا ؟ ألأنهم قالوا : هناك أرباب مع الله ؟ بمعنى آخر : لماذا كفر المشركون ؟ هل لأنهم جعلوا مع الله أربابًا أخرى ؛ يعتقدون أنها هذه الأرباب الأخرى تخلق وترزق وتحيي وتميت ؟! هكذا يظنُّ كثير من الناس ، وآخرون يظنُّون أن المشركين كانوا ينكرون وجود الله ؛ ولذلك كانوا مشركين وكانوا كفارًا بالله ، فقاتلهم رسول الله ، كل هذا وهذا لم يكن الأمر كذلك ، المشركون في الجاهلية لم يكونوا دهريين ملاحدة ينكرون وجود الله ، لم يكونوا كذلك ، وكذلك لم يكونوا يعتقدون بأن هناك أرباب كثيرة كالمجوس الذين يعتقدون بإلهين اثنين إله الخير وإله الشر ، هذه عقيدة المجوس ، المشركون العرب في الجاهلية على ضلالهم المبين لم يكونوا يعتقدون أن مع الله ذات أخرى خلافًا للمجوس ؛ إذًا ما هو كفرهم ؟ من أجل ماذا قاتلهم الرسول وقاتلوه ؟ نقول في القرآن الكريم قال - عز وجل - : (( إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) ؛ إذا دعاهم الرسول - عليه السلام - إلى أن يقولوا معه : لا إله إلا الله يستكبرون ، ويأبَون عليه ذلك ، وفي الآية الأخرى قالوا : (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) .

-- وعليكم السلام ورحمة الله --

فالمشركون في الجاهلية كانوا يؤمنون بتعدُّد الآلهة ولا يعتقدون بتعدُّد الأرباب ، هذا الفرق يجب على المسلم أن يفهَمَه إذا كان يريد أن يكون موحِّدًا حقًّا وعارفًا بمعنى لا إله إلا الله ، اسمعوا ؛ المشركون كانوا لا يعتقدون بتعدُّد الأرباب ، ولكنهم يعتقدون بتعدُّد الآلهة ، واعتقادي - مع الأسف الشديد - أن أكثر الناس لا يفرِّقون بين هذا وهذا ، لا يظهر لهم الذي أريده من قولي : المشركون كانوا لا يعتقدون بتعدُّد الأرباب ، ومن جهة أخرى : المشركون كانوا يعتقدون بتعدُّد الآلهة ؛ لأنهم لا يعرفون الفرق بين الرَّبِّ والإله ، وهنا بيت القصيد من هذه الكلمة ، أوَّلًا لكي نثبت أن العرب كانوا في الجاهلية لا يعتقدون بتعدُّد الأرباب ، وفي الوقت نفسه كانوا يعتقدون بتعدُّد الآلهة ، ما الدليل على ذلك ؟ ليس عندنا أصح من القرآن مطلقًا ، في القرآن الكريم آيات عديدة منها قوله - عز وجل - =

السائل : السلام عليكم .

الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .

= (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ )) .

السائل : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ )) .

الشيخ : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ )) ، ففي القرآن آيات كثيرة فيها التصريح من ربِّ العالمين خطابًا للرسول - عليه السلام - بمثل قوله - تعالى - : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ )) أي : المشركين ، (( مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )) ، (( لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )) هذا جواب إيش ؟ المشركين ؛ إذًا هم يؤمنون بأن خالق السماوات والأرض هو ربٌّ واحد خالق واحد لا شريك له ، وكانوا يؤكدون هذا فيما كان بَقِيَ لديهم من مناسك الحج حينما كانوا يطوفون حول الكعبة كانوا يلبُّون بمثل تلبية الموحدين اليوم ، ولكن يزيدون على ذلك ما يُفسد عليهم توحيدهم ، كأن يقول طائفهم : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريكًا تملكه وما مَلَك " ، عم يستثنوا له شريك لكن هذا الشريك نفسه هو من ملك الله - عز وجل - ، وما يملك - أيضًا - هو من ملك الله - عز وجل - ؛ فهم من جهة موحدون ، ومن جهة مشركون ؛ هذه الدِّقَّة يجب أن نفهَمَها حتى لا نقع في مثل ما وقع أولئك المشركون .

هم من جهة موحدون كما سمعتم (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )) ، من جهة أخرى كما ذكرنا الآيات السابقة : (( إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) ، قالوا : (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) . الإله - يا إخواننا - معناه في اللغة العربية التي نزل بها القرآن المعبود ، الإله هو المعبود ؛ بغضِّ النظر إذا كان هذا المعبود عُبِد بحقٍّ أو عُبِد بباطل ، فكل مَن عُبِدَ وخُضِعَ له فهو إله عند هذا العابد ، فإذا كان عَبَدَ الله فهو عابد لله ، وإذا عبد اللَّات والعزى فهو عابد لهم ، وإذا عبد عيسى فهو عابد لعيسى ؛ إذا عبد الأرباب من دون الله المتجبِّرين في الأرض فهؤلاء عبيد لهؤلاء وليسوا عبيدًا لله - عز وجل - ؛ لأن الله - عز وجل - لا يرضى أن يُشرَكَ به ؛ سواء كان هذا الشرك في ذاته أو في عبادته أو في صفاته ، فالمشركون الذين كانوا يؤمنون بأن الله هو الذي خلق السماوات والأرض كانوا يعبدون مع الله أشخاصًا وآلهة أخرى ، فَمَن حيث عبادتهم للأشخاص الآخرين كانوا وقعوا في الشرك ، ومن أجل ذلك قاتَلَهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ فَهُم من جهة مؤمنون بأن الرَّبَّ واحد لا شريك له ، ومن جهة مشركون لأنهم يعبدون معه اللَّات والعزى وغير ذلك من الأشخاص المعظمين لديهم .

وإلى هذه الحقيقة المتناقضة هم من جهة موحدون ومن جهة مشركون أشار الله - عز وجل - بقوله - تبارك وتعالى - في القرآن الكريم : (( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ )) ، (( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ )) ، فانظروا كيف أن الله - عز وجل - وَصَفَ كثيرًا من الناس بوصفَين متناقضَين ، وَصَفَهم من جهة أنهم مؤمنون ، ومن جهة أخرى أنهم مشركون ، كيف هذا ؟ هذا واقع ، حتى اليوم موجود هذا التناقض ، حتى في كثير من المسلمين ، وهذا الذي نحن يدفعنا إلى التحدُّث في هذا البحث القصير . (( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ )) ، الذي يؤمن بأن خالق هذا الكون هو الله واحد لا شريك له هو مؤمن ، ولكن الذي يعبد غير الله ويخضع لغير الله فهو من هذه الجهة مشرك ؛ لذلك قال - تعالى - : (( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ )) ، فمعنى لا إله إلا الله إذًا لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله ، فَمَن آمَنَ بأن الله هو وحده خالق السماوات والأرض ، وزاد على ذلك أنه عبده وخضع له وحده ولم يعبد غيره مطلقًا ؛ فقد اتَّخذه إلهًا دون سواه .

السائل : ... .

الشيخ : (( وَمَا يُؤْمِنُ )) قلنا البحث السابق من ثمراته أن يساعدنا على فهم القرآن الكريم ؛ ذلك أن كثيرًا من المشايخ فضلًا عن غيرهم يصعب عليهم جدًّا أن يفهموا حقيقة معنى هذه الآية الكريمة : (( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ )) ؛ لأنها تجمع بين أمرين متناقضين ، تجمع بين الإيمان بالله من جهة وبين الإشراك مع الله من جهة أخرى ؛ فكيف ذلك ؟ إذا وَضَحَ لكم توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية أو توحيد العبادة تيسَّر لكم فهمُ هذه الآية : (( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ )) ؛ أي : إن كثيرًا من الناس كالمشركين في الجاهلية الذين كانوا أشد أعداء الرسول - عليه السلام - ، وأشد أعداء دعوة التوحيد ؛ هؤلاء المشركون كانوا يجمعون بين الإيمان وبين الشرك ، وهم الذين عَنَاهم أول مَا عَنَاهم ربنا - عز وجل - في الآية السابقة : (( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ )) ، فهم من جهة كانوا يؤمنون كما عرفتم ؛ لأن الخالق لهذه السماوات والأرض هو واحد لا شريك له ، هذه عقيدة المشركين التي صرَّح ربُّ العالمين في القرآن الكريم كما سمعتم .

لكن من جهة أخرى كانوا يعبدون غير الله - تبارك وتعالى - ، يعبدون اللَّات والعزى ، ولأنهم جَرَوا على ذلك اتباعًا منهم لآبائهم وأجدادهم ؛ فلما جاءهم الرسول - عليه الصلاة والسلام - يدعوهم إلى أن يعبدوا خالقَهم الذي يوحِّدونه كخالق ورازق ، فلما دَعَاهم الرسول - عليه السلام - إلى أن يعبدوه وحده إلى أن يخلصوا له في العبادة ، إلى أن لا يعبدوا معه آلهةً أخرى كفروا وقالوا كما في القرآن الكريم : (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) ، إنهم يتعجَّبون ويستنكرون استنكارًا بالغًا من دعوة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إياهم إلى عبادة مَن اعتقدوا أنه واحد لا شريك له في الخلق ، فأنكروا ذلك أشدَّ الإنكار ، وقاتلوا الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا لأنه يدعوهم إلى أن يعتقدوا بأن خالق الكون واحد ؛ فهذا كانوا يؤمنون به منذ ما قبل بعثة الرسول - عليه السلام - ، ولكنهم قاتلوه - عليه الصلاة والسلام - أشدَّ القتال لأنه قال لهم : لا تعبدوا اللَّات ، لا تعبدوا العزَّى ، لا تعبدوا مع الله آلهة أخرى ، قالوا : (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) .

فكفر المشركين الأولين وكفر كثير من الناس فيما بعد حتى بعض المسلمين اليوم - مع الأسف الشديد - لا يأتي من جهة كفرهم لربِّ العالمين كخالق ؛ لا ، كل الناس مفطور في فِطَرِهم أن يعتقدوا أن الخالق واحد ، ولكنهم مع ذلك يُشركون مع الله ، يعبدون مع الله غيره وسواه ، فلِنفي هذه المعبودات قال الله - عز وجل - لنبيِّه معلِّمًا أمته في شخصه : (( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )) ، قلنا : ما معنى لا إله إلا الله ؟ كثير من الناس الغافلين عن هذا الحقِّ المبين : لا إله إلا الله ؛ يعني : لا ربَّ إلا الله ، هذا خطأ ، مَن قال من المشركين الكفار اليهود والنصارى والملاحدة ، مَن قال : لا إله إلا الله وهو يعني لا ربَّ إلا الله ؛ فهو ... ما آمن ؛ لأن الإيمان ليس هو مجرَّد اعتقاد كما هو في أوروبا الآن يقولون هناك دين سموه بالدين الطبيعي ، شو هادا الدين الطبيعي ؟

يعني الدين الذي دعا إليه العقل الفطري ؛ أنُّو هذا الكون بما فيه من نظام من كواكب من نجوم من مجرَّات لا بد له من خالق ، هذه طبيعة غريزة في الإنسان ، فآمنوا بأن لهذا الكون خالقًا ، هل هم مؤمنون ؟ لا ، هذا إيمان بشيء من الإيمان الذي أمَرَ الله به ، لكنه لا يُنجي صاحبه من الخلود في النار يوم القيامة ، هكذا كان المشركون يؤمنون بأن هذا الكون له خالق كما هو الدين الطبيعي اليوم ، لكن هذا الإيمان يجب أن يقترن مع إيمان ثان وثالث ، الإيمان الثاني هو أنه لا يستحقُّ العبادة إلا هذا الخالق الواحد لا شريك له ، فَمَن عَبَدَ معه غيره فقد كفر به ؛ لأن الله الحقَّ هو الذي يُعبد وحده لا شريك له لا في ذاته ولا في عبادته ، لما عرف المشركون معنى كلمة التوحيد كفروا بهذه الكلمة ، كفروا بها اعتقادًا ؛ فقالوا : (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) ، واستكبروا أن يعترفوا بهذه الحقيقة كما قال - تعالى - في الآية السابقة : (( إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) ؛ لأنهم عرفوا أن التوحيد الذي دعا إليه الرسول في هذه الكلمة الطَّيِّبة يستلزم الكفر بكلِّ المعبودات والطواغيت التي عُبِدَت من دون الله - تبارك وتعالى - .

هنا لا بد من وقفة ، ماذا فعل المشركون حينما عبدوا غير الله ؟ لأنه من الأمور الغامضة اليوم لدى كثير من المسلمين أنهم لا يعلمون معنى العبادة ؛ بدليل أنه لا يزال ملايين المسلمين متعبِّدين صالحين يقومون بالفرائض والواجبات ، بل والمستحبَّات ؛ لا يزال كثير من هؤلاء يذهبون إلى قبور الأولياء والصالحين فيذبحون لهم الذبائح ، وينذرون لهم النذور ، وهم يقولون : لا إله إلا الله ؛ هل هذا يتفق مع قولهم هذا ؟ الجواب : لا .

مواضيع متعلقة