بيان وقوع بعض المسلمين في الشرك بالله - تعالى - . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان وقوع بعض المسلمين في الشرك بالله - تعالى - .
A-
A=
A+
الشيخ : والبحث في هذا في الحقيقة واسع وواسع جدًّا ، وكل ذلك تطبيق من الرسول - عليه السلام - في عشرات الجزئيات في كلِّ أبواب الشريعة وفصولها يدندن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حول محافظة المسلمين على عاداتهم وتقاليدهم وأزيائهم ، لا يعجَبَنَّ مسلمٌ اليوم من هذا الضعف الذي رانَ على المسلمين ؛ لأن لهذا أسبابًا كثيرة وكثيرة جدًّا ، شأن ذلك شأن الجسد المريض قد تتوفَّر عليه علل كثيرة ، فيعجز ... الأطباء عن معالجتها أوَّلًا : لكثرتها ، وثانيًا : لأن معالجتها تتحمَّل زمنًا طويلًا وطويلًا جدًّا ، وهذا هو شأن مرض المسلمين اليوم وضعفهم الذي مكَّنَ الأعداء منهم وتسلَّطوا عليهم .

من هذه الأسباب تركُهم لعاداتهم التي توارَثُوها عن آبائهم وأجدادهم على أساس أنها عادات إسلامية ، وهذا ما رمى إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذه الأحاديث التي بعضُها قاعدة : ( مَن تشبَّهَ بقومٍ فهو منهم ) ، وبعضُها ... لهذه القاعدة ، بعضها تتعلَّق بأمور عادية كشجرة السدر هذه ، وبعضها تتعلق بالعبادات ، وبين ذلك أمور وأمور كثيرة وكثيرة جدًّا ، أهمها الانحراف في العقيدة ، أهمها الانحراف في العقيدة والوقوع في الإشراك بالله - عز وجل - الذي وَقَعَ فيه اليهود والنصارى معًا .

مثل اليوم المسلمون فيما يتعلَّق بالعقيدة تجدهم يشركون ولا يشعرون ، ويقعون في مثل ما وَقَعَ مَن قبلهم مصداقًا الحديث السابق : ( لتتبعنَّ سنن مَن قبلكم شبرًا بشبر ) إلى آخر الحديث ، ما فعل الذين من قبلنا ؟ لقد حدَّثَنا ربُّنا - عز وجل - في كتابه فقال في النصارى : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا )) ، واضح هنا من الآية أن الله - عز وجل - وصف النصارى بنوعين من الشرك ، أحدهما يفهَمُه كلُّ سامع وهو الثاني (( وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ )) ، أما الأول فقد يخفى على الكثيرين حتى من العرب الأصيلين في عروبتهم ، وهذا ما وَقَعَ في زمن الرسول - عليه السلام - حينَما نزلت هذه الآية الكريمة : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) هذا الشرك الأول ، (( وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ )) الشرك الثاني . هذا الشرك الثاني قد مسلم يعرف أنه شرك ، وأن النصارى شركُهم هو عبادتهم للمسيح - عليه السلام - ، لكن جماهيرهم حتى اليوم لا يفقهون معنًى مبينًا ظاهرًا بيِّنًا للشرك الأول : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) .

بل كما قلت آنفًا أحد الصحابة لم يفهم المقصود من هذه الآية حتى بيَّنَ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له ؛ ألا وهو عديُّ بن حاتم الطائي - رضي الله عنه - ، حاتم الطائي أشهر من أن يُذكر بجوده وكرمه الذي يُضرب به المثل ، وهو كما تعلمون جميعًا مات في الجاهلية ، ولم يدرك البعثة النبوية ، أما ابنه عدي فقد أدرك الرسالة وآمَنَ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكنه قبل ذلك كان قد تنصَّرَ ؛ لأنه كان من العرب القلائل الذين كانوا كما يقولون اليوم مثقَّفين متعلِّمين ، ولم يكن من جمهور الأمِّيِّين وهم العرب كما قال - عز وجل - : (( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ )) ؛ فهو كان من العرب القلائل والأفراد الذين تعلَّموا وتثقَّفوا ، وكان على شيء من العلم بالشرائع السابقة كالنصرانية واليهودية ، فحَمَلَتْه ثقافته هذه على أن يختار التديُّن بالنصرانية على الوثنية التي وجدَ عليها قومه ، ولا شك أن هذا خير له ، فلما بعثَ الله محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - نبيًّا رسولًا وبَلَغَه خبره جاء إليه وعلى عنقه الصليب ، فأنكر الرسول - عليه السلام - ذلك عليه ، وذكَّرَه بما كان عليه عيسى - عليه السلام - من التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له ، وأمَرَه بالإسلام فأسلم ، وصار من كرام الصحابة ، ويحضر مجالس الرسول - عليه السلام - ، وبينما هو عنده يومًا نزلت عنده هذه الآية : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ )) ، أشكل عليه الشطر الأول من الآية ؛ لذلك قال : والله يا رسول الله ما اتَّخذناهم أربابًا من دون الله . الذي تبادَرَ إلى ذهن عدي بن حاتم هو أنهم فعلوا برهبانهم وقسِّيسيهم كما فعلوا بعيسى ، كما جعلوه ربًّا - أيضًا - جعلوهم أربابًا من دون الله ، فهنا بيَّن له الرسول - عليه السلام - ما كان عليه ... من قبل ، فقال له - وهذا أسلوب في تفهيم الناس سؤال وجواب - قال : ( أَلَسْتُم كنتم إذا حرَّموا لكم حلالًا حرَّمتموه ، وإذا حلَّلوا لكم حرامًا حلَّلتموه ؟! ) . قال : أما هذا فقد كان .

...

مواضيع متعلقة