موقف الفرق من صفة العلوِّ لله - تبارك وتعالى - ومسألة الجبر والتخيير ومخالفة الكتاب والسنة والسلف . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
موقف الفرق من صفة العلوِّ لله - تبارك وتعالى - ومسألة الجبر والتخيير ومخالفة الكتاب والسنة والسلف .
A-
A=
A+
الشيخ : فما موقف هذه الفِرق القديمة والذين يتبنَّون اليوم هذه العقيدة ؟ ما أدري إذا كنتم ماضون معي في التفكير والوعي أنَّ اليوم لا نسمع أهل العلم يعتقدون أن الله - عز وجل - في السماء كما هو نصُّ القرآن الكريم ، لكن يعتقدون خلاف ذلك تمامًا ؛ فتسمعون معنا قول البعض منهم بمناسبة وبغير مناسبة : الله موجود في كل مكان . ما هكذا يقولون ؟ الله موجود في كل مكان ، الله موجود في كل الوجود . الله أكبر !! هَيْ عقيدة المعتزلة ، هذه الكلمة التي نحن ننطق بها اليوم ومن أهل السنة والجماعة ما شاء الله هي عقيدة المعتزلة ، وهم الذين أنكروا نصوصًا من القرآن ليس إنكار اللفظ وإنما إنكار المعنى ؛ لأنَّ المسلم إذا وصل به الضَّلال إلى إنكار نصٍّ في القرآن حينئذٍ خرج عن دائرة الإسلام ؛ لا يفيده لا صلاة ولا صيام ولا أي شيء ، لكن إذا قال آمنت بقوله - تعالى - : (( أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) لكن بيلف ويدور على المعنى منشان حتى يرد الحديث ويقول : الجارية أخطأت ؛ لأن معنى (( أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) يعني الملائكة ، هَيْ آمن هو بنصِّ القرآن ، لكن هو دار ولفَّ على النَّصِّ القرآني ، وجاء بتأويل خلاف التأويل الحق .

وهذا المثال مع المثال الوحيد اللي ذكرناه فيما يتعلَّق بالأحكام الشرعية - وهو خروج الدم - هذا خلافٌ خطير موجود اليوم بين المسلمين ، وحسبكم الضَّلالتين في العقيدة ، القول بأن الإنسان مسيَّر ومخيَّر ، وأن الله - عز وجل - في كل مكان ، فالأمكنة مهما كانت قذرة مهما كانت نجسة فهم يعتقدون بأنَّ الله في تلك الأمكنة ؛ مع أن الكتاب والسنة في كلٍّ من هاتين العقيدتين على خلافهما . من أجل هذا وهذا وغيره كثير وكثير جدًّا نحن فرَرْنا كما قال - تعالى - : (( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ )) ، شو معنى فرُّوا إلى الله ؟ يعني الله جالس في مكان نروح لعنده ؟ لا ؛ فرُّوا إلى الله يعني إلى كتابه وإلى سنة نبيِّه كما قال - عز وجل - في الآية المعروفة في مثل هذه المناسبة : (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ )) ؛ يعني ردُّوه إلى الله يعني مثل ما بيروح المستفتي إلى المفتي بيسأله ؟ لا ، ليس الأمر كذلك ؛ ولذلك اتفق علماء المسلمين أنَّه ليس المقصود (( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ )) إلى ذات الله ، والرسول ذات الرسول ؛ لأن الرسول - عليه السلام - كما قال ربُّنا في القرآن : "" قد خلت الرسل من قبله "" شو أول الآية ؟ (( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ )) . فالرسول مات لا يمكن الوصول إليه ، وربُّ العالمين - تبارك وتعالى - هو الغنيُّ عن العالمين ؛ فلا يمكننا الوصول إلى ذاته ، لكن المقصود (( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ )) إلى كتابه ، والرسول إلى سنَّته . كذلك (( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ )) ليس المقصود هذا الفقه الصوفي اللي بيعبروا عنه أنُّو نحن بدنا نصل إلى الله . الوصول إلى الله بالمعنى الصوفي المنحرف هذا أمر مستحيل ، بل هو الضَّلال بعينه ، لكن المقصود هنا فرَرْنا نحن إلى الله أي : رجعنا إلى كتاب الله وإلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لكي ننجو من هذا الاختلاف والاضطراب في العقيدة ؛ فضلًا عن الأحكام الشرعية .

لكن هنا شيء هام جدًّا - ولعله بيت القصيد من جوابي هذا عن ذاك السؤال - ؛ ألا وهو : لا يكفي اليوم أن نقول : نحن نرجع إلى كتاب الله وإلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ لأن هذا القول أمرٌ مشتركٌ بين جميع الطوائف الإسلامية ، ما يمكن أن تسمعوا من طائفة مهما كانت عريقة في الضَّلال : نحن لا نعتقد بالقرآن ، لا نعتقد بالسنة . معناها هؤلاء ليسوا مسلمين ، لكن هذه الفِرَق كلهم يقولون : نحن مع الكتاب والسنة . كيف كل هذه الفرق التي أوصَلَها الرسول - عليه السلام - إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة في الحديث الذي سمعتموه لا بدَّ مرارًا وتكرارًا يقول في آخر الحديث : ( وستفترق أمَّتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلُّها في النار إلا واحدة ) . قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي التي ما أنا عليه وأصحابي ) . هذه الفرق كلُّها هالكة إلا هذه الفرقة الواحدة فهي الناجية ، كلها تقول : مرجعنا الكتاب والسنة . إذًا من أين جاء الاختلاف ؟ هذا أمرٌ هام جدًّا ، ما دام الجميع يرجعون إلى الكتاب والسنة ؛ فمن أين جاء الاختلاف ؟

جاء الاختلاف من عدم الوقوف عند جملة : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) التي ابتدأنا الجواب عن ذاك السؤال بالآية هذه : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا )) . لماذا ذكر الله - عز وجل - في هذه الآية الكريمة (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ؟ أليس كان يكون مؤدِّيًا للمعنى المقصود من قوله - تعالى - : (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى )) ؛ لو قال : (( نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى )) أَمَا كان يؤدِّي الغرض ؟ نقول : نعم ، ولكن هناك غرض آخر أو مقصد آخر بتعبير أدق من الله - عز وجل - ؛ حينما ذكر هذه الجملة (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) أراد أن يُلفت النظر إلى سبب اختلاف الفرق الإسلامية هي أنهم لم يرجعوا إلى السلف الصالح . السلف الصالح الذين تلقَّوا القرآن من فم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - غضًّا طريًّا ، وإذا أشكل عليهم شيء سألوه وأجابهم وأفهَمَهم ، وهم بدورهم نقلوه إلى مَن جاء من بعدهم واتبعوهم وهم التابعون ثم أتباع التابعين ، هذه القرون الثلاثة التي شَهِدَ لها الرسول - عليه السلام - بالخيريَّة في الحديث الصحيح بل المتواتر ؛ ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( خير الناس قرني ) ، هذا هو لفظ الحديث الصحيح وليس " خير القرون " ، ( خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) .

زلت الفرق الإسلامية كلها لأنها لم تقِفْ عند مراد الله - عز وجل - في الآية السابقة : (( وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )) ، لماذا ذكر سبيل المؤمنين ؟ لأنه يجب علينا بهذه الإشارة القويَّة من الله - تبارك وتعالى - في هذه الآية أن نفهمَ القرآن والسنة على ما جرى عليه سلفنا الصالح ؛ لأنهم لم يكونوا مختلفين ، وإنما جاء الاختلاف من بعدهم ؛ لذلك ليس فيهم من يقول بالجبر ، وليس فيهم من يقول بأن الله في كل مكان ، وليس فيهم من يقول بشيء من هذه الضلالات التي تفرَّقت فيها هذه الفرق الكثيرة والكثيرة جدًّا ؛ لماذا ؟ لأنهم - كما ذكرنا آنفًا - أخذوا الشرع من فم النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كما أشار - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : ( مَن أحبَّ منكم أن يقرأ القرآن غضًّا طريًّا كما أُنزِلَ فليقرَأْه على قراءة ابن أمِّ عبد ) ، ابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - . ( من أحبَّ منكم أن يقرأ القرآن غضًّا طريًّا كما أُنزِل فليقرَأْه على قراءة ابن أمِّ عبد ) ، كذلك إذا أردنا أن نأخذ القرآن غضًّا طريًّا كما أُنزِلَ بالمفهوم الصحيح فليس لنا سبيل إلا سبيل المؤمنين .

قلنا نحن في مطلع هذه الكلمة : سبيل المؤمنين نحن يعني اليوم اللي قلنا : زِدْنا خلافًا على خلاف ؟ هذا أمر مستحيل ؛ إذًا سبيل المؤمنين في الآية هم السلف الصالح ؛ لذلك كنا نحن ندَّعي أننا نتَّبع السلف الصالح وننتسب إليهم ، وينبغي أن نتنبَّه لنقطة كثيرًا ما سمعنا الناس لا يتنبَّهون لها . يقول بعض قاصري الفهم والعلم يقولون : هذه تسمية مُبتدعة وأنتم تحاربون البدع ؛ فكيف وقعتم فيما من مثله هربتم ؟ نقول : نحن - ولا شك ، وهذا من فضل الله علينا وعلى الناس ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون - نحارب البدعة ، ولكننا نميِّز بين البدعة المقصود بها زيادة التقرُّب إلى الله - تبارك وتعالى - وهذه طبيعتها ؛ أنَّها لا تكون إلا في العبادات وبين البدعة التي تكون في العاديَّات ؛ فهذه العادات نحن فيها أحرار ما لم نخالف نصًّا شرعيًّا ، أما العبادات فنحن مقيَّدون ونحن عبيدٌ للشرع فيما تعبَّدَنا به لا يجوز أن نزيد فيه شعرة ولا أن ننقص منه شعرة ؛ ولذلك يقول أهل العلم المحقِّقون : الأصل في العبادات المنع إلا لدليل ، والأصل في العادات الإباحة إلا لدليل .

مواضيع متعلقة