هناك شبه تدور حول منهج الشيخ خاصة ومنهج أهل الحديث اليوم من السلفين عامة ، منها أن الشيخ الألباني عمد إلى السنن الأربعة وتصرف فيها ، وأتى بما لم يسبق إليه ، وفصلها إلى صحيح وضعيف ، مع أنَّ مسألة التصحيح والتضعيف مسألة اجتهادية ، أما ما يتعلق بأهل الحديث اليوم فإنَّهم يشتغلون بالرُّدود على بعض في مسائل فرعية اجتهادية الاختلاف فيها اختلاف تنوع وليس لهم في واقعهم أن يقدروا حلول لمشاكل المسلمين ، فنرجو من فضيلتكم إجلاء هذه الشُّبه ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هناك شبه تدور حول منهج الشيخ خاصة ومنهج أهل الحديث اليوم من السلفين عامة ، منها أن الشيخ الألباني عمد إلى السنن الأربعة وتصرف فيها ، وأتى بما لم يسبق إليه ، وفصلها إلى صحيح وضعيف ، مع أنَّ مسألة التصحيح والتضعيف مسألة اجتهادية ، أما ما يتعلق بأهل الحديث اليوم فإنَّهم يشتغلون بالرُّدود على بعض في مسائل فرعية اجتهادية الاختلاف فيها اختلاف تنوع وليس لهم في واقعهم أن يقدروا حلول لمشاكل المسلمين ، فنرجو من فضيلتكم إجلاء هذه الشُّبه ؟
A-
A=
A+
السائل : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، هناك شُبه تدور حول منهج الشيخ خاصة ، ومنهج أهل الحديث من السلفين اليوم عامة ، منها أن الشيخ الألباني عمد إلى السُّنن الأربع وتصرَّف فيها ، وأتى بما لم يُسبق إليه وفصلها صحيح وضعيف ؛ مع أنَّ مسألة التصحيح والتضعيف مسألة اجتهادية ، أما ما يتعلَّق بأهل الحديث اليوم أنَّهم يشتغلون بالردود على بعض وليس لهم في واقع المسلمين الآن يعني لا يُقدِّمون حلولًا لمشاكل المسلمين الآن ، وإنما هم مشتغلون بالردود على بعضهم في مسائل فرعية اجتهادية ، الخلاف فيها خلاف تنوع ، فنرجو من فضيلتكم إجلاء مثل هذه الشُبه ؟

الشيخ : هذه - كما يُقال منذ القديم - : " شنشنة نعرفها من أخْزم " ! إن الذين يدَّعون بأن السلفيين لا يقدِّمون حلولًا لمشاكل العصر الحاضر يقولون قولًا يدل على جهلهم بالإسلام ، والكلمة الأولى التي أشرت إليها إن كانت من كلامهم فهي - أيضًا - كما يقال : " ضغث على إبَّالة " ، صحيح أن الألباني جاء إلى السنن الأربعة ، وأعطى كلَّ حديث في كل كتاب منها مرتبته التي المرتبة التي تتطلَّبها أسانيد تلك الأحاديث وشواهدها وتوابعها ، فنقول لهؤلاء الذين يريدون أن يُقدِّموا إلى الأمة حلولًا لتلك المشاكل التي يُشيرون إليها ؛ على أيِّ أصل يريدون أن يعتمدوا في ذلك التقديم ؟ لا شك أن ذلك الأصل هو الأصل الأول للشريعة الإسلامية القرآن الكريم ، ثم الأصل الثاني السنة - أيضًا - باتفاق جميع المسلمين ، وإذا كانت السنة قد دخل فيها لحكمةٍ أرادها الله بهذه الأمَّة ما ليس منها من الأحاديث الضعيفة والمُنكرة ؛ فتلك الحلول كيف تُقام على مثل هذه الأحاديث التي اختلط الحابل فيها بالنابل ؟

لذلك فالسلفيون في الواقع يقومون بواجب التصفية التي أعرض عنها جماهير المسلمين قديمًا وحديثًا ، وبخاصَّة منهم هؤلاء الذين يزعمون بأنهم يقدمون حلولًا لتلك المشاكل ، وما أحسن قول الإمام الشافعي - رحمه الله - حين قال في " رسالته " : " إذا كان العالم جاهلًا بالسنة فبأيِّ أو وعلى أيِّ أصل يعتمد إذا ما أراد أن يقيس ؟ والقياس لا يصح إلا على الأصلين الكتاب والسنة ، فإذا قاس المجتهد أو استنبط حُكْمًا من السنّة فأوَّل شرط أن تكون هذه السنة صحيحة عند علماء الحديث ، وموافقة لأصولهم وقواعدهم " .

فهؤلاء الذين يتبجَّحون بما ليس عندهم من أنهم يُقدِّمون حلولًا لتلك المشاكل ؛ على أساس ماذا ؟ على أساس الجهل ؛ لأن الذين لا يعلمون السنة ، ولا يُميِّزون بين صحيحها وضعيفها ليس بإمكانهم أن يُقيموا حلولًا عمليَّة ومُوافقة للشريعة الإسلامية ، والواقع يؤكِّد ذلك ، فمنهم جماعات أو أحزاب مضى عليهم نحو نصف قرن من الزمان - أو أقل أو أكثر - ما استطاعوا أن يعملوا شيئًا ، فقد ظلَّت أفراد هذه الأحزاب بعيدة عن العمل بالكتاب والسنة ؛ لأنهم لا يعلمون ، ومن لا يعلم لا يستطيع أن يعمل ، كما ذكرنا آنفًا أن الأصل في كلِّ عمل أن يكون قائمًا على الكتاب والسنة ، ثم أن يكون خالصًا لوجه الله - تبارك وتعالى - ، فلو فرضنا في كل فرد من أفراد الأمة ومنها أولئك الجماعات أو الأحزاب فرضناهم مخلصين في أعمالهم ، ولكن أعمالهم تكون مردودة غير صالحة ؛ لأنها ليست على الكتاب والسنة .

فتقسيم السنة إلى صحيح وضعيف كما نَقل السائل آنفًا أن هذا عمل تفرَّد به الألباني ؛ فهل هذا عيْبٌ ؟ لقد سنَّ لنا الأئمة الكبار من علماء الحديث هذه السنة الطيِّبة ؛ أنهم جعلوا الحديث صحيحًا وضعيفًا ، وأشهر الأئمة في ذلك الإمام البخاري ومسلم ؛ فهل غُمِز صنيعُهم هذا غمْزًا سيِّئًا ؟ أم كان عملهم هذا مشكورًا عند الأمة كلِّها حتى صار كتاباهما بعد كتاب الله اعتمادًا عليهما مدى هذه القرون الطويلة ، فكان ذلك منهم سعيًا مشكورًا ، ويُثابون على عملهم هذا بما لا يُقدِّر أجره إلا الله - تبارك وتعالى - .

الحق - والحق أقول - : إن انتقاد عمل الألباني هذا ينشأ من عدم تقدير هذا العلم ، وهو الذي يُمكِّن صاحبه من تمييز الصحيح من الضعيف ، أو يَنشأ من الحقد والغيرة والحسد ، وهذا ليس من أخلاق المسلمين ، فبديل أن يُحسنوا هذا العمل ويُساعدوا المؤلف على المضيِّ شوطًا كبيرًا في إتمام هذا العمل يقولون : هذا عمل تفرَّد به الألباني ! فماذا يريدون إذًا ؟ أن تبقى الأمة الإسلامية حيارى كلما جاءهم حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يعرفون صحيحه من ضعيفه ؟ وتكون نتيجة ذلك وعاقبة ذلك أن يقعوا في الافتراء على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وذلك مما أخبر به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في أحاديث كثيرة ، أهمُّها قوله - عليه السلام - : ( كفى المرء كذبًا أن يُحدِّث بكل ما سمع ) ، وإذا كان لا يجوز الاعتداء على الباغين أو على الظالمين وإنما جزاء سيِّئة سيِّئة مثلها ؛ فأنا أقول : إن هؤلاء الذين لا يُقدِّرون هذا الجهد المبذول في تمييز الصحيح من الضعيف ؛ فمعنى ذلك أنهم رضوا بالبقاء على جهلهم بالسنة ، ورضوا بالتالي بالوقوع في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - للحديث السابق ، وهو حديث خطير جدًّا ، ويُعالج أمرًا واقعًا ؛ ( بحسب المرء من الكذب أن يُحدِّث بكل ما سمع ) .

أيُّ كاتب ألَّف كتابًا ، أو أيُّ كاتبٍ كتب رسالة ، أو أيُّ مُحاضر ألقى محاضرةً يروون في هذه المقالات أحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يُميِّزون صحيحها من ضعيفها فقد وقعوا - شاؤوا أم أبوا - في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، هذا وحده يكفي ليعلموا أن من الواجب على العشرات - بل المئات - من الأمة الإسلامية أن يدرسوا علم الحديث هذا دراسة جيِّدة ، وأن يتمكَّنوا من تمييز صحيح الحديث من ضعيفه ؛ حتى ينشروا العلم الصحيح بين المسلمين ؛ يومئذٍ يستطيع من يُريد أن يضع تلك الحلول المشارة إليها آنفًا أن يضعها حلولًا إسلامية ، وإلا ستكون حلولًا بعيدة عن الإسلام .

ونحن في كل يوم نقرأ مقالات فيها إباحة أشياء أو تحريم أشياء بمجرَّد الرأي ، ليس هناك قال الله ، ولا قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ مع أنه يكون من المعلوم عند أهل العلم أنه في كثير من تلك البحوث قد جاءت أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومع ذلك لا يُذكر في بعضها حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهذه علَّة طالما تحدَّث عنها بعض العلماء القُدامى في بعض المذاهب ؛ حيث يقرأ الإنسان كتاب فقه من أوله إلى آخره فلا يسمع قال الله قال رسول الله ، إنما هو مُجرَّد المذهب ومُجرَّد الرأي .

وقديمًا قرأت بحثًا لأحد الكتاب المشهورين حول الموسيقى والغناء وإذا به لا يتعرَّض لحديث من تلك الأحاديث التي ذكرها علماء الحديث في خصوص هذه المسألة ، وإنما يذكر آراءه ، وقد يعتمد في شيء منها على بعض الأقوال لبعض المتقدِّمين ، ولكن العلم ليس هو قال فلان وقال علان ، وإنما كما قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله - بحقٍّ :

" العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فقيه

كلا ولا جحد الصفات ونفيها *** حذرًا من التعطيل والتشبيه "

ذلك البحث في الغناء وفي الآلات الموسيقية لم يذكر كاتب ذلك البحث الحديث الذي جاء في البخاري : ( ليكوننَّ في أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف يُمْسون في لهوٍ ولعبٍ ، ويصبحون وقد مُسِخوا قردة وخنازير ) ، لماذا لم يذكر هذا الحديث ؟ لأنه أولًا لا علم عنده بالحديث ، وثانيًا لو ذكر هذا الحديث لَسَقَطَت مقالته من أصلها ، ولم يُقِم لما قاله وزنًا يذكر إطلاقًا ؛ أهكذا تكون وضع الحلول للمشاكل التي يعيشها المسلمون اليوم ؟ لا بدَّ من الرجوع إلى الكتاب وإلى السنة الصحيحة ، وهذا ما يُدندن حوله المسلمون المنتمون إلى السلف الصالح .

وأنا أخيرًا أقول كلمة سهلة جدًّا : نفترض أن المسلمين اليوم كلٌّ في مذهبه وفي طريقه الذي يمشي فيه ولكن على غير هدًى من ربه ، والمنتمون إلى السلف الصالح إنما يُزيلون العثرات ويُبعدون الأشواك من هذا الطريق ، فيكون جزاء ذلك العمل تحقير عملهم والحطّ عليهم بأنهم لا يضعون الحلول ؟! الحلول إنما توضع بعد إزالة الأشواك والعثرات من الطريق ، ذلك من معاني قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( تركتم فيكم شيئين لن تضلُّوا ما إن تمسَّكتم بهما ؛ كتاب الله وسنَّتي ، ولن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض ) ، فكل من لم يهتمَّ بالسنة ؛ فمعنى ذلك أنه لم يرفع رأسًا إلى الآيات فضْلًا عن الأحاديث التي تأمُر المسلمين بالرجوع إليها ، وفي خاصَّة إذا اختلفوا في أمرٍ أو في حكمٍ أو في منهجٍ يضعونه للسَّير عليه في حياتهم القائمة الآن .

هذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين .

السائل : ... .

الشيخ : نعم ، كما فعل إيه ؟

السائل : أحمد شاكر في " المسند " - رحمه الله - .

الشيخ : وأحمد شاكر يعني .

السائل : ... إلى صحيح وضعيف .

الشيخ : نعم .

السائل : تبقى الأصول كما هي ، وتُخرَّج الأحاديث في الحواشي .

الشيخ : وإيش معنى هذا ؟ هكذا نحن .

السائل : ... .

الشيخ : هكذا نحن بدا لنا ؛ فهل هذا يكون مأخذًا علينا ، (( لكل وجهة هو مولِّيها فاستبقوا الخيرات )) ، وقد ذكرت آنفًا هذا الاعتراض أشرت آنفًا إلى أن هذا الاعتراض لا يرد على الألباني ، يرد على الإمام البخاري ومسلم ، لماذا جمعا الأحاديث الصحيحة في الكتاب ؟ أليس نُصحًا للأمة ؟ فنحن نستعين بالعلم الذي وضعوه لنا إلى تمييز الصحيح من الضعيف ، وأنا حينما خطَّطت هذه الخطَّة وجريت عليها أول ما جريت على " صحيح سنن أبي داود " و " ضعيف سنن أبي داود " ، لقد فكَّرت مليًّا ؛ أَأسلُكُ هذه الطريقة التي يراها بعضهم أم أسلك الطريقة التي شرح الله قلبي لها أخيرًا ؟ فلكلِّ وجهة ، قلت : لو أنني جئت إلى " سنن أبي داود " وهو أول كتاب من كتب السنن الأربعة بدأت فيه منذ نحو أربعين سنة ، لو أنَّني تركت السنن على ما وضعَه المؤلِّف عليه ، ثم أعطيت كل حديث مرتبته من صحَّة أو ضعف ، فعاقبة ذلك أنني ميَّزت فعلًا ، ولكن ما شخَّصت الصحيح ولا شخَّصت الضعيف ، وليس كل فرد من أفراد الأمة من طلاب العلم أو من غيرهم باستطاعته أن يستوعب هذا الكتاب برمَّته ، وأن يُركِّز في ذهنه الصحيح منه والضعيف ، بل أكثرهم سيختلط عليه الأمر من حيث الحفظ والضبط ، سيختلط عليه الأمر بالصحيح بالضعيف ؛ فرأيت أن هذا التمييز يُساعد كلَّ فرد من أفراد الأمة حتى حُفَّاظ الأمة أن يحفظوا الصحيح ويحفظوا الضعيف .

نحن الآن يكفينا أن نتذكَّر أن الحديث الفلاني في الصحيح في البخاري في مسلم ، وإذا نحن على بصيرةٍ من ديننا ؛ أنُّو هذا الحديث لا يحتمل أن يكون من الضعيف ، أما إذا الكتاب يحوي القسمين الصحيح والضعيف فيتذكَّر الإنسان أنه هذا الحديث في " سنن أبي داود " ، و " سنن أبي داود " فيه الصحيح ، فيه الحسن ، فيه الضعيف ، وفيه المنكر ، وغيره من السنن فيه بعض الموضوعات ، فسوف يختلط الحابل بالنابل والصحيح بالضعيف .

هذا ما اطمأنَّت إليه نفسي وانشرحت له صدري ، فما معنى انتقاد لمَ فعلت هذا ؟ هذا هو اجتهادي ؛ فإن أصبت فلي أجران ، وذلك ما أرجوه من الله - تبارك وتعالى - ، وإن أخطأت فنقول لأولئك المنتقدين : هاتوا عملكم الذي هو أصلح وأنفع من هذا للأمة ؟

تفضل .
  • فتاوى جدة - شريط : 19
  • توقيت الفهرسة : 00:22:02
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة