ماذا تقول في الدولة التي تحكم بما أنزل الله وفيها أخطاء ومعاصي ظاهرة ودولة تحكم بالدستور المستورد ؟ وأيُّهم كافر ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ماذا تقول في الدولة التي تحكم بما أنزل الله وفيها أخطاء ومعاصي ظاهرة ودولة تحكم بالدستور المستورد ؟ وأيُّهم كافر ؟
A-
A=
A+
الشيخ : ... (( ... الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد :

فإنَّ خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

أرجو من الأستاذ " البنَّا " أن يعيد عليَّ السؤال .

السائل : يقول : ماذا تقول في الدولة التي تحكم بما أنزل الله وفيها أخطاء ومعاصي ظاهرة ودولة تحكم بالدستور المُستورَد ؟ وأيهم كافر ؟ هكذا يقول هو .

الشيخ : لعلنا تكلَّمنا في جلسةٍ سابقة عن الكفر أو الشرك ، وأنه قسمان أحدهما كفر اعتقادي ، والآخر كفر عملي ، والكفر الاعتقادي له علاقة بعقيدة الإنسان ، فكلُّ مَن استحَلَّ بقلبه وتبنَّى نظامًا أو قانونًا أو شريعةً لم يأتِ بها الله - تبارك وتعالى - ولم يشرَعْها لعباده فهذا كفره كفر ردَّة ، كفره كفر اعتقادي ؛ أي : صاحبه لا يكون مسلمًا ؛ لأنه تبنَّى واعتقد بقلبه خلاف شريعة ربِّه ، وأما مَن تبنَّى شريعة الله - تبارك وتعالى - نظامًا وحكمًا فهذا مسلم له ما لنا وعليه ما علينا ، وممَّا له علينا ما جاء في الحديث الصحيح من حديث تميم الداري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( الدين النصيحة ، الدين النصيحة ، الدين النصيحة ) . قالوا : لِمَن يا رسول الله ؟ قال : ( لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامَّتهم ) . فمَن كان يتبنَّى الإسلام دينًا ونظامًا وقانونًا ، ورأينا فيه ما لا يخلو منه حاكمٌ من التقصير أو من الخطأ أو نحو ذلك ؛ فواجبنا أن نُناصِحَه ، وأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا ، والحاكم الأول الذي تبنَّى غير الإسلام دستورًا ونظامًا فالواجب على مَن كان تحت رايته أن يرحل وأن يهاجر منه إلى بلدة يسود فيها الحكم بالإسلام ، وهذا - أيضًا - في حدود القاعدة العامة وهي الاستطاعة : (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) ، وكما قال - عليه السلام - : ( ما أمرتُكم من شيء ؛ فأتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) .

السائل : وإن كان لا يستحلُّ لهذا ؟

الشيخ : نعم ؟

السائل : وإن كان لا يستحلُّ ؛ يعني إن كان يرى أن ذلك الحكم مضطرٌّ إليه وهو مؤمن بأن الحكم ما أنزل الله هو الواجب ؟

الشيخ : ما أرى الآن أن نعيد البحث السابق بتفصيله خشية الملل .

السائل : ... .

الشيخ : لا ، لا سيما عنده فيما يبدو أسئلة ، ولا بد إخواننا - أيضًا - الآخرون عندهم أسئلة .

سائل آخر : إشارة .

السائل : توضيح أحسن ولو إشارة ؟

سائل آخر : توضيح أحسن .

الشيخ : نحن نقول : كلُّ مَن يتبنَّى غير الإسلام عقيدةً فكفره كفر ردَّة ، وكلُّ مَن يتبنَّى الإسلام عقيدةً سواء كان حاكمًا أو محكومًا فهذا مسلم كما ذكرتُ آنفًا ، ولكن هذا الحاكم أو المحكوم إذا خالف شيئًا بما جاء به الإسلام فهذه المخالفة تُعتبر معصية ، ولا تُعتبر كفرًا مهما كان انحراف هذا المعاصي ، أو مهما كانت معصيته كبيرة ؛ ما دام أنه لا يستحلُّ تلك المعصية بقلبه ؛ أي : لا يقول : هذا الشيء الذي أرتكبه ليس معصية ، وإيش حرام وإيش حلال ؟ لا يقول هذا ، إذا قال هذا فقد كفر وارتَدَّ عن دينه ، وعلى هذا يجب أن نفرِّقَ بين الكفر الذي هو كفر ردَّة ، وبين الكفر الذي هو كفر معصية ، كفر الرِّدَّة له علاقة بالقلب يخالف قلبُه شريعةَ الله ، وكفر المعصية قلبه مع شريعة الله ، ولكن عمله مع هواه ، وإلا لَكان كلُّ مَن عصى الله - عز وجل - كافرًا كفر ردَّة ، وهذا ما لا يقوله مسلم .

ومن هذا القبيل النفاق ، من قبيل الكفر النفاق ، وهذا - أيضًا - ممَّا يخفى على كثير من الناس اليوم ، النفاق كالكفر ؛ منه نفاق اعتقادي ، ومنه نفاق عملي ، ونحن حينما نتذكَّر هذه الحقيقة يسهل علينا أن نفهمَ بعضَ أحاديث الشريعة ، وبدون ذلك يظلُّ طالب العلم حيران ، مثلًا الحديث المشهور : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدَّثَ كذب ، وإذا وعدَ أخلف ، وإذا اؤتُمِنَ خان ) ، آية المنافق ؛ كيف نفهم هذا الاسم هنا في هذا الحديث المنافق ؟ أَهُوَ كما جاء في القرآن الكريم : (( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ )) ، هل نقول : إنَّ مَن وعد فأخلف هو في الدرك الأسفل من النار ؟ قد يقول هذا مَن يجهل الحقائق الشرعية في المسمَّيات الشرعية !

المنافق قد يكون نفاقه عمليًّا وقد يكون نفاقه اعتقاديًّا ، أنتم تعلمون أنَّ مَن قال الله - عز وجل - فيهم إنهم (( فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ )) هم الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام ، فهؤلاء من حيث ما وَقَرَ في قلوبهم كفار ؛ لأنهم أضمروا في قلوبهم الكفر بما أنزل الله ، لكن فيما يُظهرون للناس يظهرون الإسلام ، فهم يصلون معهم ويصومون معهم ويتظاهرون بأحكام الإسلام ، لكن هم في قلوبهم كفار ، فسُمُّوا منافقين ؛ لأنه يُظهر خلاف ما يبطن ، لكنَّ الذي يظهره حَسَنٌ جميل وهو الإسلام ، والذي يُبطنه ويضمره في قلبه هو الكفر اللئيم ، هذا كفره كفر مخلِّد في النار ، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار .

هل كذلك المنافق الذي ذُكِرَ في هذا الحديث وفي غيره كمثل قوله - عليه السلام - : ( مَن مات ولم يغزُ ، ولم يحدِّث نفسه بالغزو ؛ مات على شعبة من النفاق ) ؟ هل هذا هو النفاق الذي أهله في الدرك الأسفل من النار في هذا الحديث والذي قبله ؟

الجواب لا ، إذًا كيف نفهم الحديث حديثنا هذا : ( آية المنافق ) ؛ هذا المنافق نفاقه عمليٌّ كالكفر العلمي ؛ أي : إنه يعمل خلاف اعتقاده ، المسلم يؤمن في قرارة قلبه أنَّ الكذب حرام لا يجوز ، هكذا في قلبه ، لكن ماذا يفعل ؟ يفعل خلاف ما أضمر ، المنافق الكافر المرتد هو - أيضًا - أظهر خلاف ما أضمر ، لكن ذاك أضمر شرًّا وأظهر خيرًا ، أما المنافق المسلم فأضمر خيرًا وأظهر شرًّا ، اعتقد خيرًا وعمل شرًّا ، اعتقد أن الكذب حرام وأن المخاصمة حرام ، لكنه هو يخالف عقيدته ؛ فمن حيث تخالُف عمل المسلم مع عقيدته ، من حيث تخالف عمل المسلم غير الصالح مع عقيدته الصالحة سمَّاه الشارع الحكيم منافقًا ، فيشترك مع المنافق الكافر المرتد من حيث أنَّ ظاهر عمله خلاف باطن قلبه ؛ فإذًا ( آية المنافق ثلاث ) نستطيع أن نقول الآن وأن نفهم ... النفاق نفاقان ؛ نفاق اعتقادي حيث يبطن الكفر ويظهر الإسلام ، هذا في الدرك الأسفل من النار ، أما المسلم الذي يبطن الإيمان بكلِّ ما جاء من عند الله - عز وجل - ، ولكنه يخالف بعمله قوله ؛ فهذا سمَّاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منافقًا .

إذًا فالحاكم والمحكوم لا فرق في ذلك أبدًا كلُّ مَن كانت عقيدته سليمة ، ولكن وقع في شيء من أعماله ما يخالف به شريعته ؛ فهذا كفره كفر عملي ، ونفاقه نفاق عملي ، وأما مَن يظهر الإسلام ويبطن الكفر ، يظهر الإسلام كلامًا ، ثم يتبنَّى ... الإسلام نظامًا ؛ فهذا وهو في قرارة قلبه لا يتعرَّف الإسلام ويسمِّيه رجعية ... وما شابه ذلك ، فشتَّان بين هذا الذي هو كافر ومنافق مخلَّد في الدرك الأسفل من النار ، وبين مَن آمَنَ بما أنزل الله ولكنَّه خالف الله - عز وجل - في قليل أو كثير من أعماله ؛ فهو بذلك عاصٍ وليس بكافر كفر ردَّة .

هذا ما يمكن أن يُقال بمناسبة هذا السؤال .

مواضيع متعلقة