ما تفسير قاعدة ابن تيمية ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما تفسير قاعدة ابن تيمية ؟
A-
A=
A+
السائل : يا شيخ ، أودُّ أنك تشرح لنا - شيخي - القاعدة اللي قال فيها الإمام ابن تيمية كما أظن : " كلُّ عمومٍ لم يجرِ عليه عمل السلف " .

الشيخ : وأنا كنت بهذا الصَّدد بارك الله فيك ، أنا كنت بدي أصل لهالنتيجة هَيْ ؛ لأني لمَّا ذكرت هذا الرجل هاللي صار يشير مع كل تهليلة عشر كمان إشارات هذا أخذ ذلك من هذا العموم ، وأردت أن أقول : أخشى ما أخشاه أنُّو يجي يأخذ من عمومات أخرى بدعًا أخرى ؛ مثلًا قال - عليه الصلاة والسلام - : ( إن الله يستحيي - أو يستحي - من عبده إذا رفع يديه يدعوه أن يردَّهما خائبتين ) ، ونحن نعلم أن في الصلاة أدعية بعضها قصيرة وبعضها طويلة ، دعاء - مثلًا - بين السجدتين : ( ربِّ اغفر لي وارحمني ) إلى آخره ، شو رأيك أنُّو واحد يعمل بهذا الحديث ، ويرفع يديه خاصَّة في التشهد الأخير ؛ حيث هناك قال - عليه السلام - بعد الاستعاذة من أربع : ( ثم ليتخيَّر من الدعاء ما شاء ) ؛ إذًا يدعو ويرفع يديه عملًا بذاك الحديث ، هذا جهل بقاعدة علمية هامة جدًّا وهي : أن أيَّ نصٍّ عامٍّ يتضمن أجزاء كثيرة ، جزء من هذه الأجزاء يدل عليه النَّصُّ العام لكن لم يجرِ العمل على هذا الجزء فالعمل به بدعة " ، وهَيْ الأمثلة أمامكم ، لكن أنا أُلهِمْت يومًا ما وبعدين صارت عندي " كليشة " ؛ أٌلهِمت يومًا ما بمثال ، وشو رأيكم دخلنا المسجد في صلاة من الصلوات اللي لها سنن قبلية ، صلاة الظهر مثلًا ثلاثة أربعة خمسة عشرة كل واحدٍ انتحى ناحية يريد أن يصلي السنة ، واحد من الجماعة من أمثال هؤلاء اللي ما يفقهون كيف تُفهم النُّصوص قال : يا جماعة ، ليش هالتفرُّق هذا ؟ ( يد الله على الجماعة ) قال - عليه السلام - ، تعالوا لنصلي جماعة ، وأقوى دلالةً من هذا الحديث : ( صلاة الرجلين أزكى من صلاة الرجل وحدَه ، وصلاة الثلاثة أزكى من صلاة الرجلين ) ؛ تعالوا لنصلي جماعة ، بماذا نردُّ على هؤلاء وهؤلاء ؟ بالكلمة التي يقولوها علماء السلف ؛ أي : الذين فهموا مذهب السلف وجروا على مذهب السلف ؛ وهي : " لو كان خيرًا لَسبقونا إليه " .

أي مثال بقى خذوه من هالأمثلة هَيْ يظهر لكم أنُّو هذه الاستدلالات العامة لا قيمة لها أبدًا ، بل أنا أقول : أصل أكثر البدع التي نحارب الناس عليها ناشئة من الأخذ بالعمومات التي لم يجرِ العمل على بعض أجزائها ، فبدعة الزيادة على الأذان وعلى الإقامة ، وبدعة الترقية بين يدي الخطيب يوم الجمعة الموجود في بعض المساجد ؛ هذه كلها لها أصل في الكتاب والسنة ، (( اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا )) يا جماعة الله هيك قال ، نحن شو عم نساوي ؟ (( صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) أدلة عامة ، فأصل كلِّ بدعة - إلا القليل منها - هو اللجأ إلى العمل بدليل عام لم يجرِ عمل السلف عليه ؛ ولذلك هذا البحث هذا العلم الإنسان ما بإمكانه مجرَّد ما يقرأ كتاب أنُّو يفهم بالله شو معنى هذا الحديث ، شو معنى هداك الحديث ، بدو يلم إلمام بما كان عليه الرسول - عليه السلام - وما كان عليه السلف الصالح ، وهذا لو تحقَّق يتطلَّب أمرًا لا يخفى عليكم جميعًا ؛ ألا وهو أن يميِّزَ بين ما صحَّ وما لم يصحَّ سواء من السنة أو من آثار السلف الصالح .

هذا يجرُّني إلى التذكير بأمر أختلِفُ أنا مع بعض إخواننا السلفيين من المشايخ في الهند وغير الهند الذين يضعون اليمنى على اليسرى بعد رفع الرأس من الركوع ، نفس الطريقة التي يلجأ هؤلاء في الأمثلة السابقة هؤلاء وقعوا فيها مع الأسف الشديد ؛ ما في عندهم حديث ولو ضعيف ولو موضوع أنُّو الرسول كان إذا رفع رأسه من الركوع وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ، لَكان من أين جاؤوا ؟ جاؤوا من نصوص عامَّة ؛ مثلًا : ( نحن - معاشر الأنبياء - أُمِرنا بثلاث : بتعجيل الإفطار ، وتأخير السحور ، ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ) ، بيقولوا لك : هذا نصٌّ عامٌّ ، لكن يا جماعة هل جرى فعل الرسول على هذا النَّصِّ العام اللي أنتم فهمتموه ؟ هل عمل به السلف ؟ هل قال به أحد من الأئمة ؟ أبدًا ، لا أحد .

السائل : يجيبوا - شيخي - - تسمح لي - : أنُّو هل ثبت أنُّو ما جرى عمل السلف على هذا ؟

سائل آخر : هم يطلبوا الدليل يا شيخ .

الشيخ : هذا السؤال نحن نخطِّئهم ولا يستطيعون ردًّا ، نقول لهم : لو لم يأتِ الوضع في القيام الأول ماذا كنتم تفعلون ؟ هل تضعون من عند أنفسكم ؟ طبعًا يقولون : لأ ؛ لأنُّو هذه هيئة لا يستطيعون أنُّو يشرِّعوا بعقولهم ، نحن نقول مع هذا الأصل جيبوا لنا نص أن الرسول كان يضع في هذا القيام الثاني حتَّى نمشي معهم ، أما والله أنتم لازم تجيبوا دليل أنُّو الرسول ما كان يفعل كذا ، وهذا لو سَمِعَهم المبتدعة اتَّخذوه سلاحًا ماضيًا ضدَّهم ؛ ليه ؟ والله الزيادة على الأذان بعد الصلاة على الرسول بعد الأذان هذه بدعة ، هات نص يا أخي أنُّو الرسول نهى عنه أو أنُّو ما فعلوا ذلك ؟ ما في عندنا هيك شيء بطبيعة الحال ، لكن نحن نعرف الحياة التي كان عليها الرسول والتي يعبِّر عنها بعض العلماء أنه لو وَقَعَ لَنُقِلَ ؛ لأنُّو هذه أمور تتضافر عليها الهمم لنقلها ، مؤذِّن يؤذِّن كل يوم خمس مرات لخمس صلوات ، ثم تمضي هذه القرون كلها ولا تأتي رواية أن أحدهم كان يأتي بهذه الزيادة ؟! هذا لا بلا شك افتراء محض ، وهكذا نحن قول ، كل هالقرون مضت ولا أحد يقول من الأئمة المجتهدين سواء كانوا الأربعة أو الأربعين أو الأربع مئة ، ما نتعصَّب نحن لواحد دون الآخرين ، ما أحد منهم يقول أنُّو هكذا من السنة أن نفعل؛ فإذًا الخطأ ينشأ من تسليط الفهم الخاص من إنسان بعدو في تعبيرنا السوري في الرَّقراق ؛ يعني في الماء الفايش ، بعد ما إيش ؟ أتقن السباحة ، وما يخوض ما يستطيع أن يخوض البحار ، فيجي بقى طلع لنا بهذا الآراء والأفكار .

ومرَّة جاءني طالب علم أعرفه تخرَّج من الجامعة الإسلامية ، وهو تونسي الأصل ، وكان في دمشق ، وتعرَّف عليَّ وأنا الذي زكَّيته يومئذٍ فقبلوه طالبًا في الجامعة ، واستمر وتخرَّج الرجل ، فأُرسِلَ للدعوة إلى بلجيكا ، زارني أظن منذ سنة أو سنتين في البيت ، صلينا المغرب وهو باعتبار مسافر ومعه شخص جاي معه من بلجيكا أصله مغربي ، لمَّا صلى وإذا به يرفع أصبعه بين السجدتين ، يرفع رأسه من السجدة الأولى ويحرِّك أصبعه بين السجدتين ، كنت أنا قبل ما شاهد هالمشاهدة آتي بهذا المثال - أيضًا - أقول ، يمكن أنت سمعت هالشي ، وإذا فُوجئت به قد وقع أمامي ، بعد ما سلم ناقشته ، قال : في حديث . قلنا له : وين الحديث ؟ قال : في " مسند الإمام أحمد " ، قلنا له : صحيح ؟ قال : إي . قلت له : يا حبيبي هذا الحديث يُسمَّى عند علماء الحديث بالحديث الشاذ ، وهو من أقسام الحديث الضعيف ؛ لأنُّو نحن لما نحرِّك بالتشهد عمدتنا حديث وائل بن حجر ؛ قال : " نظرتُ إلى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما جلس في التشهد وضع اليسرى على ركبته اليسرى ، واليمنى على ركبته اليمنى ، وقبض أصابعه وحلَّق بالوسطى والإبهام ورفع سبابته ، فرأيته يحرِّك يده بها " .

هذا الحديث له طرق ، هذه الطرق تلتقي عند شخص واحد هو عاصم بن كليب ، وهو عن أبيه ، وهو عن وائل بن حجر ، ثلاثة أشخاص ، ثم تتعدَّد الطرق تحته ، كل الطرق تروى الحديث كما ذكرنا لكم إشارة في التشهد ، طريق واحدة شذَّت في " مسند الإمام أحمد " في " معجم الطبراني " في " مصنف عبد الرزاق " ومن طريقه تلقَّاه هؤلاء العلماء عن سفيان ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل ذكر صفة الصلاة ، فلما رفع رأسه من السجدة الأولى أشار بإصبعه ، ولمَّا ذكر التشهد ما في إشارة ، هذا حديث شاذ ، حديث خطأ ممكن تسمِّيه كمان أو نعتبره مثالًا للحديث المقلوب ؛ لأنُّو انقلب عليه الإشارة من التشهد إلى ما بين السجدتين ، هذا كله بيجي قلت أنا آنفًا كلمة تذكرونها ، قلنا أنُّو لازم يحيط بقدر الاستطاعة بالسنة التي كان عليها الرسول - عليه السلام - وأثار السلف الصالح بشرط إيش ؟ تمييز الصحيح من الضعيف ، وإلا وقع في البدع من حيث لا يريد ولا يشعر ، وهذا هو المثال .

هذا عمل بحديث ، وموجود في " مسند الإمام أحمد " ، لكن هذا حديث شاذ ، من أين أن يعرف هذه الحديث الشاذ كل طالب علم ؟ هذا أمر مستحيل ؛ لذلك أنا أعتبر من الحِكَم البالغة ما يرويه بعض الصوفية خطأً حديثًا مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من عرف نفسه فقد عرفه ربَّه ) ، يروونه حديثًا لكن ليس بحديث ، لكنه هو من الحكمة في مكان ، لأنُّو الإنسان لمَّا يعرف حاله أنُّو لساته عم إيش ؟ يمشي مشية الطفل الرضيع شلون بيجي بيطلع بيقفز بفرد قفزة ويعمل حاله مجتهد أكبر ؟! وإذا قيل له : من أين لك هذا ؟ يقول : هذا رأيي . طيب ؛ كل إنسان له رأي وله اجتهاد ، هذا مصيبة الزمن ، وهذا مصيبة تخصُّ مَن ينتمون إلى العمل بالكتاب والسنة .

فنسأل الله - عز وجل - أن يلهمنا رشدنا ، وأن يقوِّم سلوكنا ، وأن يلهمنا العمل بالعمل الصحيح الذي يستلزم أن نعرفَ طرق الوصول إلى العلم الصحيح .

مواضيع متعلقة