الكلام على خطبة الحاجة ، ونعمة تمام الدين وخطر الإبتداع. - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
الكلام على خطبة الحاجة ، ونعمة تمام الدين وخطر الإبتداع.
A-
A=
A+
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

لقد كان من هدي نبينا صلوات الله وسلامه عليه أن يفتتح كلامه وموعظته وخطبه بهذه الخطبة الموجزة البليغة, التي سمعتموها, وتسمعونها منا عادة, وفيها كما تعلمون هذه القاعدة العظيمة: ( وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار ) , نقول في هذه الخطبة المباركة, هذه القاعدة الهامة من قواعد الشريعة, ويتجلى أهميتها عند من يتفقه في كتاب الله عز وجل, وبخاصة في مثل قوله تعالى: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) .

فإن الله عز وجل يمتن في هذه الآية الكريمة على عباده أنه أكمل لهم الدين, وأتم عليهم النعمة, وكثيرا من الناس لايتنبهون لهذه النعمة العظيمة, وبعظمتها قد امتن الله تبارك وتعالى على عباده بها, وذلك لغفلتهم عن أهمية كمال الشريعة, هذا الكمال الذي يغني الناس عن أن يشغلوا أنفسهم ما بين يوم وآخر أو أسبوع وآخر أو شهر أو سنة أو أخرى أو قرن وآخر, بأن يفكروا وأن يشغلوا أذهانهم بما يقربهم بأن يتعرفوا على ما يقربهم إلى الله زلفى, أكمل الله عز وجل عليهم النعمة, بأن أكمل لهم دينهم, في هذه النكتة التي تنبه لها بعض أحبار يهود, في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, حين جاء إليه ليقول له : " يا أمير المؤمنين آية في كتاب الله لو علينا معشر يهود نزلت, لاتخذنا يوم نزولها عيدا " قال : " ما هي " , فذكر الآية السابقة: (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) قال له عمر : " لقد نزلت في يوم عيد " , كأنه يقول : أبشر فقد اتخذ المسلمون يوم نزول هذه الآية عيدا, ذلك لأنها نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عرفة وفي يوم جمعة, ويوم الجمعة يوم عيد المسلمين الأسبوعي, يتكرر ليس في كل سنة, بل وفي كل أسبوع مرة, لماذا قال هذا الحبر اليهودي إن هذه الآية لو نزلت عليهم لاتخذوا يوم نزولها عيدا ؟, لما فيها من تفضل الله عز وجل على عباده بأن أتم لهم الشريعة, فأكملها فأغناهم عن الاجتهادات الشخصية التي قد يتفننون بها ويتوسعون فيها, ليتقربوا بذلك إلى الله زلفى.

وقد يضلون لأننا نعلم جميعا أن المجتهد معرض للخطأ, وإن كان مأجورا على خطئه, إذا ما أفرغ جهده لمعرفة الصواب الذي أمر الله به, كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران, وإذا أخطأ فله أجر واحد ) فتمام الشريعة إذا يغنيهم عن مثل هذه الاجتهادات التي يراد بها توسيع دائرة التقرب إلى الله عز وجل, فقد سدت وأغلقت وأتمت هذه الدائرة فلم يبق للناس بحاجة الى ان يجتهدوا لأن الله عز وجل قد أتم النعمة بذلك, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ( ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به, وما تركت شيئا يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه ) . لذلك ثبت عن بعض السلف أو جاء عن بعض السلف وهو بالضبط حذيفة بن اليمان أنه قال : " كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها " أي فلا تتعبدوا بها, " كل عبادة لم يتعبدها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوها " .

وقد تلقى هذا المعنى الخلف الأول عن السلف الأول في عبارة متنوعة من أهمها قول مالك رحمه الله تعالى : " من ابتدع بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة, اقرأوا قول الله تبارك وتعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) قال مالك : فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا, ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " هذه الكلمة من إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى, هي بحق كما كانوا يقولون قديما تكتب بماء الذهب, لأنها وضحت لنا المقصود من هذه الآية, التي تمنى ذلك اليهودي أنها لو نزلت عليهم اتخذوها عيدا, والمسلمون والحمد لله اتخذوها أيضا عيدا, كما سمعتم من عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنها نزلت يوم جمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على عرفة.

فهو يقول على صيغة التنكير الذي يفيد الشمول : "من ابتدع بدعة -واحدة- يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة " من هنا ينبغي على كل مسلم عرف هذه الحقيقة, وهذه المنة التي امتن بها الله على عباده بإكماله لدينه, ألا يتجرأ على مقام الشريعة فيستحسن ما شاءت له عادته أو هواه أو أي شيء آخر من البدع ومحدثات الأمور بحجة؛ وهذه الحجة حجة داحضة طالما نسمعها من كثير من الناس, وقد يكون فيهم من ينسب إلى العلم, إذا ما أنكر عليه بدعة لم تكن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تكن في عهد السلف الصالح, يكون الجواب شو فيها يا أخي, يغفلون جميعا هؤلاء الناس عن الآية السابقة, وتمني الحبر, وتفسير الإمام مالك لها بقوله: " من ابتدع بدعة واحدة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة " , فهؤلاء الذين يقولون حينما تقيم الحجة عليهم بأن هذا الذي تفعله, يبدؤونك بقولك أو بقولهم شو فيها؟.

الجواب فيها نسبة الجهل إلى الشارع الحكيم وهو الله تبارك وتعالى, الذي أنزل هذه الآية. أو فيها نسبة كتمان العلم إلى محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمر بتبليغ كل ما أوحي إليه مما يتعلق بشرع الله عز وجل, كما قال عز وجل: (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )) لا أريد أن أطيل في هذه المسألة, وهي ذات شعب وذيول كثيرة, وإنما أردت أن أقدم كلمة بين يدي بدعة هي بنت هذا العصر, وبنت هذه الساعة التي نحياها, لم تكن معروفة من قبل, ولا يمكن لأحد أن يعرفها, أو أن يتنبه لها, إلا إذا كان متتبعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم, وسنة أصحابه الذين كانوا يقتدون به في كل ما يتعلق بالشرع.

مواضيع متعلقة