كيف نوفِّق بين الأحاديث التي تحثُّ على الغربة وحديث : ( لا تجتمع أمَّتي على ضلالة ) ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كيف نوفِّق بين الأحاديث التي تحثُّ على الغربة وحديث : ( لا تجتمع أمَّتي على ضلالة ) ؟
A-
A=
A+
الشيخ : كيف نوفِّق بين الأحاديث التي تحضُّ على الغربة ، وأحاديث : ( إن الأمة لا تجتمع على ضلالة ) ؟

السَّائل - فيما يبدو لي - كغيره من جماهير الناس يفهمون ( أن الأمة لا تجتمع على ضلالة ) يعني جمهور الأمة ؛ أي : أكثرية الأمة لا تجتمع على ضلالة ؛ أي : يفهم السَّائل وغيره من هذا الحديث أن الحقَّ دائمًا مع الأكثرية ، فَمَن كان غريبًا يكون مخالفًا للجمهور للأكثرين ، وقد سمعنا في الأحاديث السابقة مدح الغرباء ( طوبى للغرباء ) ، فأشكل الأمر عليه ؛ فقال : كيف نوفِّق بين ( طوبى للغرباء ) - مثلًا - وبين : ( يد الله على الجماعة ) ، أو ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ؟

الجواب : أن حديث : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) لم يُسَقْ لبيان أن الحقَّ مع القلة أو مع الكثرة ، وإنما لبيان أن الله - عز وجل - عَصَمَ مجموعة الأمة أن تجتمع كلها على ضلالة ، فكل الأمة المسلمة بتكون على ضلالة هذا مستحيل ، هذا ممَّا تفضَّل الله به على هذه الأمة المحمدية ، بينما الأمة النصرانية واليهودية وغيرها من الأمم هذا ممكن أن تجتمع كل أفرادها على ضلالة ، بل هذا هو الواقع ، أما الأمة المسلمة فقد صانَها الله - عز وجل - من أن تجتمع جميع أفرادها على الضلالة .

لو صغَّرنا تيسيرًا لفهم هذا الحديث وهذه القضية ؛ لو صغَّرنا عدد الأمة إلى مئة شخص ، وهذا أمر واقعي ؛ لأنُّو لما بتبدأ الدعوة من جديد يكون المسلمون فيها قلة كما كان الأمر في عهد الرسول - عليه السلام - ، فبدأت الدعوة به ، ثم أسلم أبو بكر فصاروا اثنين ، وهكذا ، فلو فرضنا الأمة مئة شخص ، فاختلفوا ؛ فيستحيل أن يكون هذا الاختلاف كله ضلالة ؛ لا بد أن يكون في هذه المئة نفس أشخاص ولو قليلين - هذا بحث ثاني - يكون الحق معهم ، فلو فرضنا أنهم اختلفوا فكانوا نصفين خمسين وخمسين ؛ خمسين منهم يقولون برأي ، والآخرون يقولون برأي ثاني ؛ لا بد أحد الرأيين صواب والرأي الثاني خطأ ؛ لماذا ؟ لأن الرسول قال : ( لا تجتمع أمَّتي على ضلالة ) ؛ فهل اجتمعت الأمة على ضلالة حينما وُجِد فيها مَن يقول بقولين قول صواب وقول خطأ ؟ ما اجتمعت على ضلالة ، فلو قلنا : إن الطائفة التي على الحقِّ تسعة وأربعين ، والتي على الخطأ واحد وخمسين ؛ كمان بيتم الجواب أنُّو الأمة ما اجتمعت على ضلالة ؛ فلا نزال نقلِّل عدد المتمسكين بالحق حتى نقول : واحد مقابل تسعة وتسعين ؛ فهل اجتمعت الأمة على ضلالة ؟ لا ، لأن الأمة عددها مئة ، وُجِد فيهم واحد الله - عز وجل - هداه إلى الحق والآخرون على الخطأ .

إذًا صَدَقَ قول الرسول - عليه السلام - على هذه الأمة اللي فرضنا عددها مئة أنها لا تجتمع على ضلالة ؛ هذا معنى هذا الحديث ، وليس معنى ( لا تجتمع الأمة ) يعني الجماعة الكثيرة أو الأكثر من الأمة الإسلامية على ضلالة ؛ لا ، هذا فهم خطأ من ناحيتين ؛ الأولى : الناحية العربية حسب ما شرحنا لكم ، والأخرى الناحية الشرعية ؛ فأين نذهب بقول الرسول - عليه السلام - : ( وستختلف أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلُّها في النار إلا واحدة ) ؟! فواحد من ثلاث وسبعين يعني قلة في الجنة والأكثرية في النار ؛ إذًا حديث : ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) لا يجوز أن نفهَمَه على معنى : لا تجتمع الأكثرية من الأمة على ضلالة ، بل هم على صواب ، والأقلية على خطأ أو على ضلالة ، ليس هذا هو المقصود من الحديث ، ولكن ما ذكرته آنفًا .

ثم الآيات الكثيرة التي تذمُّ الكثرة وتمدح القلة أين نذهب بها ؟ (( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )) ، "" ولكن أكثر الناس لا يعقلون "" ، (( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ )) ، (( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )) ، أين نذهب بهذه النصوص القاطعة الصريحة في ذمِّ الأكثرية في الوقت الذي نحن نريد أن نجعل الأكثرية حجة على الأقلية ؟!

إذا عرفنا هذه الحقيقة زالَ التعارض بين أحاديث الغرباء والثناء عليهم ؛ لأنهم ( ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين ؛ مَن يعصيهم أكثر ممَّن يطيعهم ) .

السائل : جزى الله الشَّيخ خير الجزاء ، ونفعنا وإياكم بما سمعنا ، وإلى لقاء مع الشريط التالي من هذه المجموعة .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

مواضيع متعلقة