كيف التوفيق بين الآية التي تحدِّد خلق السموات في ستة أيام وبين الحديث الذي في " صحيح مسلم " الذي فيه : ( أن خلقهم تَمَّ في سبعة أيام ) ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كيف التوفيق بين الآية التي تحدِّد خلق السموات في ستة أيام وبين الحديث الذي في " صحيح مسلم " الذي فيه : ( أن خلقهم تَمَّ في سبعة أيام ) ؟
A-
A=
A+
الشيخ : السَّائل يقول : كيف نوفِّق بين الآية التي تحدِّد خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهي معروفة طبعًا ، والحديث الذي في " صحيح مسلم " الذي يقول : إنَّ خَلْقَهم تمَّ في سبعة أيام ؟

هذا السؤال خطأ ؛ لأن الحديث الذي يشير إليه صاحبنا السَّائل ليس فيه أن الله خلق السماوات والأرض في سبعة أيام ، لو كان الحديث هكذا كان السؤال واردًا ؛ كيف التوفيق بين الآية بتقول خلق السموات والأرض في ستة أيام وبين الحديث خلق السماوات والأرض في سبعة أيام ؟ الحقيقة أن الحديث ليس فيه شيء من ذلك ، الحديث يتحدَّث عن التبدُّلات والتغيُّرات التي أجراها الله - عز وجل - بقدرته وحكمته في الأرض بعد أن خَلَقَها وطوَّر فيها ما شاء فيها من التطوير بس ، الحديث يتحدث عن الأرض وما جرى فيها من تطوير ، فليس ذُكر في الحديث السماوات وأنه خلق السماوات والأرضين في سبعة أيام على خلاف الآية الكريمة .

اسمعوا الحديث الذي رواه مسلم : ( خَلَقَ الله التربة يوم السبت ) التربة يعني التراب ( وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبَثَّ فيها الدوابَّ يوم الخميس ، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل ) ، وين السموات ؟ ليس في الحديث ذكر السماوات إطلاقًا ، وإنما فيه - كما سمعتم - ذكرُ ما أجرى الله - عز وجل - في هذه الأرض من تطوير ، التربة خلقها السبت والجبال و و إلى آخره ؛ فإذًا الحديث يُعالج شيئًا لم تعالِجْه الآية ، والآية تعالج شيئًا لم يعالِجْه الحديث ، فضُمَّ الآية إلى الحديث تخرُجْ بنتيجة كاملة لا اختلاف ولا اضطراب فيها .

وإن عجبي لا يكاد ينقضي من أن هذا الوهم الذي وقع فيه السَّائل هو وَهْمٌ قديم وقديم جدًّا حَمَلَ كثيرًا من علماء الحديث الكبار إلى أن يطعنوا في هذا الحديث لا من حيث إسناده ، وإنما من حيث متنه ؛ توهَّموا أنه يخالف الآية ، وليس كما سمعتم في هذا الحديث ما يخالف الآية مطلقًا ؛ فما أدري كيف تسرَّب مثل هذا الوهم إلى عقولهم فأعلُّوا الحديث ، وقالوا : أن هذا من الإسرائيليات التي كان " كعب " يحدِّث بها ، فتلقَّاها بعض الرواة عنه ، ثم وَهِمَ بعضٌ آخر منهم فرفَعَه إلى أبي هريرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟! هذا تعليل من أعجب ما قرأت في كتب الحديث ، وأعجب من هذا العجب أن يكون في مقدمة هؤلاء الطاعنين في هذا الحديث بذلك المنطق الخاطئ أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري ؛ فهو الذي أعَلَّ الحديث بما سمعتم ، وتَبِعَه على ذلك ما شاء الله من علماء في مقدمتهم - أيضًا - ابن تيمية وإمامنا الحافظ ابن كثير أورَدَ هذا الحديث ، وحكى الطعن فيه من البخاري وغيره ، ومرَّ عليه مرَّ الكرام ، وهم جميعًا لا يتنبَّهون إلى أن الحديث يعالج شيئًا لا تتعرَّض له الآية وليس هو بالمعارض للآية مطلقًا ، بالإضافة إلى أنُّو سند الحديث رجاله كلهم ثقات ، وليس كان فيه رجل ممَّن في حفظه شيء ولو شيء قليل من الضعف حتى يكون هناك منفذ لإعلال الحديث من حيث إسناده ، لكن العجيب أن كل راوٍ من أولئك الرواة مُتَّفق على توثيقه وتعديله ؛ ولذلك أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " ، وهنا يظهر وجهٌ من وجوه الخلاف بين الإمامين ، وأنهما بشر ، فيخطئ هذا مرَّة ، بينما يصيب ذاك ، وبالعكس ؛ يخطئ ذاك ويصيب هذا في مرَّة أخرى ، وهكذا .

خلاصة القول : أن هذا الحديث صحيح لا شك ولا ريب فيه ، وليس هو بالذي يُخالف الآية المشار إليها لا من بعيد ولا من قريب .

مواضيع متعلقة