هناك خلافٌ بين بعض الإخوان فحواه أن الذي يطوف بالمقابر كافرٌ مرتدٌّ عن دينه تطلُقُ زوجته ، إلى غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالكافر ؛ فالرجاء من فضيلتكم توضيح هذا الأمر ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هناك خلافٌ بين بعض الإخوان فحواه أن الذي يطوف بالمقابر كافرٌ مرتدٌّ عن دينه تطلُقُ زوجته ، إلى غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالكافر ؛ فالرجاء من فضيلتكم توضيح هذا الأمر ؟
A-
A=
A+
السائل : فضيلة الأستاذ ، هناك خلافٌ بين بعض الإخوان فحواه أن الذي يطوف بالمقابر أو ينذر للموتى أو كذا كافر مرتد عن دينه تطلق زوجُه ، ويعني حكم الكافر على طول ؛ فالرجاء من فضيلتكم توضيح ذلك الأمر ؟

الشيخ : الواقع أن طبيعتي أنا أتمنَّى التكرار ، وأنا أحسُّ بأن الأسئلة تدور حول قضية ، لكن لا أنسى أن الأمر يتطلَّب هذا التكرار ، أنا قلت آنفًا أنَّ واجبنا أن نحكم بأن هذا ضلال وهذا كفر ؛ إذا جاء في النَّصِّ أنه كفر وأنه ضلال ، لكن ليست وظيفتنا أن نحكم على الناس بأنهم مرتدُّون عن دينهم ؛ لأن هذا خلاف السلف الصالح كما ذكرنا لكم ، فالمعتزلة أنكروا نصوصًا كثيرة من الكتاب والسنة ، وضربت لكم - مثلًا - إنكارهم رؤية المؤمنين لربِّهم يوم القيامة ، مع ذلك ما كُفِّروا ، وذكرنا لكم قصة الذي أوصى أولاده بأن يحرِّقوه بالنار ، وكيف أن الله غفر له ، فنحن واجبنا أن ننصح الناس يا جماعة ، لسنا لعَّانين ولسنا مكفِّرين ، وإنما نحن هداة نهدي الناس إلى كتاب الله وإلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا الذي يطوف حول القبر لا يُشَكُّ أبدًا أن هذا كفر ، وهذا الذي ينذر لغير الله ويذبح لغير الله لا نشكُّ أنه كفر وضلال ، كيف ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال : ( ملعون مَن نذر لغير الله ) ؟!

هذه بلايا عمَّت البلاد الإسلامية كلها ، لكن أوَّلًا أين النَّصُّ الشرعي الذي يُلزِمُنا أن نحكم بكفر هؤلاء وهم يجهلون ؟! أكثر علماء الدنيا يسكتون عن هذه الطَّامَّات ، بل بعضهم يبرِّرها بحجة دَعُوهم نيَّتهم طيبة ! نيَّتهم طيِّبة ! ذلك هو الضلال المبين ، هم في الواقع نيتهم خراب يباب ، لكن إن كان لهم عذر فعذرهم الجهل ، سيقول بعض الناس : لكن هذا الجهل لا يُعذر به صاحبه ؛ نقول : نعم ، حينما يعيش هذا الجاهل بين جماعة من أهل العلم بالكتاب والسنة وهم قائمون بالنصح كما ذكرنا في مطلع كلمتنا هذه ؛ فحين ذاك لا يُعذر هؤلاء ؛ لأنهم سمعوا العلماء يُنذرونهم دائمًا وأبدًا أنَّ هذا الذي يفعلونه هو الكفر والشرك بعينه ، لكن هؤلاء الذين يسمِّيهم بعض السلفيين بالقبوريين هؤلاء مُحاطون بناس هم الذين يضلِّلونهم ، وهم الذين يُفهمونهم أن هذا ليس من الكفر في شيء ؛ إذًا نحن غرضُنا أن نعلِّم الناس وأن نهديهم ، أما تكفيرهم فيعود إلى الله - تبارك وتعالى - ؛ لأنني أعتقد أنه لا خلاف بين أهل السنة والسلف الصالح بصورة خاصَّة أن الكفر لا يُدان به صاحبه إلا بعد قيام الحجة ، وأكثر هؤلاء الناس لم تُقَم عليهم الحجة ؛ لماذا ؟ لأن العالم الإسلامي يعد ثمان مئة مليون مسلم ، فكم هم عدد أهل السنة والجماعة وبخاصَّة الذين أُتِيحَ لهم أن يتصلوا بهذا العالم المديد الطويل وأن ينصحوهم ويبيِّنوا لهم هذه الضلالات ؟!

هذا أقل من القليل ؛ إذًا أنا أريد أن أذكِّر بقضية قد تخفى على بعض الناس ، قد يتوهَّم بعض الناس أن الأوربيين - مثلًا - والأمريكيين الذين لا يعرفون عن الإسلام إلا اسمَه يسمعون القرآن من الإذاعة يتوهَّم بعض المسلمين اليوم أنهم قد أُقِيمَت الحجة عليهم ؛ لماذا ؟ لأنهم يسمعون القرآن ، طيب ؛ يسمعون القرآن لكن لا يفقهون منه شيئًا ؛ فهل أُقِيمَت الحجة عليهم ؟ الجواب : لا ، وهذه حقيقة ما أظن أحدًا يستطيع أن يُمارِيَ أو يجادل فيها ، إذا كان الأمر كذلك فأنا أذكِّر بحقيقة أخرى ؛ إن العرب - دَعْك العجم - إن العرب أنفسهم أصبحوا أعجامًا في لغتهم ، والدليل أن كثير من العلماء لا يزالون يفهمون الآيات التي تنهى عن عبادة غير الله - عز وجل - أنَّ المقصود بها فقط أن لا تصلِّي لغير الله ، أن لا تسجد لغير الله ؛ فإذا صلَّيت لغير الله وسجدت لغير الله فهذا هو الكفر ، أما إذا دعوتَ غير الله واستعنْتَ بغير الله فلا يزالون يفهمون أنَّ هذا ليس من الشرك في شيء ، وهم خاصَّة ، فأقول : العرب اليوم لِبُعد العهد للغتهم الأصيلة التي نزل بها القرآن لا يكادون يفقهون هذا القرآن له معنى ؛ فماذا نقول عن الأعاجم وهم الأكثرية الساحقة في هذا العدد الضَّخم من المسلمين ؟

إذًا يا جماعة تصوَّروا قبل أن تحكموا بتكفير زيد أو بكر من الناس هل أُقِيمت الحجة عليهم والحجة من الكتاب والسنة ومن أهل العلم ؟ وقد قلت في مناسبة قريبة : إنَّ بعض طلابنا يتوهَّم أنه صار من أهل العلم ، وأنه بمجرَّد أنه اتصل مع أحد أولئك الضالين ؛ لا سيما إذا كان ذلك الضال ينظر إلى نفسه بمنظار مكبِّر يرى نفسه في قمة في العلم ، فيأتي طالب صغير ويقول : أنت مشرك وأنت ضال وزائغ وإلى آخره ، فيظنُّ أنه بمثل هذه الكلمات السريعة قد أقام عليه الحجة ! ونحن نلاحظ في الشام وفي غير الشام أنَّ بعض إخواننا المبتدئين في هذا العلم ما يكاد يجلس مع أحد أولئك الضالين ونجزم بأنهم ضالون ويتكلَّم كلمتين ثلاثة وينهزم ؛ ليه ؟ لأنُّو ما قرأ أصول اللغة العربية وآدابها ، ولا قرأ أصول الفقه ولا أصول الحديث ولا أي شيء من هذه العلوم ؛ فهو يأتيه من هذه العلوم التي أتقَنَها ، ولكنه لم يستفد شيئًا منها ، فيظن هذا الطَّالب السلفي بأنه أقام الحجة ؛ لذلك عليكم بالتحفُّظ ، يكفيكم أن تدلُّوا الناس بقدر ما أُوتِيتم من علم على أن هذا ضلال وهذا كفر وهذا هدى وهذا سنة ، أما هذا كفر وأنت كفرت ؛ هذا أوَّلًا لا نستطيع الحكم به شرعًا ، وثانيًا لا فائدة منه ، بل هذا تنفير ، وقد قال - عليه السلام - في أقلِّ من ذلك : ( إنَّ منكم لَمنفِّرين ) .

هذا ما يسَّر الله .

مواضيع متعلقة