سؤال عن حكم الألبسة الكافرة التي ترد إلى البلاد الإسلامية ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
سؤال عن حكم الألبسة الكافرة التي ترد إلى البلاد الإسلامية ؟
A-
A=
A+
السائل : سؤال فيما يخصُّ اللباس ... جواز لبس لباس ، يعني هذا اللباس وعدم جواز لباس أنواع لباس أخرى ؛ يعني لباس الكفار مثلًا ؛ لأن عندما نقول - مثلًا - لا نتشبَّه بالكفار في اللِّباس البعض يقولون : إذًا لا نلبس - مثلًا - القميص أو السترة أو غيرها من الألبسة والمعاطف لأنها من صنع الكفار ، أو هي أصلًا من الكفار ؟

الشيخ : هم يتكلَّمون بل ويسألون بالمجادلة والمخاصمة ، لكنهم إذا تعلَّموا الإسلام كفُّوا ... المجادلة ؛ لأن الإسلام لا يحرِّم كلَّ لباس يلبسه الكافر ، وإنما هو عنده شيئان ، الشيء الأول في الجملة واجب ؛ وهو أن لا يلبس المسلم لباس الكافر الذي هو شعار له ، والذي هو عَلَم له ؛ بحيث أنه إذا وقع بصر مسلم عليه لم يتجرَّأ أن يبادره ... وأبرز يعني ما يمثِّل الكافر دينه وعقيدته هو لباس القُبَّعة " البرنيطة " ، فلما يرى المسلم شخصًا يمشي في الطريق وهو متبرنط بالبرنيطة ما يدور في خَلَده ولا يقوم في ذهنه أن هذا غير مسلم ؛ لذلك هو لا يسلِّم عليه ؛ لأنه متأدِّب بأدب الإسلام ، وأدب الإسلام بخصوص السلام هنا أدبان :

الأول : قوله : ( حقُّ المسلم على المسلم خمس ، إذا لقيتَه فسلِّم عليه ) . لقيه مسلمًا في واقع عقيدته هو مسلم ، لكن لا يعرفه شخصيًّا ، فلما رآه متبرنطًا يقول في نفسه أنَّ هذا ليس مسلمًا ، فلا يبادره بالسلام ؛ فإذًا يكون هذا الذي وضع شعار الكفر على رأسه قطع الصِّلة بينه وبين إخوانه المسلمين بسبب هذا الشعار وهذا اللباس ، لباس رأس الكفر .

الأدب الثاني في الإسلام : هو قوله - عليه السلام - : ( لا تبدؤوا اليهود والنَّصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم فاضطرُّوهم إلى أضيق الطُّرق ) ؛ إذًا هو يراه غير مسلم فهو لا يسلِّم عليه ، فكلُّ وسيلة تؤدِّي بالمسلم إلى أن يبتعد المسلمون عنه فهذا أو هذه الوسيلة تكون محرَّمة ، فهذه الوسيلة من غاياتها ، فما هي الغاية من لباس هذا الإنسان لباس الكفر ؟ هو أن يبتعد عن المسلمين وأن يبتعدوا عنه بعدم تعاملهم معه بالآداب الإسلامية ، هذا أنا جئت بالمثال الأكبر وهو البرنيطة ، لا شك أن لبس البرنيطة في بلاد الإسلام فيها هذه النتائج السَّيِّئة فهو حرام ، فما حكمه في بلاد الكفر ؟ هو نفسه تمامًا إن لم يكن أشدَّ ؛ لأنُّو هناك القضية تنقلب عليه بحيث أنه يكثِّر سواد الكفار بلباسه لباسَهم ، أما في الإسلام فهو يقلِّل سواد المسلمين وينفصل عنهم ، وينماز عنهم بسبب لبسه لباسَ الكفار .

وممَّا يؤكد لكم أن اللباس له تأثيره على لابسه إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشرٌّ القصة التي وقعت بيني وبين قسِّيس ماروني لبناني ، منذ نحو عشرين أو ثلاثين سنة ركبت القطار الذي يأخذنا من دمشق إلى مصيف معروف عندنا بـ " بقين " ، يبعد عن دمشق نحو خمسين كيلو متر ، ففي محطة قريبة من المحطة الأم في دمشق وقف القطار وكان معي بعض الشباب ، فجاءني أحدهم قال : الآن صعد خوري قسِّيس . فهمت أنا منه كأنه يقول : فعليك به ، فأنا تظاهرت أنني صعدت مع الصَّاعدين الجدد ، دخلت الغرفة التي هو فيها ، تعرفون القطار له كرسيين متقابلين ، وهذا الباب هنا ، وهو جالس في الزاوية هنا ، أنا جلست هنا بعيدًا عنه حتى ما ينتبه أنُّو في شيء مقصود يعني ، وجلست أفكِّر كيف أفتَتِحُ الحديث مع هذا الرجل ، ثم الله أغاثني ، دخل عليَّ شاب من تلك المنطقة التي وقف القطار فيها ، وكنت على علم سابق بأنه بالأمس القريب بنى بأهله ، أما الشباب الذين كانوا معي فلا يعلمون ذلك ، فأردت أن أرمي كما يُقال هنا عصفورين بحجر واحد ، أذكِّر إخواننا بصاحبهم أنه تزوَّج ، وأُسمِع القسيس تهنئة المسلمين ، فقلت لصاحبنا - اسمه سعيد - : أبارك لك بتبريك النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي علَّمنا إياه فأقول : ( بارك الله لك ، وبارك عليك ، وجمع بينكما على خير ) ، ولا أبارك لك بتبريك الجاهلية الأولى جاهلية العصر العشرين القرن العشرين ، لا أقول لك : بالرفاه والبنين ، فكم وكم كان البنون مصيبةً على الزوجين !!

وانطلقت أتحدَّث بما فَتَحَ الله لنا حتى شعرت بأن القسيس امتلأ ، ويريد أن يفيض بقى بما عنده ، قال : إذا كان الإسلام هكذا فلماذا المسلمون يكفِّرون " أتاتورك مصطفى كمال " ؟ فتكلَّمت معه طويلًا ، خلاصَّة الكلام أنهم هم ما كفَّروه ، وإنما هو بنفسه خرج عن الملة حينما عطَّلَ أحكام الشريعة ، وجعل الإرث للذِّكر مثل الأنثى ضد القرآن الكريم ، وفرضَ على المسلمين لباس الأقوام آخرين ، إلى آخره ، فهو كما يقولون عندنا " تعربش " تشبَّث بهذه الكلمة ، وكأنه وجد لنفسه منفذًا للغمز من الإسلام ، قال إيش فيها إذا كان أتاتورك فرض على المسلمين لبس القبَّعة ؟ هذا صار مثل ما قال أحد أصحابنا حديثًا هذا لباس عام كل الناس ، أُمَمي هو قال ، فعملت له محاضرة طويلة حول إيش ؟ هذا الموضوع بالذات ، وطبعًا الغالب أنُّو هو المثال اللي ضربت له إياه ، بعد البحث الطويل قلت له : يعني أفهم منك . فهو شو لباسه ؟ المارونيين في لبنان أسود بيلبس من راسو إلى أخمص قدمه ، وبيحط إيش ؟ طربوش طويل أسود ، وجبَّة سوداء مثل جبَّة مشايخكم - ولا مؤاخذة - ؛ الأزهر يعني ، وكما قال " محمد عبده " : " عمائم كالأبراج وجبب كالأخراج !! " ، هو لابس جبة هكذا . قلت له : يعني أفهم معليش أنو أنت تقيم القلنسوة هَيْ تحط طربوش أحمر ولفَّة بيضاء على راسك معليشي ؟ قال : لا لا لا . قلت له : ليه ؟ قال : نحن رجال دين .

السائل : رجال دين .

الشيخ : رجال دين .

السائل : طبعًا .

الشيخ : آ ، قمت أنا تعربشت فيها الكلمة أقوى مما تعربش هو بتلك ، قلت له : هذا هو الفرق بيننا وبينكم ، أنتم النصارى فيكم رجال دين ورجال لا دين ، رجال دين ورجال لا دين ؛ فما لا يجوز لكم يجوز للآخرين ، أما نحن المسلمين فطبقة المساواة ؛ لا فرق بين الكبير والصغير ، كلنا رجل دين ، فما لا يجوز لزيد لا يجوز لعمر ، ما يجوز لزيد يجوز لعمر وهكذا ؛ ولذلك فلا يجوز لنا أنت الآن شعرت بخطأ تشبُّه الشخص بغير دينه ، فلما كنت أنت رجل دين فأبيتَ أن تتشبَّه برجل دين آخر ؛ لأنُّو تنتسب لهذا الدين ، وأنت لا تؤمن بهذا الدين ، هكذا كلُّ مسلم يعتزُّ بدينه ؛ فهو لا يريد أن يتشبَّه بدين الآخرين ، ولو كان من أقل الناس علمًا وطاعةً وصلاحًا و و إلى آخره (( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ )) . وكانت قصة طويلة خمسين كيلومتر كلها مناقشة بيني وبينه .

فإذًا هذا النوع الأكبر التشبُّه بالكافر هذا لا شك فيه أنه حرام ، لكن قوة التشبُّه تتضاعف ، ما هي بنسبة معيَّنة ، الآن نقول قريب من البرنيطة في كونها شعارًا للكفر " الكرافيت " ، العقدة هذه ، فهي ليست في قوَّة البرنيطة ، لكنها قريبة منها ، وانزل إلى القميص مثلًا ، خاصَّة القميص ذي الأكمام القصيرة بالصيف مثلًا ، ما في قوَّة تشبُّه ، فإذا نزلت إلى أضعف قوَّة تشبُّه أضعف شيء ؛ لا نقول نحن حين ذاك هذا حرام ، لكن يبقى المرتبة الثانية التي أنا أشرت إليها في كلامي ، وقلت لك : لو صبرت للنهاية ، المرتبة الثانية خالفوهم ، التشبُّه شيء ومخالفة الكافر شيء ؛ أي : أنت لا تتشبَّه ... لو فعلت مثلهم ، لكن الشارع يريد يقوِّي همم المسلمين وعزَّتهم بدينهم ، فهو في الوقت الذي ينهاك أن تتشبَّه ويقول : ( مَن تشبَّهَ بقومٍ فهو منهم ) هو يريد منك ما هو أسمى وأعلى لك وأقرب عند الله - عز وجل - ؛ يريد منك أن تتقصَّد مخالفة الكافر ، مش فقط أن تهرب من التشبُّه به ؛ أن تقصد مخالفته إلى درجة أنه يطلب منك أن تخالفه في ما لا يقصده ، بل ولا يريده ولا يحبُّه ، لكن السنة الكونية فرضت عليه شيئًا باعتباره خلقًا من خلق الله - عز وجل - ، وأنت كذلك ، فيصبح في اشتراك بينك وبينه ، لا هو يريدك ولا أنت تريده ؛ مع ذلك خالِفْه ، لا يقال أن فلان تشبَّه بفلان ؛ لأن كلاهما لا يفعل ذلك الأمر جامع بينهما بقصد منه ، فليس هناك تشبُّه إطلاقًا ؛ مع ذلك يقول لك الشارع : تقصَّد المخالفة ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم ؛ فخالفوهم ) . النصراني بيشيب والمسلم بيشيب ؛ هل النصراني يريد الشَّيب ؟ طبعًا لا ، المسلم قد يريده ؛ لأنُّو في بعض الآثار أنه نور ، آ ، لكن هون صار في قدر مشترك بينه وبين الكافر ، لا يُقال تشبَّه المسلم بالكافر في شيبه لأنه ليس من عمله ، وإنما هو من سنَّة الله في خلقه ؛ مع ذلك يقول لك الرسول : اصبغ لأنهم لا يصبغون .

كذلك - مثلًا - من هذا القبيل : ( صلُّوا في خفافكم ونعالكم وخالفوا اليهود ) ، في الوقت اللي كثير من الفقهاء في الوقت الذي يختار فيه الفقهاء أن يصلي المسلم حافيًا يتعلَّلون أن النَّعل قد يكون فيه شيء من النجاسة والقاذورات ونحو ذلك ؛ فأنقى وأطهر أن يصلي حافيًا ، لكن فات هؤلاء أن الشارع الحكيم يرمي بتشريعه إلى أمور دقيقة لا يتنبَّه لها بعض الفقهاء ، فلتحقيق هذه الأمور الدقيقة يتسامح الشارع الحكيم مع عباده مثل ما نقول نحن مع بعضنا : بيغضُّ النظر يعني ، بس هذا التعبير كما نقول لا يصحُّ نسبته إلى ربِّ العالمين ، لكننا نقول : (( وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )) ، فيسمح عن بعض أشياء لولا ذاك الشيء الذي رمى إليه الشارع الحكيم ما عفا عنه ، فهو يقول : ( إذا أتى أحدكم المسجد فَلْيقلِبْ نعليه ، فإن كان فيهما من أذًى فَلْيدلِكْهما بالتراب ؛ فإن التراب لهما طهور ) . حكم شرعي ، لكننا إذا تأمَّلنا في هذا الحكم الشرعي ( فإن التراب لهما طهور ) ؛ طهور يعني مثل لما نغسل الثوب من النجاسة بالماء ؟ لا ، لأنُّو مهما دلكت أنت النعل بالأرض فلا بد أن يبقى في النعل مما تشرَّبه النعل من النجاسة ، وهذا لا يخرج أبدًا بالفرك إلا أنك تقضي على أسفل النعل فركًا ودعكًا ؛ فإذًا نعلم يقينًا أن الشارع الحكيم يعني يسَّر على عباده لغاية أشرنا إليها آنفًا حينما اكتفى منهم بتطهير النَّعل بالدَّلك ؛ ليه ؟ حتى يتمكَّنوا من مخالفة اليهود المتنطِّعين في دينهم كما أشار إلى ذلك عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - حينما كان في جمعٍ ، وحضرت الصلاة ، فقدَّم صاحبه أبا موسى الأشعري ليصلي بالناس إمامًا ؛ لأنه كان له صوت داوودي ، لقد قال - عليه السلام - في حقِّه : ( لقد أُوتِيَ هذا مزمارًا من مزامير آل داوود ) ؛ فقدَّمه ليصلي بالناس إمامًا ، وكان متنعِّلًا فخلع نعليه وتقدَّم ، فقال له ابن مسعود : أبالوادي المقدَّس أنت ؟ ينكر عليه ، أبالوادي المقدَّس ؟ يعني أنت على شريعة موسى اليهود هاللي يمتنعون من الصلاة في النعال ؟ فهذا يسر من الله للمؤمنين أنُّو يطهروا النعال النَّجسة بمجرد الدَّلك لتحقيق غاية شرعية هي مخالفة اليهود .

إذًا فالمسلم لا ينبغي أن يقنعَ فقط بأن يكون ديدنه عدم التشبُّه بالكفار وحسبك ، لا ؛ وأيضًا يزيد على ذلك فدائمًا يتقصَّد مخالفة الكفار ، ليس فقط أنُّو ما يتشبَّه ، لا ، وأيضًا يتقصَّد مخالفتهم ، أي : إن في الأمر شيئين يتعلَّقان بالمسلم ، أحدهما سلبي ؛ وهو أن لا يتشبَّه بالكافر ، والآخر إيجابي ؛ وهو أن يتقصَّد مخالفة الكفار ، هدولي مرتبتين أستبعد جدًّا جدًّا أن المؤمن الذي تشبَّع بهما وحاول أن يطبِّقهما في حياته أن لا يقع في شيء ممَّا يخالف الشريعة في خصوص التشبُّه بالكفار . لذلك - مثلًا - نحن يستغرب بعض الناس ممَّن لا علم عندهم بالشريعة بصورة عامَّة ، وبهاتين الخصلتين من الشريعة بصورة خاصَّة حينما يجدنا نضع الساعة في اليد اليمنى ، نحن نرمي بهذا تحقيق المخالفة ، شايف ؟ أنا إذا وضعت الساعة في اليد اليسرى ما في تشبُّه ؛ لأنو هذا مثل ما قال صاحبنا آنفًا : عمَّ وطمَّ بالبلاد ، فما يشعر المسلم سواء كان في بلده أو خارج بلده أنُّو في تشبُّه ، لكن المرتبة الثانية هذه إيش نساوي فيها ؟ لا بد ما إيش ؟ نقصد مخالفة الكفار في هذا كشعار للمسلمين ، وعلى هذا نحيا ، وعلى هذا نعيش - إن شاء الله تعالى - .

لعلك اكتفيت بهذا ؟ نعم ؟

سائل آخر : ... .

الشيخ : حول الموضوع ؟

سائل آخر : حول الموضوع .

الشيخ : تفضل .

مواضيع متعلقة