سؤال عن صحة أحاديث ثلاثة أورَدَها " ابن الجوزي " في كتابه " الوفاء " : حديث : ( إني عند الله لخاتم الأنبياء ، وإن آدم لَمنجدلٌ في طينته ) ، وحديث : متى كنت نبيًّا ؟ فقال : ( وآدم بين الروح والجسد ) ، وحديث : متى وَجَبَتْ لك النبوَّة ؟ قال : ( بين خلق آدم ونفخ الروح فيه ) ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
سؤال عن صحة أحاديث ثلاثة أورَدَها " ابن الجوزي " في كتابه " الوفاء " : حديث : ( إني عند الله لخاتم الأنبياء ، وإن آدم لَمنجدلٌ في طينته ) ، وحديث : متى كنت نبيًّا ؟ فقال : ( وآدم بين الروح والجسد ) ، وحديث : متى وَجَبَتْ لك النبوَّة ؟ قال : ( بين خلق آدم ونفخ الروح فيه ) ؟
A-
A=
A+
الشيخ : هنا أحاديث ثلاثة يسأل عنها السَّائل :

الحديث الأول : يقول : أخرج الحاكم والبيهقي عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إني عند الله لَخاتم النَّبيِّين ، وإن آدم لَمنجدلٌ في طينته ) .

الحديث الثاني : وأخرج أحمد والبخاري في " تاريخه " والطبراني والحاكم والبيهقي عن ميسرة الفجر قال : قلت : يا رسول الله ، متى كنتَ نبيًّا ؟ قال : ( وآدم بين الروح والجسد ) .

ثالثًا : قال : وأخرج الحاكم والبيهقي وأبو نعيم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قيل للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : متى وَجَبَتْ لك النبوَّة ؟ قال : ( بين خلق آدم ونفخ الروح فيه ) .

قال : ولقد أورَدَ ابن الجوزي في كتابه " الوفاء " هذه الأحاديث ، الجزء واحد ، الصفحة ثلاثة وثلاثين .

الواقع أن هذه الأحاديث الثلاثة هي أحاديث صحيحة ، ولكنها لا تدلُّ على ما يذهب إليه كثير من المسلمين اليوم من جُهَّالهم أو المغفَّلين منهم من علمائهم ، لا تدل هذه الأحاديث على أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - هو أوَّل ما خلق الله ، وإنما الشيء الوحيد الذي يدل عليه هذه الأحاديث إنما هو أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كُتِبَ عند الله - عز وجل - نبيًّا وآدم بين الروح والجسد ، " كُتِبَ " ، وليس معنى " كُتِبَ " خُلِقَ هو بجسده وروحه وآدم بين الروح والجسد ، وإنما كُتِبَ عند الله - عز وجل - نبيًّا وآدم بين الروح والجسد . وبعض هذه الأحاديث أصرح في الدلالة على هذا المعنى من بعض ؛ ففي الحديث الأول يقول : ( إني عند الله لَخاتم النَّبيِّين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ) ، ( إني عند الله لَخاتم النَّبيِّين ) يعني مكتوب عند الله أنه خاتم النبيين وآدم لا يزال في طينته .

الحديث الذي بعده لفظه : متى كنت نبيًّا ؟ في لفظ آخر أصرح بدل : " كنتَ " ؛ " كُتِبْتَ " ، متى كُتِبْتَ نبيًّا ؟ أجاب : ( وآدم بين الروح والجسد ) .

الحديث الثالث هنا : متى وجبت لك النبوة ؟ قال : ( بين خلق آدم ونفخ الروح فيه ) ؛ فإذًا لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على خرافة كون الرسول - عليه السلام - أول مخلوق خَلَقَه الله - عز وجل - ، وإنما هذا الحديث يدل على أن كتابة الرسول - عليه السلام - نبيًّا عند الله كان قبل خلق آدم ، ( وآدم بين الروح والجسد ) ؛ فلذلك إذا كان كذلك ، وأن الحديث ليس له علاقة بإثبات أن الرسول هو أول خلق الله كما يقولون ويزعمون ؛ يبقى الأمر على ما هو مُجمَع عليه بين علماء المسلمين قاطبةً منذ بَعَثَ الله محمدًا - عليه الصلاة والسلام - حتى تقوم الساعة أن محمد هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، فهو مسبوق بمئات الآباء قبلَه وبينه وبين آدم - عليه الصلاة والسلام - ؛ فكيف يصح أن يُقال حين ذاك بأن الرسول أول ما خَلَق ؟!

وبالإضافة إلى ذلك فهذه العقيدة الباطلة تُصادم حديثًا صحيحًا ؛ ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( أول ما خلق الله القلم فقال له : اكتُبْ . قال : ما أكتب ؟ قال : اكتُبْ ما هو كائن إلى يوم القيامة ) . حديث صحيح رواه أبو داود في " سننه " وأحمد في " مسنده " وغيرهما ، فهذا نصٌّ صريح في تحديد أول مخلوق ؛ حيث قال - عليه السلام - : ( أول ما خلق الله القلم ) ، فلما خَلَقَه ( قال له : اكتب . قال : ما أكتب ؟ قال : اكتُبْ ما هو كائن إلى يوم القيامة ) ، هذا القلم هو الذي كَتَبَ كون الرسول - عليه السلام - نبيًّا ( وآدم بين الروح والجسد ) ؛ فإذًا هو - عليه الصلاة والسلام - حتى كتابته عند الله نبيًّا متأخِّر عن أول مخلوق ، فضلًا عن ذاته - عليه الصلاة والسلام - بجسده وروحه ؛ لذلك مما يُؤسف له أن تُرفع الأصوات على المآذن والمنائر والمنابر بهذه العقيدة الباطلة ؛ وهي أنه - عليه السلام - أول مخلوق .

وهذا في الواقع مما يُشعِرُنا بابتعاد المسلمين عن دراسة السنة وعن دراسة الحديث النبوي ، وعن معرفة ما صح ممَّا لم يصح منه حتى تمسَّكوا بكل حديث يطرق مسامعهم ، أو بكل حديث يقرؤونه في كتاب من الكتب التي تطبع المطابع منها الألوف المؤلَّفة دون رقابة علميَّة إطلاقًا ؛ فَهُم يزعمون بأن الرسول - عليه السلام - قال : " يا جابر ، أول ما خلق الله نور نبيِّك " ، هذا لا أصل له في كتب السنة إطلاقًا ، وليس له وجود في أيِّ كتاب من كتب الحديث لا الكتب الستة المشهورة ، الكتب الستة البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وكتب الحديث الأخرى ، فهذه أشهرها وهي الستة ، فهذا الحديث لا أصل له في شيء منها ، ولا الكتب الستين ولا الست مئة ، كل هذه الكتب لم تروِ هذا الحديث ولو بإسناد مكذوب موضوع ، ليس لهذا الحديث أصل ؛ مع ذلك اعتمدوا عليه وضربوا به الحديث الصحيح : ( أوَّل ما خلق الله القلم ) كما ذكرنا ، وحينما يشعر أحدهم بأن حديث خلق الرسول - عليه الصلاة والسلام - وخلق نوره فعلًا لا أصل له ولا وجود له البتَّة يركَنون إلى هذه الأحاديث التي بدأنا الإجابة عليها ، وهي في الواقع أحاديث صحيحة ، ولكن لا تدلُّ على المعنى الذي يذهبون إليه ويستدلون به عليه ؛ ألا وهو حديث : " أول ما خلق الله نور نبيِّك " ، هذه الأحاديث الثلاثة لا ارتباط بينها ولا صلة بينها وبين حديث جابر إطلاقًا ، وإنما فيها أن الله - عز وجل - كتب عنده كون الرسول نبيًّا مصطفى مختارًا وآدم منجدل في طينته .

فهذا ما يتيسَّر من الجواب على هذه الأحاديث ... الثلاثة .

نعم .

مواضيع متعلقة