مذهب أهل السنة والجماعة في التوسُّل بالأنبياء أو الملائكة أو الأولياء والصالحين ، وأنه لا يجوز ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة ، ومعنى قوله - تعالى - : (( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
مذهب أهل السنة والجماعة في التوسُّل بالأنبياء أو الملائكة أو الأولياء والصالحين ، وأنه لا يجوز ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة ، ومعنى قوله - تعالى - : (( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )) .
A-
A=
A+
الشيخ : هنا فكرة عن التوسُّل والوسيلة ، فكرة عن التوسُّل والوسيلة .

الحقيقة أنُّو هذا بحث يعني تكرَّر ... منَّا كثيرًا ، ولكن يبدو أن إخوانًا لنا كُثُر يحضرون من جديد وما سبق لهم أن سمعوا رأينا عن التوسُّل والوسيلة بتفصيل ؛ لا سيَّما وهم يسمعون ممَّن لم يفهموا رأينا في هذه المسألة ؛ هذا إذا كانوا ينقلون عنا بكل تجرُّد وبكل إخلاص ولا يتَّهموننا بما ليس فينا ، فيُشكل عليهم الأمر ، وحينئذٍ يكون من الواجب علينا أن نشرح لهم هذه الفكرة ؛ أوَّلًا ليعلموا ما نعتقد فلا ينسبوا إلينا ما لا ندين الله به ، وثانيًا ليحاسبوا هم أنفسهم فيروا موقفهم من هذه المسألة المستندة إلى الكتاب والسنة ، فيكونوا معنا في الكتاب والسنة إذا وضحت لهم هذه المسألة ، وأن الحقَّ فيها معنا .

أوَّلًا : يجب أن يعلم هؤلاء الناس اليوم أنه لا يوجد في الأئمة الأربعة الذين ندَّعي نحن جميعًا الانتماء إليهم في علم الفروع فروع الفقه ؛ لا يوجد فيهم مَن يقول بجواز التوسُّل بالأنبياء والرسل والأولياء والصالحين توسُّلًا عامًّا هكذا مطلقًا شاملًا ، لا يوجد في إمام من هؤلاء الأئمة إطلاقًا مَن يقول بذلك ، كل ما جاء رواية عن الإمام أحمد أنه قال يجوز التوسُّل بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهذا منه وقوفًا مع حديث الأعمى الذي سبقت الإشارة إليه ، وبهذا قال الإمام العز بن عبد السلام من أئمة الشافعية ؛ أي : حصر التوسل بالرسول - عليه السلام - فقط بحديث الأعمى ، وحديث الأعمى له جواب عندنا كما قد تسمعونه اليوم أو غير اليوم حسب الوقت المتَّسع لدينا .

أما ما سوى ذلك ؛ أي : القول بالتوسل بأيِّ رجل بأيِّ نبي بأيِّ ولي بأيِّ رجل صالح بعد موته ؛ فهذا لا يوجد في أئمة المسلمين مَن يقول به إطلاقًا ، بل أول إمام من الأئمة الأربعة أبو حنيفة النعمان بن ثابت - رحمه الله - ينكر كل توسل بالأشخاص إنكارًا صريحًا مدوَّنًا في كل كتب المذهب الحنفي ؛ حيث يقول : " أكره أن يُسأل الله إلا بالله " ، " أكره أن يُسأل الله إلا بالله " ، والكراهة عند الحنفية إذا أطلقت تُحمل على التحريم ، كأنه يقول : يحرم أن يسأل الله بواسطة ما من الوسائط إلا بالله - عز وجل - ، وتمام كلامه قال : " والدعاء المشروع هو المُستفاد من مثل قوله - تبارك وتعالى - : (( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )) - أي : توسَّلوا إلى الله بها - " ، هذا هو المقصود من الآية ، وليس المقصود ما يفعله كثير من الناس اليوم باسم ذكر الله - عز وجل - ، وهو أبعد ما يكون عن ذكر الله - تبارك وتعالى - ، أن يقول : " الله الله الله ، يا لطيف يا لطيف يا لطيف " ؛ هذا ليس هو المقصود (( فَادْعُوهُ بِهَا )) ، إنما المقصود (( فَادْعُوهُ بِهَا )) أي : توسَّلوا إلى الله بأسمائه الحسنى ، وإذا شئتم تعابير أخرى من لغة الحديث لغة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فاسمعوا - مثلًا - حديث الغار أوائله - ما لنا بطوله - : " بينما ثلاثة نفر ممَّن قبلكم يمشون إذ أصابهم المطر ، فأووا إلى غار في جبل ، فانحطَّت على فم غارهم صخرة من الجبل ، فانطبقت عليهم ، فقال بعضهم لبعض : يا هؤلاء ، انظروا أعمالًا عملتِمُوها صالحةً لله فادعوا الله بها .

فادعوا الله بها على وزان : (( فَادْعُوهُ بِهَا )) ، فادعوا الله بها ؛ أي : توسَّلوا كل واحد منكم يتوسَّل بعمل له صالح إلى الله - تبارك وتعالى - .

كذلك هناك أحاديث أخرى جاء هذا التوسُّل باسم من أسماء الله الحسنى أكثر من حديث واحد كما قال حينما سمع الرسول - عليه السلام - رجلًا يقول : اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحدًا . فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( لقد دَعَا هذا اللهَ باسمه الأعظم ) (( فَادْعُوهُ بِهَا )) ، ( لقد دَعَا هذا الله باسمه الأعظم الذي إذا سُئِل به أعطى ، وإذا دُعِيَ به استجاب ) ، فالإمام أبو حنيفة - رحمه الله - يفهم الآية على ضوء الأسلوب العربي والأحاديث الصحيحة التي نطق بها الرسول - عليه السلام - ، فيفهم أن قوله - تعالى - : (( فَادْعُوهُ بِهَا )) معناه توسَّلوا بها إلى الله ، ولا تتوسَّلوا إلى الله بشخص من الأشخاص مهما كانت منزلته عند الله - تبارك وتعالى - . والسِّرُّ في ذلك أن الله - عز وجل - ليس كمثله شيء ؛ فلا يجوز للمسلم أن يُعامِلَه وأن يجعل العلاقة بينه وبين ربِّه كعلاقته بينه وبين سيد من أسياده أو رئيس من رؤسائه ، فالناس جرى عرفُهم وجرت عادَتُهم أنه إذا كان له حاجة عند شخص كبير لا يستطيع الوصول إليه ، لا يتمكَّن من أن يُكالِمَه ويُواجِهَه هكذا كفاحًا عيانًا ، وذلك من طغيان البشر على البشر بلا شك ، فيضطرُّ إلى أن يُدخِلَ بينه وبين ذلك الرئيس الذي له إليه حاجة أن يُدخل إليه واسطة ، فإذا المسلم أدخل واسطة من البشر بينه وبين ربِّه - تبارك وتعالى - فقد شابه ربَّه بذاك الرئيس المتكبِّر الجبار .

وقد كنت مرة في " معرَّة النعمان " ، وقفنا على دكان فجرى حديث حول التوسُّل ، وقف لنا شاب مثقَّف ، وإذا به يقول : يا أخي ، ممكن هلق إنسان أنُّو يطلب حاجته رأسًا هيك بدون واسطة هلق إذا كان لك حاجة عند - مثلًا - المحافظ أو عند ... فأنت بتقدر أنَّك تطلبه منه مباشرةً . قلت له بكل بساطة : لا والله . قال : لَكان ؟ قلت له : يعني بقى أنت بتريد تشبه ربَّك بالمحافظ ؟ يا تُرى المحافظ هذا الذي أنت تضرب به مثلًا لو كان مثل عمر بن الخطاب خيرٌ له أم مثل الحجاج الظالم ؟ عمر بن الخطاب كان يأتيه الأعرابي من البادية يقول : أين عمر ؟ يقال له : هذا . يقول له : يا عمر ، ما يقول له : يا أمير المؤمنين ؛ يا عمر ، حاجتي كذا وكذا ، فيصغي إليه ؛ فإن كانت حاجته حق قضاها له ، وإلا دلَّه على ما خير له . قلت له : أعمر خير أم هذا المحافظ ؟ قال : لا والله ، عمر . قلت : فربُّ عمر خير ولَّا عمر ؟ شو بدو يقول بقى ؟!

فإذًا لما المسلم بيتنزَّل هذا التنزُّل ، فيقيس ربَّ العالمين على إنسان مخلوق أوَّلًا ، وليت أن قياسه لربِّه كان على مخلوق كامل مثل عمر ، لو أن قائسًا قاسَ ربَّ العالمين على عمر العادل لَكان كافرًا ؛ فكيف به يقيس ربَّ العالمين أحكم الحاكمين وأعدل العادلين على أظلم الظالمين ؟! هذا منطق الإنسان اليوم المسلم أودَى جهلُه بالكتاب والسنة إلى هذا القياس الذي حُقَّ فيه كلام ابن حزم فعلًا في شطره الثاني من كلامه قال هو : " القياس كله باطل ، ولو كان منه حقٌّ لَكان هذا منه عين الباطل " . هذا كليشة لابن حزم يجادل بها خصومه في عشرات المسائل ، هو ينكر القياس جملةً وتفصيلًا ، وهو في هذا مخطئ ، لكن من باب الجدل العلمي يقول أحيانًا في بعض المسائل : " لو كان في القياس حقٌّ لَكان هذا القياس منه عين الباطل " ، ونحن نقول : قياس ربِّ العالمين على المخلوقين لا سيما الظالمين منهم ؛ هذا من أفسد بل أفجر قياس يُقاس على وجه الأرض .

لذلك كانت حكمة التشريع وتعبُّد الإنسان لربِّه أن لا يُدخِلَ واسطةً بينه وبين ربه - تبارك وتعالى - ، إذا عرفنا هذه الحقيقة حين ذاك تعلمون جهل وافتراء المفترين علينا الذين يقولون عنا لما بنقول : لا تُدخلوا واسطة بينكم وبين ربِّكم ، لا الرسول - عليه السلام - ولا مَن دونه ، ها ، أنكروا الرسول ، أنكروا جاه الرسول ؛ علمتم جهل هؤلاء أو افتراءهم ؛ ذلك لأننا حينما نقول : لا تُدخل الرسول في الدعاء بينك وبين ربِّك فهذا غيرة منَّا على مقام الربوبية والألوهية ، وليس حطًّا منَّا لمقام النبوة والرسالة ، هذا تمامًا كما قال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لمعاذ بن جبل حينما جاء من الشام إلى المدينة فهَمَّ أن يسجد له ، فقال له : ( مَهْ يا معاذ ! ) . قال له : يا رسول الله ، أتيت الشام ووجدت النصارى يسجدون لقسِّيسيهم وعظمائهم ، فرأيتك أنت أحقَّ بالسجود منهم . قال - عليه السلام - : ( لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجد لِأحدٍ لَأمرتُ الزوجة أن تسجُدَ لزوجها لِعظم حقِّه عليها ، لكن لا يصلح السجود إلا لله - تبارك وتعالى - ) .

حتى في قصة أخرى أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - جاءه ذات يوم جمل حيوان أعجم ، وأرخى عنقَه الطويل ، فكأن الرسول - عليه السلام - أصغى إليه فنادى قال : ( مَن ربُّ هذا الجمل ؟ ) . قام رجل من المجلس ، قال : ( إنه يشكو - هذا الجمل - يشكو أنكم تحمِّلونه ما لا يطيق ) . فإذا بالرسول يُبيِّن لهم أو هم يفهمون بأنُّو هذا الجمل حينما أدنى بعنقه فَهِمُوا منه أنه يسجد للرسول - عليه السلام - ، فلما فَهِمُوا من إخبار الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الجمل كلَّمَه وشكا صاحبه إلى النبي أن يرفع الظلم عنه ؛ قالوا : يا رسول الله ، أفلا نسجد لك كما سجد لك هذا الجمل ؟ قال - أيضًا - هذا الحديث : ( لو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ لَأمرتُ الزوجة أن تسجُدَ لزوجها لعظم حقِّه عليها ) . تُرى إذا كان الرسول - عليه السلام - ينهانا نهيًا عامًّا أن نسجد له حيًّا ؛ أفلا ينهانا أن نسجد له ميتًا ؟ من باب أولى ؛ لذلك قال : ( لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلُّوا إليها ) ، إذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - ينهانا نهيًا عامًّا أن نسجد له من دون الله - عز وجل - ؛ أهذا تحقير له ؟ هل هو يحقِّر نفسه ؟ حاشا ؛ إذًا ماذا يفعل الرسول - عليه السلام - في هذا النهي ؟ يُعطي حقَّ الله لله ، ويخصُّ به دون سواه - تبارك وتعالى - ، فنحن لنا أسوة برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فإذا نَهَينا الناس أن يُدخلوا في دعائهم واسطةً ما بينهم وبين ربِّهم ليس معنى كلامنا أن هذه الواسطة حقيرة لا قيمة لها ، لا جاه لها عند ربها ؛ لا ، وإنما الغرض إخلاص العبادة لله - عز وجل - حسبَما شرع لنا نبيُّه - صلوات الله وسلامه عليه - .

إذًا الرسول - عليه السلام - إذا قلنا : لا نتوسَّل به الآن ؛ لسنا نعني لا جاه له ، بل الله وصف بعض أنبيائه من قبل : (( وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا )) ، (( وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )) عن عيسى وموسى ، فإذا كان كلٌّ من عيسى وموسى وجيهَين عند الله فرسول الله بلا شك أوجه عند الله ، لكن هل هذه الوجاهة وهل هذه السيادة تسوِّغ لنا أن نشرِّع في دين ربِّنا ما لم يأتِ به نبيُّنا نفسه - عليه الصلاة والسلام - ؟ لا ؛ لذلك إذا كنا فعلًا نحن نريد أن نعظِّمَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - فذلك في حدود ما جاء به هو - عليه الصلاة والسلام - لا نزيد عليه ، أَلَسْتُم تسمعون قوله - عليه السلام - : ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ؛ إنَّما أنا عبد ؛ فقولوا : عبد الله ورسوله ) ، هذا الذي يحبُّه رسول الله لنا ، فهذا الذي نتقرَّب إلى الله أن نقوله في حقِّ نبيِّنا - عليه الصلاة والسلام - لا نزيد على ذلك حرفًا واحدًا ؛ إذًا فحينما قال ربُّنا - تبارك وتعالى - : (( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )) ، وشرحَ لنا الإمام أبو حنيفة أنَّ معنى (( فَادْعُوهُ بِهَا )) ؛ أي : توسَّلوا إلى الله بها ؛ ذلك لقطع دابر الوسائط البشرية بين العبد وبين الرَّبِّ - تبارك وتعالى - ؛ لأن ذلك مدعاة ووسيلة وذريعة للإشراك بالله - عز وجل - .

مواضيع متعلقة