مواصلة الرَّدِّ على شبهة من يجوِّز رؤية النساء في المجلات والتلفزيون . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
مواصلة الرَّدِّ على شبهة من يجوِّز رؤية النساء في المجلات والتلفزيون .
A-
A=
A+
الشيخ : ... والاستماع لصوت المرأة وغنائها هذا لا يجوز لما يترتب من وراء ذلك من الفتنة ، هذا حكم صحيح كالحكم الأول من حيث النظر إلى شخصية المرأة وعورتها ، لكن إذا سمع الرجل غناء المرأة من وراء المذياع ؛ فهذا جائز ! لماذا ؟ لأنه لا يسمع صوتها مثلًا ... وإنما يسمع صدى الصوت !! صدى الصوت وليس الصوت !! وهذا أمر وقع عندنا في دمشق منذ نحو عشرين سنة ، صعد المفتي إلى جبل قاسيون حيث الإذاعة والتلفيزيون ، فأصعدوا معه موظفًا من إخواننا هناك ملتحٍي ليُفرِّجه على مقاسم المحطة هذه ، فالمفتي أَنسَ من صاحبنا رشدًا ، فأحب أن يتظاهر بأنه يريد أن يستفيد منه علمًا ، هو لا يعرفه لأنه مفتي ، أما هذا فرجل ميكانيكي ، قال له أريد أن أسألك : هذا الصوت الذي تذيعونه في البلاد هذه ، فيسمع ؛ هل هو الصوت نفسه أم هو صدى الصوت ؟ قال : لا ، هو الصوت نفسه . هذا الرجل متخصص في هذا المجال ، لاحظ صاحبنا بأن الشيخ يشك في هذا الجواب ، ويرى أن هذا الصوت ليس هو نفسه ، وإنما هو صداه ، وجادل صاحبنا حول ذلك ، صاحبنا تنبَّه فاندفع ليسأل : يا فضيلة الشيخ ، هل هناك من فرق بين أن يكون هذا هو الصوت عينه أو هو صداه ؟ قال : طبعًا ، هناك فرق كبير ؛ لأنه إذا كان هو صدى الصوت جاز لنا - نحن الرجال - أن نسمعَ غناء أم كلثوم مثلًا ؛ لأننا لا نسمع صوتها ، وإنما نسمع صداه ، أما إذا كان الصوت هو صوت ... فحرامٌ علينا أن نستمع إليه ، وذكر له حكمًا فقهيًّا كنا قرأناه في كتب علماء الحنفية ، ذكروا في باب سجود التلاوة - وهم يذهبون إلى وجوب سجدة التلاوة - قال له : كان رجل في وادٍ فسمعَ صدى صوت رجل قرأ آية سجدة ؛ فهل يجب عليه السجود؟ قالوا : لا ، لِمَ ؟ قالوا : لأنه لم يسمع الصوت ، وإنما سمع صدى الصوت .

فالفقيه هنا - المشار إليه - يريد أن يستخرج الآن بناء على ذاك الحكم المُسطَّر من قديم الزَّمان حكمًا يناسب هذا الأمر الحادث في هذا الزّمان وهو صوت المذياع ، تُرى إذا سمعنا منه أغاني النساء ، وآلات الموسيقى ، والطرب ؛ أيجوز ذلك أم لا ؟ في المسألة قولان : إذا كان ذاك هو صدى الصوت جاز !! وإذا كان الصوت نفسه لم يجز .

هذا في الحقيقة غفلة عن باب سد الذريعة ، ما الفرق بين أن يكون هو الصوت بعينه أو صدى الصوت ؟ لماذا قال الفقهاء بتحريم سماع صوت المرأة ؟ قالوا : خشية الفتنة ، هذه الخشية قائمة سواء تفلسفنا في بيان حقيقة سماعنا لهذا الصوت ؛ أهو الصوت نفسه أم هو صدى الصوت ؟ فالفتنة قائمة .

نعود إلى المسألة الأولى ؛ لا يجوز النظر إلى شخص المرأة ؛ لأنه فيه فتنة ، لكن إذا نظرت إليها في الصورة هذا يجوز ؛ لأنك تنظر إلى خيال ! وليس إلى حقيقة ، علمًا أنه يترتب - أيضًا - من النّظر ، وهذا مشاهد بين الشّباب الذين يتهافتون على شراء المجلات التي فيها النساء العاريات ، لماذا ؟ لأنهم يشبعون نهمة شهوتهم بالاطلاع على هذه الصور العارية ، ولا شك أن ذلك من أسباب انتشار الاستمناء الذي يسمّونه بالعادة السرية تخفيفًا لوقع الاستمناء المحرَّم شرعًا ، حتى وصل البعض من هذه الفلسفة المنحرفة عن قواعد الشريعة إلى أن يقول : أن الرجل إذا رأى صورة امرأة في مرآة أمامه ؛ فهذا جائز ؛ لأنه ينظر إلى خيال ، ومعلوم في الواقع أن صورة المرأة التي تظهر أمام الرجل الرائي في المرآة هي تكون خلفه ، فتنتج نكتة مضحكة مبكية ، ذلك أو تلك هي أنه إذا نظر هذا المتفلسف أمامه في المرآة جاز ، فإذا التفت هكذا حرُم ! لم ؟ لأنه هنا ينظر إلى حقيقة ، وهنا ينظر إلى خيال ، هكذا وصل الفقه الإسلامي إلى مثل هذه المهزلة !! والسبب هو عدم التمسك بالقواعد الشرعية .

هذا ما أردت أن ألفت النظر إليه بالنسبة لما سبق من البيان .

السائل : ... .

الشيخ : أحسنت ، حديث الحبشة أنت ذكرتني بشيء ، السؤال انتقل من النظر إلى الصورة إلى الاستدلال بالحبشة ، النظر إلى الحبشة نظر إلى أشخاص ؛ فما علاقة النظر في الصورة ؟ الصورة نفس البحث ، أو السؤال ليس متعلقًا بالصورة ، وإنما بالمصوَّر وهم الأشخاص ، فالنظر نظرة السيدة عائشة - رضي الله عنها - إلى لعب الحبشة هذا أمر مسموح به لها ولغيرها ؛ لأنها منفردة إلى النظر إلى اللعب وليس إلى الأشخاص ، اللعب مثل نظر المرأة إلى معركة قتال ، لا يخطر في بال المرأة يومئذٍ ما قد يُوسوس الشيطان إليها أن تحلِّق ببصرها إلى الشخص الذي قد يعني تثار من جماله ومن شكله ، فهنا النظر سُمح به ؛ لأن الفتنة مأمونة ، من حيث أن النظر متوجه - ليس إلى الشّخص أو الأشخاص - وإنما إلى لعبهم بالحراب ، يُضاف إلى ذلك أن هذا اللعب - وقد كان في المسجد - هو من باب اتخاذ الوسائل للاستعداد لمُلاقاة الأعداء ، وإلا فلا يجوز كلُّ لعب في المسجد كما سمعنا من بعض المتعالمين يقول عندنا في دمشق ، مسجد يعرف بمسجد بني أمية المسجد الكبير ، فيه ساحة كبيرة جدًّا ، طبعًا مكشوفة تكون عادةً في سعة الملاعب ملاعب كرة القدم أو أوسع ، يقول هذا المتفلسف - أيضًا - : لو كان بيده من الأمر شيء لجعل هذه الساحة من المسجد ملعبًا بلديًّا ! ملعب لكرة القدم ، لا يجوز اتخاذ المساجد ملاعب ، لكن أجاز الرسول - عليه السلام - للحبشة أن يلعبوا في المسجد بالحراب ؛ لأنه من باب قوله - تبارك وتعالى - : (( وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوة )) إلى آخر الآية .

هذا هو الجواب عن مسألة نظر عائشة ، ونظر عائشة في نفس الحديث إلى لعب الحبشة ، فالنظر إلى لعب الحبشة - وهو لعب مشروع - غير نظر المرأة إلى الرجل ونظر الرجل إلى المرأة شخصيًّا ، على هذا يمكن أن نخرِّجَ حديث اللعب ، وحينئذٍ لا يصطدم مع النص القرآني الذي جاء في القرآن : (( وقل للمؤمنين يغضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم )) ، وكذلك (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهنَّ )) ، فليس هناك مجال أبدًا في تأويل الآية إلى المعنى الذي أشار السائل إليه أنه يُنظر هنا إلى القصد ، يُنظر إلى القصد ، فإذا كان النظر بقصد سيِّئ ؛ فهو المقصود بالآية ، أما إذا كان النظر بقصد حسن ؛ فليس يدخل في النهي في الآية ، هذا هو من باب التأويل الذي دخل في الخَلَفَ على خلاف طريقة السلف ؛ لأن طريقة السلف هو تفسير الآية بالآية إن وجدت ، وإلا تفسير الآية بالحديث ، وهنا أحاديث كثيرة تبيِّن لنا أن النظرة الأولى لك ، والثانية عليك ، قال - عليه السلام - : ( يا علي لا تُتبع النظرة النّظرة ؛ فإن النظرة الأولى لك ، والثانية عليك ) ، من ذا الذي يستطيع أن يقول إنه أحصن وأمسك وأضبط لهواه ولنفسه من علي ، من هؤلاء المتأخّرين من أمثالك ، ليقول أنا أنظر نظرة نظيفة طاهرة ، وهذا الرجل الطاهر الزكي النفس قد قال له - عليه السلام - صراحة : ( لا تُتبع النظرة النظرة ، فإن النظرة الأولى لك ، والثانية عليك ) ، أي : إن من أعاد النظر إلى شخص المرأة ... فذلك من فتنة الشيطان ، ولذلك جاء في حديث الخثعميَّة في " صحيح البخاري " لما وقفت لتسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أبيها ، وقد أدركته فريضة الله الحج ، وهو شيخ كبير لا يثبت على الرحل ، قالت : " أفأحجُّ عنه؟ " . قال لها : ( حجِّي عنه ) . ورديف النبي - صلى الله عليه وسلم - الفضل بن العباس ، فكان ينظر إليها ، وتنظر إليه ، وهما شابان ، وكان هو وضيئًا ، وكانت هي جميلة ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرف بصر الفضل إلى الجانب الآخر ، كي لا يدخل الشيطان بينهما ، فمن ذا الذي يستطيع أن يقول : إني أملك من نفسي ما لم يملك الفضل بن عباس من نفسه ، حتى صدَّه الرسول - عليه السلام - عن تكرار النظر إلى الخثعمية بيده ؟!

إذًا غضوا من أبصاركم ، هو كما قال - عليه السلام - في الحديث الآخر لما سُئل عن نظرة الفجأة قال : ( اصرف بصرك ) ، ونظرة الفجأة هي النظرة الأولى ، أما أن تكرر النظر المرَّة والمرَّة ؛ فهذا قد أمرنا به أن نصرفه ، ( اصرف بصرك ) ، فالحديث في " صحيح مسلم " ، لذلك فلا يجوز للمرأة أن تكرِّر النظر إلى الرجل ، كما أنه لا يجوز للرجل أن يكرِّر النظر إلى المرأة ، إلا في حالة واحدة ؛ وهي حالة الخطبة ، ( إذا وقع في نفس أحدكم أن يخطب امرأة ؛ فلينظر إليها ؛ فإنه أحرى أن يُؤدم بينهما ) .

وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .

مواضيع متعلقة