ما صحة الحديث الذي رواه الحاكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن أبويه : ( مَا سَأَلتُهُمَا رَبِّي فَيُعطِينِي فِيهِمَا ، وَإِنِّي لَقَائِمٌ يَومَئِذٍ المَقَامَ المَحمُودَ ) ، وأن جمعًا من الحفاظ أقرُّوه واستدلوا به على نجاة أبوي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهما من أهل الفترة ، وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن أهل الفترة ناجون لأنهم لم يكن فيهم نبيٌّ ، والله - تعالى - يقول : (( لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ )) ، (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )) ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما صحة الحديث الذي رواه الحاكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن أبويه : ( مَا سَأَلتُهُمَا رَبِّي فَيُعطِينِي فِيهِمَا ، وَإِنِّي لَقَائِمٌ يَومَئِذٍ المَقَامَ المَحمُودَ ) ، وأن جمعًا من الحفاظ أقرُّوه واستدلوا به على نجاة أبوي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهما من أهل الفترة ، وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن أهل الفترة ناجون لأنهم لم يكن فيهم نبيٌّ ، والله - تعالى - يقول : (( لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ )) ، (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )) ؟
A-
A=
A+
الشيخ : روى الحاكم في " صحيحه " عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - سُئِل عن أبويه ؛ فقال : ( ما سألت ربي فيهما فيعطيني ، وإني لَقائمٌ يومئذٍ المقام المحمود ) ، وذكر هذا الحديث جمعٌ من الحفاظ وأقرُّوه ، بل استدلو به على نجاة الأبوين الكريمين كما قال الإمام السهيلي والسيوطي والقرافي ، وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن أهل الفترة ناجون لأنهم لم يكن فيهم نبيٌّ ، والله - تعالى - يقول : (( لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ )) ، (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )) ، والله أعلم .

سئل أبو بكر بن العربي أحد الأئمة المالكية - رحمه الله - عن ذلك .

شو هاد ؟ مَن قال ذلك ؟

عيد عباسي : قد يكون : فقال : مَن قال ذلك : ملعون لقوله - تعالى - : (( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )) .

الشيخ : ما شاء الله !

سُئِل أبو بكر بن العربي عمَّن قال ذلك ؛ فأجاب بقوله : ملعون لقوله - تعالى - : (( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ )) ، ويوجد قصة لعمر بن عبد العزيز شبيهة أخرجها ابن عساكر من طريق يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية حدثنا ، وأما النوفل بن فرات ؛ فهل هذا صحيح ؟ وقد نقلتُ هذا عن كتاب أبي حنيفة لـ " وهبي سليمان غاوجي الألباني " صفحة كذا إلى آخره .

أما حديث الحاكم فهو حديث غير صحيح ، وهو مخرَّج عندي في " السلسلة " ، ولا يحضرني الآن بيان العلة .

وقبل متابعة الكلام أريد أن أذكِّر بأن قول هذا الكاتب : روى الحاكم في صحيحه هذا تعبير مبتدع بالنسبة لأهل العلم أوَّلًا ، وخطأ من حيث الواقع ثانيًا ؛ لأن " مستدرك الحاكم " ليس صحيحًا ؛ بمعنى إن الأحاديث التي أورَدَها فيه لم هو يلتزم أن لا يورد فيه إلا ما صح ، فهو في كثير من الأحيان يروي أحاديث يسكت عنها ، لا يقول : إنها على شرط البخاري ومسلم ، على شرط البخاري ، على شرط مسلم ، أو صحيح الإسناد ولم يخرِّجاه ، هَيْ أربع طبقات . فيه طبقة خامسة وسادسة ، الطبقة الخامسة يُورد الحديث ويسكت ؛ لا يذكر شيئًا من هذه الطبقات الأربعة ، الطبقة السادسة يُورد الحديث ويبيِّن علَّته هو نفسه ؛ ولذلك فتسمية " مستدرك الحاكم " بالصحيح هذا خطأ اصطلاحًا وواقعًا .

أما ما نَقَلَه عن القاضي أبي بكر بن العربي من أن مَن قال في حقِّ أبوي الرسول - عليه الصلاة والسلام - ما قاله الرسول نفسه : ( إنَّ أبي وأباك في النار ) ما نَقَلَه عن أبي بكر من أن هذا القائل هو ملعون ؛ أنا أتصوَّر أن ابن العربي يعني كأنُّو معصوم من أن يتكلم بهذا الكلام ، لماذا ؟ لأنه كلام رهيب جدًّا ؛ لأن جماهير المسلمين ومنهم أبو حنيفة الذي يُترجم له هذا المتحنِّف والمنسوب إلى أبي حنيفة نسبةً لا يرضاها أبو حنيفة ، أبو حنيفة نفسه نقل عنه الشَّيخ علي القاري وغيره عن أبوي الرسول - عليه الصلاة والسلام - أنهما من أهل النار ، وأبو حنيفة وأمثاله حينما يذكرون هذا لا يذكرون هذا إلا من باب تبليغ الشريعة إلى الناس ؛ لا من باب إيذاء الرسول - عليه الصلاة والسلام - حتى يصحَّ لمثل ابن عربي ، بل لِمَن هو دونه ، وطبعًا ابن العربي غير ابن عربي ، ابن عربي النكرة المدفون هنا هذا غير ابن العربي ، فابن عربي قد يقول هذا وما هو أضل منه ، أما ابن العربي صاحب " تحفة الأحوذي شرح الترمذي " ، وصاحب .

عيد عباسي : " عارضة الأحوذي " .

الشيخ : " عارضة الأحوذي " ، وصاحب " العواصم من القواصم " ، وصاحب التفسير للقرآن إلى آخره ؛ هذا رجل من كبار علماء المالكية ومن أهل السنة ؛ بعيد جدًّا أن يقول هذا الكلام ؛ لأن الإمام مسلم روى في " صحيحه " عن أنس بن مالك أن رجلًا جاء إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فقال : يا رسول الله ، أين أبي ؟ قال : ( في النار ) ، فأدبَرَ الرجل طبعًا وهو حزين ، فأعادَه فقال له - عليه الصلاة والسلام - من باب مواساة له : ( إن أبي وأباك في النار ) . فإذًا مسلم روى هذا الحديث ، وقد رواه الإمام مسلم فعلًا ، هل يُقال : مسلم يقول عنه ابن العربي : ملعون ؟! هذا ما بيحصل إلا من إنسان مجنون .

ثم روى الإمام البخاري تعليقًا والإمام مسلم موصولًا بإسناده الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( زار قبر أمه في سَفْرة له ، فبكى وأبكى مَن حوله ، فقال عمر - في بعض الروايات - : ما أبكاك يا رسول الله ؟ قال : إني استأذنتُ ربي في أن أزورَ قبر أمي فأَذِنَ لي ، وإني استأذنتُه في أن أستغفِرَ لها فلم يأذَنْ لي ) ، فَمَن آمن بهذه الأحاديث الصحيحة في مقدمة الأئمة الفقهاء أبو حنيفة ، في مقدمة الأئمة المحدثين البخاري ومسلم ، مَن آمن بهذه الأحاديث وأبو بكر بن العربي يعلم مثلنا تمامًا هذه الحقيقة ؛ أيُتصوَّر أن يقول أبو بكر بن العربي : ملعون من قال ذلك ، والقائل لا يقول إلا بما قاله الرسول - عليه السلام - تمامًا ؟! بل لو عكس قائلٌ ما الدعوى فقال : مَن قال بخلاف قول الرسول فهو ملعون ؛ لَكان أقرب إلى الصواب ، ومع ذلك فأعني ما أقول لما قلت كان أقرب إلى الصواب ، وما قلت : كان هو الصواب ؛ ذلك لأن هؤلاء الذين يذهبون إلى مثل هذا الحديث الذي نقله الغاوجي عن " مستدرك الحاكم " شُبِّه لهم الأمر لا يتقصَّدون ضرب أحاديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - في الصميم ، وإنما شُبِّه لهم الأمر ؛ ولذلك فنحن لا نقابلهم بالمثل ؛ لا نقول : هؤلاء الذين يخالفون أحاديث الرسول الصحيحة هم ملعونون ويتمسَّكون بأحاديث ضعيفة وموضوعة .

أما الاحتجاج بآية : (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )) ؛ فهذا احتجاج صحيح في غير محله ؛ لأن الأسلوب الذي سلكوا فيه في الحكم بنجاة الأبوين يفتح لملايين المسلمين اليوم أن يحتجوا يوم القيامة بهذه الآية الكريمة ؛ أنُّو نحن ما جاءنا رسول ، أجاءكم الرسول ؟ أنتم جاءكم الرسول ؟ إذًا كلكم ناجين ؛ لأنُّو ما جاءكم الرسول ، سيقول هؤلاء أنفسهم : لا ، المقصود ما جاءهم من رسول يعني دعوة الرسول ، هذا الجواب صحيح ، فَمِن أين لهؤلاء الناس أن دعوة التوحيد ما جاءت إلى العرب قبل بعثة الرسول - عليه السلام - ، فَمِن هنا يجب أن نعرف (( لِتُنْذِرَ [ قَوْمًا ] مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ )) ؛ يجب أن نفهم هذا على ضوء الآية السابقة : (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )) ، النذير قد يأتي الناس مباشرةً كالرسول مع الصحابة ، وقد يأتيهم بطريق الدعوة لا بشخصه كأمثالنا نحن ، فالآية : (( مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ )) لا تنفي عدم وصول الدعوة ، وإنما تنفي وصول النذير مباشرةً ؛ ولذلك فالقوم الذين يُعتبرون من أهل الفترة ليسوا هم الذين لم يأتِهم رسول مباشرةً ، وإنما الذين لم تبلُغْهم دعوة الرسول ، وإلا فنحن من أهل الفترة ؛ لأنُّو بالرغم من أن دعوة الرسول جاءتنا لكن الرسول شخصه ما جاءنا ، والرسول - عليه السلام - حينما يقول في الحديث الأول : ( إنَّ أبي وأباك في النار ) كيف يحكم لهذا وذاك بأنه من أهل النار ، والدعوة أنه من أهل الفترة ما بلغتهم دعوة الرسول ؟! هذا مستحيل .

وقول الرسول : ( واستأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يأذَنْ لي ) لماذا ؟ لأن الكفار لا يجوز الاستغفار لهم كما قال - تعالى - : (( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ )) ، وقبل نزول هذه الآية كان الصحابة يستغفرون لآبائهم المشركين ، فنزلت هذه الآية فانتهوا ، وبيَّنَ لهم سبب استغفار إبراهيم لأبيه سابقًا .

الخلاصة : هذه المسألة في الواقع مسألة حسَّاسة ، ولا تُثار إلا جوابًا عن سؤال ، لكن يجب أن نعرف شيئين اثنين :

أوَّلًا : هل يتأذَّى الرسول - عليه الصلاة والسلام - بتبليغ الناس ما تحدَّث به هو إلى الناس ؟ طبعًا لا ، تُرى عمُّ الرسول أبو طالب هو الذي حدثنا - عليه الصلاة والسلام - بأنه لما جاء إلى عمه أبي طالب وهو في حشرجة الموت قال له : ( قُلْ كلمةً أحاجُّ لك بها عند الله - عز وجل - ، قل : لا إله إلا الله ) . قال : لولا أن تعيرني بها قومي لَأقررت بها عينك . فهو الذي أخبرنا بأنه بمناسبة وفاة عمه أبي طالب هذا على الكفر أنزل الله عليه : (( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )) . تُرى نحن إذا تلونا هذه الآية ، وذكرنا مناسبة نزولها السابقة ؛ هل نؤذي رسول الله ؟ هل إنسان عاقل مؤمن يقول في روايتنا لهذا إيذاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ نعم ، إن كان من أولئك الجنس الذين يستنكرون قراءة سورة تبَّت فيمكن أن يذهب عقله ومذهبه إلى أنه لا يجوز أن نروي هذا الحديث وهذه الآية ؛ لأنُّو سورة تبَّت قال : هذه واحد رأى منام أن الله - عز وجل - يسقي أبا لهب من إيش ؟ من مكان صغير جدًّا نسيت القصة هي رؤية على كل حال ؛ لماذا ؟ قال : لأنُّو مولاة أبي لهب .

نعم ؟

عيد عباسي : ثُوَيبة .

الشيخ : ثُوَيبة فرحت . شو ساوت ؟

عيد عباسي : فرحت وأرضعت الرسول - عليه السلام - فأعتقته ، وبشَّرته بولادته فأعتقها .

الشيخ : فأعتقها أبو لهب ؛ لأنُّو مو عارف أنُّو هذا ابن الأخ ح يكون هو أشد أعداء له ، مع ذلك فهو في النار يُسقى من ماء !

هذه الخرافات هذه السخافات تحمل الناس إلى تصوير الشريعة حتى في القرآن ، فتبَّت لا يحسن قراءتها لأنُّو فيه إيذاء للرسول بذمِّ إيش ؟ عمه . لِكْ الله أنزل السورة هذه من أجل ماذا ؟! إذا وصل عقل الإنسان إلى هذا الانحراف الخطير فيتسلسل فيقول : لا يجوز أن نقول أنُّو روى مسلم في " صحيحه " عن الرسول - عليه السلام - أنه قال النبي : ( إن أبي وأباك في النار ) ، وروى البخاري ومسلم قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إني استأذنتُ ربي في أن أزور قبر أمي فأَذِنَ لي ، واستأذنتُه في أن أستغفر لها فلم يأذَنْ لي ) .

إذًا يجب أن نقطع بأن الرسول - عليه السلام - لا يؤذيه مطلقًا أن يروي المسلم ما تحدث به الرسول - عليه السلام - وهو قطعًا غير قاصد إيذاء الرسول - عليه السلام - بذلك الحديث .

الشيء الثاني ... .

مواضيع متعلقة