ما حكم بيع التقسيط مع بيان للحيل المُحرَّمة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم بيع التقسيط مع بيان للحيل المُحرَّمة ؟
A-
A=
A+
السائل : أنا بحاجة إلى سيارة ... ولكن أنت تدفع لي أربعين بالتقسيط ، هو وعدني واشترى السيارة ... ثم باعها لي ... فحكم يا شيخ ؟

الشيخ : دورة لفة ؛ عرفت ؟ صلى الله على محمد ، قال - عليه الصلاة والسلام - : ( لعن الله اليهود حُرِّمت عليهم الشحوم فجَمَلُوها ، ثم باعوها وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرَّم أكل شيء حرَّم ثمنه ) ، ربنا - عز وجل - كما يُشير هذا الحديث حرَّم على اليهود شحوم الحيوانات الذبيحة الحلال ، وأشار في القرآن إلى شيء من هذا حينما قال - عز وجل - : (( فبظلمٍ من الذين هادوا حرَّمنا عليهم طيبات أحلَّت لهم )) ، فلم يصبر اليهود على حكم الله هذا ، فماذا فعلوا ؟ أخذوا الشحوم وذوَّبها بالحلل الضخمة الكبيرة الأوعية ، وأوقدوا النار تحتها ، فأخذت شكلًا غير الشكل الطبيعي ، وبظنِّهم أو بوسوسة الشيطان لهم أن الشحم الآن خرج عن كونه شحمًا محرمًا ؛ لأنه أخذ شكلًا آخر ، فلُعِنُوا بهذا السبب كما لعنوا باحتيالهم يوم السبت ، فقال - عليه الصلاة والسلام - تأديبًا لنا نحن - معشر المسلمين - ألَّا نقع فيما احتال فيه اليهود ، واستحلوا ما حرَّم الله بأدنى الحيل ؛ ( لعن الله اليهود حُرِّمت عليهم الشحوم فجَمَلُوها - أي : ذووبها - ، وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرَّم أكل شيء حرَّم ثمنه ) .

والإسلام من كماله وتمام نعمة الله على المتمسِّكين به أنه لا يهتمُّ بالشكليات ، وإنما يهتمُّ بالمقاصد والآثار ، ولعلكم جميعًا تذكرون معي قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( لعن الله المحلِّل والمحلَّل له ) ؛ لماذا ؟ لأنه استغلَّ ظواهر الشريعة التي تُبيح النكاح وهو لا يقصد النكاح ، فقال : ( لعن الله المحلِّل والمحلَّل له ) ، مع أن بعض العلماء أباحوا نكاح التحليل رغم هذا اللَّعن الشديد على المحلِّل والمحلَّل له ؛ لماذا ؟ لأنهم نظروا للشكل ؛ فوليُّ المرأة موافق ، والشهود شهدوا ، وكلٌّ من المحلِّل والزوجة المطلقة بالثلاثة هي - أيضًا - وافقت ، ولكنهم جميعًا يعلمون أن المقصود من هذا النكاح ليس هو النكاح الذي أشار الله - عز وجل - إليه بقوله : وخلق منها زوجها ليسكن إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ، فالرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما لعن المحلِّل والمحلَّل له لم ينظر إلى الشكل ، وإنما نظر إلى القصد ، ما هو القصد ؟ تحليل المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول ، ففيه احتيال على حكم الله - عز وجل - الذي قال : (( فإن طلَّقها من بعد فلا تحلُّ له حتى تنكح زوجًا غيره )) .

(( حتى تنكح زوجها غيره )) كما نكحت الزوج الأول ؛ يعني ليسكن إليها ، لكن لما كان هذا النكاح لأجل تحليل ما حرَّم الله - عز وجل - أبطله الرسول - عليه الصلاة والسلام - إبطالًا باتًّا ، ولعن المتعاونين على ذلك فقال : ( لعن الله المحلِّل والمحلَّل له ) ، وتمَّ في بعض الأحاديث الطريفة المحلِّل بـ ( التيس المستعار ) ، تيس مستعار ؛ لأنه ليس زوجًا ، فنحن من هذا الحديث وأمثاله نعلم أن الاحتيال على أحكام الله - عز وجل - محرَّم ؛ لأنه من شِيَمِ اليهود ، ومن أعمال اليهود ، وقد نهى - عليه الصلاة والسلام - عن الاستنان بهم نهيًا عامًّا ، فقال - عليه السلام - في حديث البخاري : ( لتتبعنَّ سنن من قبلكم ؛ شبرًا بشبرٍ ، وذراعًا بذراع ؛ حتى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لَدخلتموه ) ، فهذه الصورة التي أنت سألتَ عنها لا تُشكل على إنسان أبدًا أن المقصود بها استحلال ما حرَّم الله - عز وجل - من الربا ؛ لأن كل إنسان يعلم أن هذا الذي هو بحاجة إلى سيارة ثمنها نقدًا بثلاثين ألف لو جاء إلى غنيٍّ وقال له : أقرِضْني ثلاثين ألف لأشتري هذه السيارة ؛ فقال له : أقرضك ثلاثين ألف ، لكن بشرط أن توفِّيَها إياي بعد سنة أربعين ألف ؛ لا يشك إنسان بأنُّو هذا ربا ، طيب ؛ لكن الآن الصورة تتغير كما قلت أنت آنفًا ، هذا الغنيُّ يقول لك أنت روح خذ السيارة وأنا أدفع ثمنها ، وتعطيني أنت الثمن أربعين ألف ؛ إيش الفرق بين هذا وهذا ؟ لا فرق أبدًا سوى اللف والدوران والاحتيال على ما حرَّم الله .

بل نحن نقول : لو أن صاحب الشركة قال لك هذه السيارة نقدًا بثلاثين ألف ، وبالتقسيط أربعين ألف ، وأخذ منك أربعين ألفًا ، فالعشرة آلاف ربا بالنسبة إليه ، فبالأولى وأحرى بالنسبة للصورة التي أنت ذكرتها ، ثم أنا دندنتُ حولها ، وهذه من المشاكل التي تقع في العصر الحاضر بناءً على فتاوى لبعض العلماء قديمًا وحديثًا يعتمدون على نصوص عامة ؛ (( وأحل الله البيع وحرم الربا )) ، صدق الله (( أحل الله البيع )) ، لكن هناك بيوع نهى الشارع الحكيم عنها ، فيجب أن نقفَ عند نهيه عنها ، من ذلك نهى عن بَيعتَين في بيعة ، وقد فسَّر رواي الحديث هذا النهي وهو سماك بن حرب كما في " مسند الإمام أحمد " : " قيل : لسماك ما نهى عن بيعتين في بيعة ؟ قال : أن تقول : أبيعك هذا بكذا نقدًا وبكذا وكذا نسيئة " ، فزاد مقابل النسيئة ولو فلسًا ، ولو درهمًا ؛ فهذه الزيادة باطلة أبطلها الرسول - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الآخر وهو بلفظ : ( من باع بيعتَين في بيعة فله أوكسَهُما أو الربا ) ، فالزيادة ربا ، صرَّح بها الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ولذلك هذه المعاملة التي يتعامل بها كثير من الكفَّار الذين وَصَفَهم ربُّ العالمين في القرآن بأنهم لا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله ، فأخذنا نحن هذه المعاملة دون أن نفكِّر هل هي تتوافق مع الأخلاق الإسلامية بعامَّة وهل تتفق مع بعض النصوص من الأحاديث النبوية بخاصَّة ؟

الإسلام يحضُّ المسلمين على أن يتعاونوا على الخير ، ويحضُّهم بصورة خاصَّة على القرض الحسن ؛ حتى جعل قرض درهمين يساوي صدقة درهم ، قرض دينارين يساوي صدقة دينار ، قرض مئتي دينار يساوي كما لو تصدَّقت بمئة دينار ، فالتجار المسلمون اليوم لو كانوا واقفين عند الأحكام الشرعية من جهة ، وكانوا عارفين أو مؤمنين حقًّا بمثل قوله - تعالى - : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) لَكانَ كسبُهم الأخروي وكسبهم الدنيوي أكثر من أولئك الذين لا يتَّقون الله - عز وجل - ، الذين يستحلُّون الربا ببيع التقسيط ، نحن لو أخذنا .

سائل آخر : السلام عليكم .

الشيخ : - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - ، لو أخذنا هذه المعاملة بالميزان الاقتصادي ، فذكرنا رجلين تاجرين كبيرين ؛ أحدهما يبيع بالسعر النَّقد لا يزيد عليه قرشًا ولو باع بتقسيط ، والآخر يبيع بسعرين ؛ سعر التقسيط أكثر من سعر النقد ؛ ترى ماذا يحكم أهل الاقتصاد - الآن بغضِّ النظر عن الشرع ؛ لننظر أن العاقبة للمتقين - ؛ ماذا يقول أهل الاقتصاد ؟ أيُّ الرجلين يكون أربح من حيث المادة ؟ آلذي يبيع بسعر واحد هو سعر النقد أم الذي يبيع بسعر النَّقد وسعر التقسيط زائد على سعر النَّقد ؟ من الناحية الاقتصادية أيُّهما أربح ؟ ماذا تقولون ؟

السائل : ... لأنه يتقاضى ثمن بضاعته ... .

الشيخ : والزبائن تكثر ، إذًا إذا كان هذا هو شأن مَن يبيع بسعر النقد أنفع له في الآجلة - في العاجلة عفوًا - ، أما الآجلة فهو أوضح كما قلنا آنفًا ؛ فما الذي يحمل المسلمين على أن يقلِّدوا الغربيين في هذا البيع ؟ هو الجشع القائم على غير إعمال الفكر وإعمال العلم ، فهو يتوهَّم أن بهذه الزيادة التي يزيدها هي أربح له من أن يقتصرَ على سعر النقد ، بينما الحقيقة العكس هو الواقع ، ولكن الأمر يحتاج إلى شيء من الصبر والأناة حتى يشتهر هذا الإنسان بأنه يبيع فعلًا بسعر واحد وهو سعر النقد ، وأقول بسعر واحد وفعلًا سعر النقد ؛ لأنُّو بعض الناس - مع الأسف - بلغنا في بعض البلاد العربية أنهم احتالوا - أيضًا - ؛ فسمعوا أن بيع شيء واحد بسعرين هذا نهى عنه الرسول - عليه السلام - ؛ فماذا فعل ؟ جعل السعر واحدًا ، لكن هو سعر إيش ؟ الزيادة ، سعر التقسيط ؛ بمعنى إذا فرضنا مثل هذا التاجر كان له زبائن ، نصفهم يشترون عنده بالتقسيط ، ونصفهم يشترون منه بالنقد ؛ فهو كان يظلم نصف زبائنه ، أما الآن فيظلم الزبائن كلهم ؛ لأنه وحَّد السعر ، ليس هذا هو المقصود ، المقصود توحيد السعر على أساس سعر النقد ؛ وحينئذٍ يظهر لكم الفائدة الآجلة التي أشرنا إليها آنفًا ؛ لأنُّو هذا الرجل الذي يبيع بسعر واحد فهو كما لو أقرضَ ذاك الإنسان قرضًا حسنًا ؛ كم مثلًا ؟ قلنا نحن في المثال السابق : نقدًا ثلاثين وتقسيطًا بأربعين ، كأنه نص العشرة خمسة آلاف ؛ كأنه أقرضه كأنه تصدق بخمسة آلاف ؛ لأنه أقرضه عشرين ، عشرة فنصف الخمسة ، فالتاجر الآن كما يقولون عندنا في بلاد الشام : لو اتَّقى الله - عز وجل - وباع بسعر واحد هو سعر النقد ؛ فهو كالمنشار على الطالع والنازل يأكل أجرًا عاجلًا وأجرًا آجلًا ، لكن القضية تحتاج إلى شيء من التقوى ومن الصبر والأناة .

أنا أضرب لكم مثلًا بشخصي ، وأنا رجل - والحمد لله - كنت مستورًا - ولا أزال - ، كنتُ ساعاتيًّا أصلح الساعات ، أبيع بسعر واحد - سعر النقد - ، ومع ذلك ففي حدود رأس مالي كنت أصبر لما أبيع الوحدة من الساعات أروح أشتري بديلها ، أقنع بالرغم بالنقد ، إذا وثقت بالشاري بالدين بعتُه فربحت ولو بعد لَأْيٍ ، فالذي سأربحه نقدًا وأُثِبْتُ أجرًا من الله - عز وجل - لما ذكرنا بأن الذي يقرض قرضًا حسنًا يكون له كما لو تصدَّق بنصف ذلك ، هذا جاء في أحاديث صحيحة ، والحمد لله ربنا ما أحوجنا إلى إنسان إطلاقًا ، وكنا بفضل الله الزبائن يتواردون علينا بحيث في شهر رمضان حيث الناس يحتاجون إلى الساعات أضع الساعات أمامي صفًّا ، فيأتي الرجل أقول : ما عندي استطاعة أن أصلِّح الساعة ؛ لماذا ؟ انظر هذه الساعات ثلاثين ساعة أربعين ساعة ، كل واحد آخذ موعد ، فيستغني عن أن يأخذ الساعة إلى ساعاتي آخر ولو قلت له : تعال بعد رمضان ، بعد رمضان ؛ مع أنه هو بحاجة إلى الساعة في رمضان ، لكن الثقة في المعاملة - هنا الشاهد - يجعل الناس يتوافدون إلى هذا الصادق في المعاملة مع الناس ، لكن الجشع هو الذي ضرَّ وما نفع .

فالشاهد أن بيع التقسيط من التجار أنا أنصحهم دينًا ودنيا أن يعدلوا عنه ، إذا كان وضع في ميزانية التجارة خاصَّته أن يربح - مثلًا - بالمئة عشرة ، بالمئة خمسة عشر ، بالمائة عشرين ؛ هذا يختلف من نوع التجارة ؛ في أشياء تُباع بكثرة ، في أشياء تُباع بقلَّة ؛ فالمهم إذا وضع في ميزانيَّته أن يربح في المائة - مثلًا - عشرة ؛ فليَبِعْ بنصف المائة عشرة سواء بالنقد أو بالتقسيط ؛ ذلك خير له وأبقى .

تفضل .

السائل : عندي له دار وعرضها للإيجار .

الشيخ : كيف ؟

السائل : عندي له دار .

الشيخ : دار .

السائل : عرضها للإيجار ، فجاءه المؤجِّر وقال له : أؤجِّرك منك شهر ، قال بالسنة أؤجِّرك إياها أؤجرها إياك بثمانية عشرة ألف ريال ، وإذا أردتها بالشهر ألف وخمسمائة .

الشيخ : نعم .

السائل : عفوًا بالسنة باثني عشرة ألف وبالشهر ألف وخمسمائة ، يعني تطلع ثمانية عشرة ألف ، ثم اتَّفقا على سنة ، ففي نصف العام طلب الذي استأجر الدار أن يخرج من الدار أن يخلو الدار ، وبينهما عقد ألَّا يخليها إلا بعد عام ، وقد دفع مبلغ نصف ... ، فقال له المالك : إذا أردت الخروج إما أن تدفع باقي الثمن وإلا - باقي الأجرة كاملة - وهذا ما اتفقنا عليه ، وبعد ... قال له : ادفَعْ لي إذًا تبقى شهرين تدفع لي عن كل شهر ألف وخمسمائة ؛ هل يعتبر هذا نوع ربا ؟

الشيخ : لا ، ما دام كان الاتفاق على أحد الوجهين ، ثم اختار هو الوجه السنوي ، ثم عرض له ألَّا يتم الانتفاع بالمأجور ؛ فحينئذٍ يرجع الأمر إلى الاتفاق الأول ؛ فلا شيء فيه .

تفضل .
  • فتاوى جدة - شريط : 28
  • توقيت الفهرسة : 00:19:44
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة