مسألة البيع بالتقسيط وبيان أنه من الحيل المذمومة شرعًا ، وعلاقة هذا البيع بالربا . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
مسألة البيع بالتقسيط وبيان أنه من الحيل المذمومة شرعًا ، وعلاقة هذا البيع بالربا .
A-
A=
A+
الشيخ : الآن من هذه الحيل التي أصبحت أمرًا طبيعيًّا حتى لو أنكَرَه منكر لَأُنكِرَ عليه ؛ وهو يُسمَّى اليوم ببيع التقسيط ، وهو دعامة قوية جدًّا للَّف والدوران السابق الذكر ، إذا ذهبت أنا الآن إلى التاجر ، وأريد أن أشتريَ برَّادًا أو سيارة ، فأنا أسوم هذه البضاعة على سعرين ؛ سعر النقد وسعر التقسيط ، وهو كذلك يبيعه ؛ فقد أشتري بسعر التقسيط زيادة عن سعر النقد ؛ لأنُّو ما عندي مال ، هذا يُجيزه كثير من علماء المسلمين اليوم ... على هذه الفتوى ما ذكرتُه لكم عن البنك الإسلامي ، فبدل ما يأخذ التاجر هذه الزيادة مقابل بيع التقسيط خلي البنك الإسلامي زعموا ماله بهذه الطريقة ، فهالألفين بدل ما يأخذهم التاجر راح يأخذهم البنك ، إذًا هو ح يتوسَّع ماله بطريق التجارة زعموا ، (( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا )) ، وهذا البيع بزعمهم هو ليس بالربا .

قام هذا على استحلال بيع التقسيط ؛ فما حقيقة هذا البيع ؟ أجائز هو ؟ أقول : جائز وغير جائز ، ولا غرابة ؛ لأنُّو مَن قال بأنه جائز فهو رأي إسلامي ، ومَن قال بأنه غير جائز فهو رأي إسلامي على قول مَن أشرنا إليه ؛ فأنت خُذْ وما يحلو لك ، إن ناسَبَك التحريم قلت بالتحريم ، وإن قلت ، وإن ناسبك التحليل قلت بالتحليل ، وكله رأي إسلامي !! أما الإسلام فقد سمعتم اليوم في ... قول الله - عز وجل - : (( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا )) ؛ أيُّ اختلاف أشد من وصف شيء واحد بوصفين متناقضين ؛ كأن تصف الآن الوقت نهار وليل ، أحدهما يقول : نهار ؛ لأنه يرى ضوء النهار ... ، آخر يقول : لا ، الآن ليل ؛ لأنه لا ... هذا صواب وهذا صواب ضدان لا يجتمعان !! هذا اللاصق أبيض وآخر يقول : أسود ، كلاهما صواب ! هذا معناه خروج عن العقل ، وشرٌّ من هذا خروج عن الشرع حينما تصف قضية معيَّنة بوصفين متناقضين ، حلال حرام ، ثم أنت ... ، فما حقيقة بيع التقسيط ... بالنَّصِّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟

أذكر لكم الآن حديثين اثنين ، ولكم بعد ذلك أن تختاروا ما شئتم من الرَّأيين المسمَّيَين برأي إسلامي زعموا ، روى الإمام أحمد بإسناده ، إسناد قوي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن صفقتَين في صفقة " ، وفي رواية : " عن بيعتَين في بيعة " . قيل لراوي الحديث وهو سماك بن حرب : " ما بيعتَين في بيعة ؟ قال : أن تقول : أبيعك هذا بكذا نقدًا ، وبكذا وكذا نسيئةً " ؛ فهذا هو بيع التقسيط ، " أبيعك هذا بكذا نقدًا " ؛ بدرهم نقدًا ، " وكذا وكذا نسيئةً " ، بدرهم وفلس مثلًا ، هذا هو بيع التقسيط تمامًا .

الحديث الآخر يرويه أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه " ، وعنه الإمام أبو داود في " سننه " بإسناد جيد من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( مَن باع بيعتَين في بيعة ؛ فله أوكَسُهما أو الربا ) ، الوكس هو النقص وزنًا ومعنى ، ( مَن باع بيعتَين في بيعة فله أوكَسُهما ) ؛ أي : مَن باع بيعتين في بيعة بثمنين مختلفين فيستحقُّ الثمن الأقل ، أو إذا أخذ الأكثر فهو ربا ، ( مَن باع بيعتَين في بيعة فلهما أوكَسُهما ) أي : أقل الثمنين ... وإلا فالربا .

هذا الربا سمَّاه الرسول - عليه السلام - ، كثير من الناس لا يُسمُّونه كذلك ، وإنما يقولون : هذا بيع ، وكلٌّ من الشاري بالتقسيط والبائع راضٍ ، فجعلوا ذلك مبرِّرًا لاستباحة هذا الرأي ، لهم اجتهادهم ، لكن قد قالوا قديمًا : " إذا وَرَدَ الأثر بطلَ النظر " ، " وإذا جاء نهرُ الله بطلَ نهرُ معْقِل " فإذا جاء الحديث عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - فكما يقول علماء الأصول : " لا اجتهاد في مورد النَّصِّ " .

بيع التقسيط اتُّخِذ وسيلةً لتغذية خزينة البنك الإسلامي هناك في " أبو ظبي " كما حدَّثني مَن أشرت إليه هناك في " لندن " ، وكان معي أحد إخواننا المصريين السعوديين ، وهو على معرفة برئيس البنك هناك المسؤول ، فكتبنا فورًا تحذيرًا من هذه المعاملة ، ولَفَتْنا نظره أنكم ما دمتم تريدون أن تُقيموا بنكًا إسلاميًّا حقًّا ، فهذه المعاملة يجب أن تبتعدوا عنها ؛ لقول الرسول كذا ، وقوله كذا وكذا إلى آخره .

فهذه صورة مما يُحتال ... باسم بيع التقسيط وأنه جائز ، فأقول : لولا أن .

فهذه صورة مما يُحتال ... باسم بيع التقسيط وأنه جائز ، فأقول : لولا أن القائم على هذا البنك سَمِعَ فتوى بجواز بيع التقسيط لَمَا استباح تلك العملية ، أنُّو هو بينزل وسيط بين الشاري والتاجر ، فبدل أن يأخذ التاجر تلك الزيادة يأخذها البنك ، أخذ بذلك فتوى ... لكن هذه الفتوى قامت على عدم الالتفات إطلاقًا إلى حديث ابن مسعود الأول ، وإلى حديث أبي هريرة الآخر ؛ فهذه مسألة تحتمل ... لأنه قد يخطر في بال مَن قد يكون متفقِّهًا ببعض المذاهب ، بعض الإشكالات - أيضًا - يُجاب عليها ، ولكن نحن بصددها إلا أني أهتَبِلُها فرصةً ، فأقول : إن بيع التقسيط قد كان سببًا ولا يزال حتى اليوم لإيقاع المسلمين في صورة من المبايعات الأخرى المحرَّمة ، وليس قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد في سبيل الله ؛ سلَّطَ الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، الله أكبر ! هذا الحديث وكأنما هو وحي الساعة ، ( سلَّطَ الله عليكم ذلًّا ) ، أذلُّ الناس استعبدونا واحتلوا بعض بلادنا المقدسة ، أيُّ ذلٍّ أكبر من هذا ؟ هذا الذُّل من الله (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )) ، (( ذَلِكَ بِمَا )) "" كسبت "" أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ )) ، ( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتُم بالزرع ، وتركتم الجهاد في سبيل الله ؛ سلَّطَ الله عليكم ذلًّا لا ينزِعُه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، ما هو بيع العينة ؟

العينة مشتقَّة من لفظة العَين ، والعَين له معان كثيرة كما هو معروف لديكم ، من معانيها الذات ، عين الشيء ذات الشيء نفس الشيء ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أطلق هذا الاسم على معاملة معيَّنة ، وسمَّاها بيع العينة ، ذلك هو بيع التقسيط الذي ذكرناه آنفًا زايد بعد أن يشتري الشاري الحاجة بثمن الزايد تقسيطًا زائد هذا الثمن على بيع النقد ، يعود هذا الشاري وقد سُدِّد عليه - مثلًا - عشرين ألف زايد ألفين ، اثنين وعشرين ألف عليه إن صحَّ ببيع ... مثلًا ، يعود الشاري للسيارة بائعًا والبائع لها شاريًا ، فيقول للشاري للسيارة وهي بعد لم تتحرَّك من أرضها : هل تشتري منِّي يا فلان هذه السيارة نقدًا ؟ فيتفاوضان عليها ، فيشتريها التاجر منه بمثلًا ثمانية عشر ألف ... وضع ثمن النقد فيها لا بد أن يكون رأس مال أقل من ذلك ؛ فهو راح يشتري منه بأقل من رأس المال ؛ يعني بدل ما يشتريها منه راح يشتريها من المعمل مثلًا ، الخلاصة فيتفقان - مثلًا - على سعر هو ثمانية عشر ألف ، فينقد التاجر ثمانية عشر ألف بيد هذا الرجل التاجر زعم وينطلق وقد سُجِّل عليه عشرين ألف وزايد ... ألفين ... الربا هو أربعة آلاف ، يمكن أكثر مرابي من اليهود في الدنيا ما يحصل على مثل هذا الذي يُسمُّونه بالفائدة من مثل هذه ... هذا زعموا أنه حلال ؛ ليه ؟ يا أخي ، (( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا )) !! لكن (( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ )) البيع المشروع .

هناك بيوع نهى عنها الرسول - عليه السلام - ؛ مثلًا : " نهى عن بيع الغَرَر " ، فهو ... لا يعلم بأن الناس يتبايعون ، لكن المهم أن نعرف حكم الإسلام فيه ؛ أهو حلال أم حرام ؟ " نهى عن بيع الغرر " ؛ إذًا لا يجوز بيع الغرر ، كذلك نهى عن بيع التقسيط كما علمتم ، كذلك نهى عن بيع العينة ، وجَعَلَه سببًا من أسباب تسليط الله - عز وجل - الذُّلَّ على هؤلاء الذين يستحلُّون العينة بيع العينة ويستحلُّون التكالب على الدنيا الذي نهى عليه بقوله - عليه السلام - : ( وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ) ورَكَنْتُم إلى الدنيا ، وكان من آثار ذلك أن تركتم الجهاد في سبيل الله ؛ فما عاقبة ذلك ؟ ( سلَّطَ الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ؛ إذًا البنك الإسلامي إذا قام على الفقه الإسلامي الصحيح القائم على الكتاب والسنة فهو أمر واجب تحقيقه ؛ لأنه وسيلة لتخليص المسلمين من التعامل بالبنوك التي لا تحلِّل ولا تحرِّم .

مواضيع متعلقة