شرح حديث : ( إذا تبايَعْتُم بالعينة ، وأخَذْتُم أذناب البقر ، ورضيْتُم بالزرع ، وترَكْتُم الجهاد في سبيل الله ؛ سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح حديث : ( إذا تبايَعْتُم بالعينة ، وأخَذْتُم أذناب البقر ، ورضيْتُم بالزرع ، وترَكْتُم الجهاد في سبيل الله ؛ سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) .
A-
A=
A+
الشيخ : هذا مثال من تلك الأمثلة ، ولعل الحاضرين جميعًا يعلمون ما هو بيع العينة ؛ وهو بيع من البيوع الربوية ، وهو مما ابتُلِيَت به بعض البلاد الإسلامية اليوم ، والرسول - عليه السلام - يقول في صريح هذا الحديث : ( إذا تبايعتم بالعينة سلَّط الله عليكم ذلًّا ) ؛ أي : بسبب مخالفة الله - عز وجل - في بعض ما شرع فذلك مما يُحِقُّ على المخالفين أن يسلِّط الله عليهم ذلًّا . لقد ذكر على سبيل المثال ما يحقِّق مرض المسلمين بيع العينة ، أقول هذا ذكره على سبيل المثال وليس على سبيل التحديد ، وهو مثال لكثير من الأحكام التي يستحلُّها بعضُ الناس بطريق التأويل أو بطريق الاحتيال ، فبيع العينة يسمُّونه بيعًا ، وقد يستدلُّ على ذلك بعضهم بقوله - تعالى - : (( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا )) ، فيقولون : لماذا تمنعون من بيع العينة ، وهذا بيع يشمله نصُّ الآية الكريمة ؟ فنقول : إن الله - عز وجل - قد خاطب نبيَّه - صلى الله عليه وآله وسلم - في جملة ما خاطَبَه به ، فقال : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) ، فالبيع الذي ذُكِرَ في الآية السابقة يجب أن يُؤخذَ بيانه من سنة الرسول - عليه السلام - وأقواله ، وإذ هو قد مَنَعَ بيع العينة فلا يجوز أن نُدخِلَ هذا النوع من البيع في عموم قوله - تعالى - : (( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ )) .

بيع العينة هو صورة من التبايع يلجأ إليها المحتاج إلى استقراض كمِّيَّة من المال وهو يعلم بسبب فساد المجتمع أن المسلمين اليوم ليس بينهم تلك الرابطة القوية الإيمانية التي تحمِلُ بعضهم أن يواسِيَ أخاه الفقير أو المحتاج ، فقد ارتفع اليوم من بين المسلمين القرض الحسن ، القرض لله - عز وجل - ؛ ولذلك وقد عمَّ بلاء الافتنان بحبِّ المال وجمعه حتى الفقراء ، حتى الضعفاء مادِّيًّا ، فيلجؤون إلى استقراض المال بطريق غير مشروع ، من ذلك بيع العينة ، وبيع العينة أن يأتي الرجل المحتاج إلى قرض المال إلى تاجر كبير ، ولنفترض هذا التاجر تاجر سيارات - مثلًا - ، أو تاجر رز ، أو سكر ، أو ما شابه ذلك ؛ فيطلب من التاجر أن يشتري منه سيارة ، ويتَّفقان على سعر التقسيط الذي هو أكثر من سعر النقد ، فيشتري السيارة - مثلًا - بعشرين ألف دينار ، وثمنها نقدًا بسبعة عشر أو ثمانية عشر ألف ، فيُسجَّل عليه في الدفتر في الحساب عشرون ألف ثمن هذه السيارة ، والحقيقة أن الذي جاء لِيشتَرِيَ السيارة ليس له حاجة في السيارة ، هو يريد أن يأخذ مالًا ؛ فكيف يحصل على المال ؟ بعد أن اشترى السيارة بعشرين ألف تقسيطًا يعود هذا الشاري بالبيع لهذه السيارة على البائع على التاجر نفسه ، فيبيعُها منه بأقل ممَّا اشترى ، لكن هو يبيع نقدًا وقد اشترى نسيئةً أي بالتقسيط ، يتفقان - مثلًا - أن يسلِّمَه ثمانية عشر ألف ، فيأخذها وينطلق بها وقد سُجِّل عليه عشرون ألف ؛ هذا هو عين الربا ، ولكن أُدخِلَ البيع كوسيلة لاستحلال ما حرَّم الله - تبارك وتعالى - ، فحَذَّرَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمَّته من هذا البيع الذي فيه الاحتيال على ما حرَّم الله - عز وجل - من الربا .

قلت : وهذا مَثَل ، ولم يذكره الرسول - عليه السلام - على سبيل التحديد ، وإنما على سبيل التمثيل لبعض الأحكام التي يسلكها بعض الناس للاحتيال على أحكام الله - عز وجل - .

مواضيع متعلقة