قد يضطرُّ الإنسان إذا كان في الجهاد أن يقتل نفسه كونه يحمل معلومات ؛ فهل يجوز أن يفجِّرَ نفسه بين الكفار ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
قد يضطرُّ الإنسان إذا كان في الجهاد أن يقتل نفسه كونه يحمل معلومات ؛ فهل يجوز أن يفجِّرَ نفسه بين الكفار ؟
A-
A=
A+
السائل : قد يضطرُّ - أستاذ - الإنسان أثناء الجهاد أن يقتل نفسه !

الشيخ : أعوذ بالله .

السائل : لأنه - مثلًا - يحمل معلومات وكذا ؛ فهل يجوز له أن يفجِّر نفسه - مثلًا - بين الكفار ؟

الشيخ : رقَّعت ! إي نعم .

يجوز له لا بهذه النية ، يجوز للمسلم أن يهجم على جماعة الكفار ولو غلب على ظنِّه أنه يلقى الموت رغم أنفه ما دام أنه لا يذهب رخيصًا ، وإنما يقتل آحادًا إن لم نقل عشرات مقابل شخصه الوحيد ، لكن هذا لا بد أن يُلاحَظَ فيه شيء ، كثير من الناس الذين يقولون اليوم ويفترضون هذا الـ شو بنسميه هذا القتل ؟ الانتحار ، أيضًا هذا كما قلنا بالنسبة للانسحاب من الجهاد ينبغي أن لا يكون شخصيًّا فرديًّا ، وإنما برأي القائد الذي يقاتل تحت أمره ؛ لأن قضية الاستغناء عن شخص من المجاهدين في سبيل الله ولو كان مقابل القضاء على عديد من المشركين هذا أمر لا يُحسن تقدير الربح والخسارة إلا الذي يراقب المعركة ولوازمها ونتائجها ؛ لذلك إذا كان أمير الجيش أمر أحد أفراد الجيش بمثل هذا الانتحار فلا بأس من وراء ذلك ، بل هو الذي باع نفسه رخيصةً في سبيل الله - تبارك وتعالى - .

لكن ينبغي أن لا نكون من الذين يحتالون على حرمات الله بأدنى الحيل ، فنحن نسمع في هذه الأيام مثل هذا السؤال بدون هذا الترقيع ، والظاهر أن هذا الترقيع نتيجة الفتاوى التي قد يسمعونها ؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يقتل نفسه لأنه يحمل في صدره أسرارًا حربيَّة خطيرة ؛ فهو يخشى بأنه إذا وقع تحت يد الكفار أن يعذِّبوه عذابًا شديدًا مريرًا ، فربما اضطُرَّ إلى أن يبيح بالأسرار ، سمعوا جواب - ربما أقول ، والله أعلم - بأنه لا يجوز مثل هذا الانتحار فلفُّوا وداروا ووجدوا مخرجًا أنُّو يفجر حاله بقى بين هذا العدو ، ويقتل مقابل قتله لنفسه العديد منهم ؛ نحن نقول - والحقيقة مرَّة - :

إن الأفراد من المسلمين الذين يفكِّرون سلفًا بالهزيمة بهذا الأسلوب ؛ وهو أن يقتل نفسه خشيةَ أن لا يصبر على العذاب ؛ هذا معناه أنه ليس مؤمنًا قوي الإيمان ، نحن نقرأ في القرآن الكريم قول ربِّ العالمين (( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )) ، لا ، لا يظن هذا الظَّنَّ ، (( وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )) ، يقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - في تفسير هذه الآية : ( لقد كان الرجل ممَّن كان قبلكم يُؤخذ فيُوضع المنشار على مفرق رأسه لِيُنشر ، فيصبح فلقتَين على الأرض ليرتدَّ عن دينه فلا يفعل ؛ حتى يقع على الأرض ) . قال - عليه السلام - هذا حينما شكا إليه بعض أصحابه ، ويبدو أنه كان حديث عهد بالإسلام ، وهذه أو هذا طبيعة الضعف البشري أنُّو عم يلاقوا من العذاب ما شاء الله وهم في مكة ، فقال - عليه السلام - قرأ عليهم هذه الآية ، وذكر هذا المثال ممَّا كان يقع فيمن قبلهم ، ثم ختم قوله - عليه السلام - : ( ولكنَّكم تستعجلون ) .

فلا يكون من التربية الإسلامية أن نُشيع بين الشباب المسلم أنه يجوز للمسلم أن ينتحرَ إذا ما خَشِيَ أن يقع في يدي العدو وفي نفسه أسرار خطيرة ، وإنما يجب أن يربّوا على الصبر ، وأنهم مهما عُذِّبوا كما عُذِّب الذين من قبلنا على أن يرتدوا عن دينهم فلم يفعلوا حتى وقع على الأرض كالقتيل ؛ علمًا بأن هناك رخصة في أن ينطقَ المسلم بكلمة الكفر خشية العذاب ، وهذا لا يترتَّب منه أيُّ ضرر ، ومن هنا فرَّقنا نحن بين أن يكذب الإنسان بشيء ليس بضروري ، وبين أن يكذب لأمر ضروري كتحصيل الفرض العيني كما قلنا آنفًا .

فنحن نعرف من السيرة الفرق الواضح البيِّن بين رجلين من كبار أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهما بلال الحبشي وعدي بن حاتم الطائي ، فالرجل الأول صبر تحت العذاب الأليم كما تعلمون حتى أنجاه الله - عز وجل - بأن اشتراه أبو بكر الصديق من سيده ثم أعتقه لوجه الله - عز وجل - ، وبين عدي بن حاتم حيث عرضوا عليه أن ينالَ من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن يشتمَه حتى يخلوا سبيله ففعل ، وما كاد يشعر بالراحة من العذاب حتى عاد دائنًا لنفسه كيف إنه تطاوعَ معهم على النَّيل والسَّبِّ للنبي - عليه السلام - ، فكان من إخلاصه أن ذهب إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كأنه يتوب مما فعل ، فقال له - عليه السلام - - وإن كان في هذا الحديث شيء من الضعف - : ( كيف تجد نفسك - أو قلبك - ؟ ) . قال : " أجده مطمئنًّا بالإيمان " . فقال - عليه السلام - : ( فإن عادوا فعُدْ ) ؛ إن عادوا إلى تعذيبك العذاب الذي لا تطيقه فعُدْ إلى الخلاص منهم بأن تسبَّني ما دام أن قلبك لا يزال مطمئنًّا بالإيمان ، وفي ذلك نزلت هذه الآية : (( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ )) .

سائل آخر : عمار بن ياسر .

الشيخ : عمار بن ياسر أحسنت ، جزاك الله خير .

فإذًا هناك فرق كبير جدًّا بين إنسان يعذِّبه المشركون فيُخيَّر بين الصبر وهو الأفضل ، وبين أن يتطاوع معهم فيما لا ضررَ في دينه ولا في أمته ، فكيف الآن يتطوَّر الموضوع فتُوجد بعض الأفكار أنه يجوز للمسلم أن ينحرَ نفسه ؟ لا ، إذا كان هو بدو ينحر نفسه خلِّيه يصبر على العذاب حتى يقتله المشركون ، ولا يفشي سرًّا يعلم أن هذا السِّرَّ سيضرُّ بإخوانه المسلمين .

مواضيع متعلقة