مسألة الاستعانة بالكفار. - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
مسألة الاستعانة بالكفار.
A-
A=
A+
أبو ليلى : أعد السؤال شيخا عشان بدي أسجله شيخنا فيه بعض الناس يدعون ويقولون أن فيه أقولا للفقهاء في جواز الاستعانة بالكافر فهل هذا صحيح يوجد أقوال للفقهاء في هذا.
الشيخ : يوجد بشروط هذه الشروط تجعل قضية الاستعانة التي وقعت هباء منثورا أنا خرجت هذا الحديث لفظه ( إنا جئناكم لخير ) يعني اليهود ( إنا أهل الكتاب وأنتم أهل كتاب وإنا لأهل الكتاب على أهل الكتاب النصر وإنه بلغنا أن أبا سفيان قد أقبل إلينا بجمع من الناس فإما قاتلتم معنا وإما أعرتمونا سلاحا ) منكر هذا الحديث منكر أخرجه أبو جعفر الطحاوي في * مشكل الآثار * إلى آخره بسنده ( لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبي سفيان ليخرج إليه يوم أحد فانطلق إلى اليهود الذين كانوا بالنضير فوجد منهم نفرا عند منزلهم فرحبوا به فقال لهم ) فذكره ( جئناكم ) مشان إيش أنتم أهل كتاب ونحن أهل كتاب وعلى أهل الكتاب أن ينصروا أهل الكتاب إلى آخره قلت هذا إسناذ ضعيف وتكلمت بتفصيل لبيان ضعف الحديث قلت هذا إسناد ضعيف إلى آخره وقد ذكر ابن هشام في * السيرة * عن محمد بن إسحاق عن الزهري: ( أن الأنصار يوم أحد قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ فقال: لا حاجة لنا فيهم ) ضد هذاك هذا ضعيف السند مثل هذاك لكن شو قلت أنا وذكر نحوه ابن كثير في * البداية * جزء كذا صفحة كذا ومن قبله ابن القيم في * زاد المعاد *، وهو الموافق لحديث عائشة الصحيح: ( إنا لا نستعين بمشرك أو بالمشركين ) وهو مخرج في * الصحيحة (1101) * كما تقدم قريبا وعليه فإني أقول: إذا تبين لك ضعف حديث الترجمة، وما فيه من عرضه صلى الله عليه وسلم على اليهود أن يقاتلوا معه؛ فلا حاجة حينئذٍ إلى التوفيق بينه وبين حديث عائشة الصحيح كما فعل الطحاوي حين قال: " لأن اليهود الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتال أبي سفيان معه؛ ليسوا من المشركين الذين قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الآثار الأُوَل: ( فإنه لا يستعين بهم ) ؛ أولئك عبدة الأوثان، وهؤلاء أهل الكتاب الذين قد ذكرنا مباينة ما هم عليه مما عليه عبدة الأوثان عليه في الباب الذي تقدم قبل هذا " .
قلت: يشير إلى بعض الأحكام التي خص بها أهل الكتاب دون المشركين كحل ذبائحهم، ونكاح نسائهم، وغيرها مما بعضه موضع نظر، وبنى على ذلك قوله (ص 234) : " فكان كل شرك بالله كفراً، وليس كل كفر بالله شركاً " !
فأقول: لو سلمنا جدلاً بقوله هذا؛ فلا حاجة للتأويل المذكور لأمرين اثنين: الأول: أن التأويل فرع التصحيح كما هو معلوم، وما دام أن الحديث غير صحيح كما بينا؛ فلا مسوغ لتأويل الحديث الصحيح من أجله كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى.
والآخر: كيف يصح أن يقال في اليهود والنصارى: إنهم ليسوا من المشركين، والله عَزَّ وَجَلَّ قال في سورة التوبة بعد آية: (( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا )) ، (( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)) ، (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )) . فمن جعل لله ابنا كيف لا يكون من المشركين؟! هذه زَلَّة عجيبة من مثل هذا الإمام الطحاوي. ولا ينافي ذلك أن لهم تلك الأحكام التي لا يشاركهم فيها غير أهل الكتاب من المشركين؛ فإنهم يشتركون جميعاً في أحكام أخرى كما لا يخفى على أولي النُّهى.
وقد لا يعدم الباحث الفقيه الذي نجَّاه الله من التقليد في الكتاب والسنة ما يؤكد ما تقدم، ويبطل قول الطحاوي السابق: شو قال الطحاوي ؟ " وليس كل كفر بالله شركاً " من ذلك تلك المحاورة بين المؤمن والكافر الذي افتخر بماله وجنَّتيه؛ كما قال عز وجل في سورة الكهف (( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً )) ؛ فهذا كفر لم يشرك في رأي الطحاوي! ولكن السِّياق يردّه؛ فتابع معي قوله تعالى: (( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً. لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً )) ؛ فتأمل كيف وصف صاحبَه الكافر بالكفر، ثم نره نفسه منه معبِّراً عنه بمرادِفِه وهو الشرك؛ فقال: (( وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً )) . وهذا الشرك مما وصَف به الكافرُ نفسَه فيما يأتي؛ فتابع قوله تعالى بعد أن ذكر ما وعظه به صاحبه المؤمن: (( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً )) .
قلت: فهذا القول منه مع سباق القصة صريح جداً في أن شركه إنما هو شَكُّه في الآخرة، وهذا كفر وليس بشرك في رأي الطحاوي! فهو باطل ظاهر البطلان.
وإن مما يؤكد ذلك من السنة قوله صلى الله عليه وسلم : ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) رواه الشيخان وغيرهما عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، وهو مخرج في * الصحيحة * برقم كذا ، فإن المراد بهم اليهود والنصارى؛ كما دلت على ذلك أحاديث أخر، منها قوله صلى الله عليه وسلم : ( لئن عشت؛ لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أترك فيها إلا مسلماً ) . رواه مسلم وغيره.
وزعم الطحاوي أنه وهم ابن عيينة فقال " لأنه كان يحدث من حفظه؛ فيحتمل أن يكون جعل مكان اليهود والنصارى المشركين ولم يكن معه من الفقه ما يميزبه بين ذلك " ! كذا قال سامحه الله! فإنه يعلم أن تحديث الحافظ الثقة كابن عيينة من حفظه ليس بعلة؛ بل هو فخر له، وأن تخطئة الثقة بمجرد الاحتمال ليس من شأن العلماء المنصفين، ولكنها العصبية المذهبية؛ نسأل الله السلامة! وعلى مذهب الطحاوي هذا يمكن أن يغفر الله الكفر لقوله تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) وبهذه الآية احتج ابن حزم رحمه الله على أبي حنيفة الذي هو مَتبوعُ الطحاويُ في التفريق المزعوم؛ فقال عقبها " فلو كان ههنا كفر ليس شركاً؛ لكان مغفوراً لمن شاء الله تعالى بخلاف الشرك، وهذا لا يقوله مسلم " . ثم أتبع ذلك بأدلة أخرى قوية جداً، ثم قال: " فصح أن كل كفر شرك، وكل شرك كفر، وأنهما اسمان شرعيان، أوقعهما الله تعالى على معنى واحد " . ولولا خشية الإطالة؛ لنقلت كلامه كله لنفاسته وعزته، فليراجعه من شاء المزيد من العلم والفقه.
والخلاصة أن الحديث ضعيف الإسناد، منكر المتن، وأن الاستعانة بأهل الكتاب في جهاد الكفار يشملها قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنا لا نستعين بمشرك ) .
فيه قبل هذا الحديث، بهذه المناسبة أقول لا بد لي من الكلام على ضوء ما سبق من الكلام عن هذه الفتنة الدهماء التي أصابت المسلمين بسبب بغي العراق على الكويت وضمه إليها منتصف شهر محرم من هذه السنة 1411 ألا وهي استعانة الدولة السعودية بالدولة الأمريكة والبريطانية وغيرها من الدول الكافرة خشية أن يصيبها ما أصاب جارتها الكويت فيدافعوا عنها وفي ظني أن هذه الاستعانة لم تكن بعد استشارتها لأهل العلم فيها على الأقل كالشيخ ابن باز وغيره من الأفاضل عملا بقوله تعالى (( وأمرهم شورى بينهم )) لأن هذه الاستعانة غير جائزة على جميع الأقوال المتقدمة في حكم الاستعانة بالكفار أما على القول الراجح وهو المنع مطلقا فواضح وأما على القول الآخر فلأنهم اشترطوا أن يكون الإسلام هو الغالب وأن يكون الكافر حسن الرأي في المسلمين وأن يكون مع الإمام جماعة من المسلمين يستقلوا بهم في إمضاء الأحكام الشرعية على الذين استعان بهم وإذا عرفنا ما تقدم من البيان فلا بد من النظر في هذه الفتنة الدهماء التي نزلت على المسلمين بسبب اعتداء العراق إلى آخره فالشاهد الذين أجازوا الاستعانة قالوا بشرط أن يكون المستعين هو الغالب.
السائل : نعم هؤلاء المتقدمين شيخنا.
الشيخ : أيوا والآن لا يوجد إما أن يرجعوا يحتجوا بالحديث ( إنا لا نستعين ) أو يحتجوا بأقوال العلماء أقوال العلماء قول لا يجوز الاستعانة بالمشركين مطلقا بناء على الحديث وقول بفصلوا بقولوا بجوز الاستعانة بشرط أن يكون المستعين من المسلمين هم الغالبين وهذا ما قلناه هنا فصلنا القول وقلناه في بعض الكلمات للمستفتين أنه لو الأمريكان احتلوا خيبر مين بطلعهم؟
السائل : ولا حدا
الشيخ : ولا حدا فنسأل الله عز وجل السلامة .

مواضيع متعلقة