ما السبيل إلى الجهاد في عصرنا الحاضر ، وهل يجب موافقة الوالدين في ذلك ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما السبيل إلى الجهاد في عصرنا الحاضر ، وهل يجب موافقة الوالدين في ذلك ؟
A-
A=
A+
السائل : يقول السائل : نحن مُطالبون بالجهاد ؛ فكيف السبيل للجهاد في الوقت الحاضر ؟ وهل يجب أخذُ رأي الوالدين في الجهاد أوَّلًا ؟

الشيخ : هذه مشكلة العالم الإسلامي اليوم ، السبيل إلى الجهاد هو أن نُجاهِدَ أنفسنا وأهويتنا الكثيرة في العصر الحاضر ، ومن ذلك أن نضع نصب أعيننا أن نستعدَّ الاستعداد المادي الكافي لتحقيق المجتمع الإسلامي وإقامة الدولة المسلمة ، لكن المشكلة هي من أين نبدأ ؟ إنَّ كثيرًا من الجماعات الإسلامية اليوم كلها تنشد أمرًا واحدًا ، كلها تريد أن تحقِّق المجتمع الإسلامي وأن تقيم الدولة المسلمة ، ولكن ما السبيل إلى ذلك ؟

لا شك أن السبيل هو تطبيق الشرع الإسلامي ، وذلك معروض في عديد من الآيات القرآنية حتَّى التي أصبحت معلومة عند الأولاد الصِغار ؛ كمثل قوله - تعالى - : (( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ )) ، فما معنى نصر الله ؟ كذلك هذا المعنى واضح جليٌّ حتى عند المبتدئين في طلب العلم ، نصر الله هو القيام بما فَرَضَ الله - عز وجل - على كلِّ مسلم ؛ فهل المسلمون اليوم هناك على الأقل جماعة هل هناك جماعة مسلمة تكاتفت وتعاونت على - قبلِّ كل شيء - فهم الإسلام فهمًا صحيحًا ، ثم على تطبيق الإسلام تطبيقًا عمليًّا ؟ قد يوجد أفراد من هذا النوع ، أما جماعة تعاهدت على أن تفهمَ الإسلام فهمًا صحيحًا ، وأن تطبِّقه تطبيقًا عمليًّا ؛ فهذا مع الأسف لمَّا يوجد ، وعسى أن يوجد قريبًا ، وهذه الكلمة في الواقع فهم الإسلام فهمًا صحيحًا أحتاج إلى شرح وبيان طويل ؛ لأنَّني أعتقد أن نقطة الانطلاق في تحقيق الغاية المَنشودة عند جميع المسلمين أفراد وجماعات تبتدئ من فهم الإسلام فهمًا صحيحًا ، ثم تطبيقه أو قرن ذلك بالعمل ، ولعل الكثيرين منكم قد سمع قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إذا تبايعتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزَّرع ، وتركتم الجهاد في سبيل الله ؛ سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتَّى ترجعوا إلى دينكم ) . في هذا الحديث الذي أفهمه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد وصف فيه الداء والدواء ، وصف فيه المرض والعلاج ، وفي سبيل وصف المرض ضرب بعض الأمثلة ؛ فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( إذا تبايعتم بالعينة ) ، هذا مثال من تلك الأمثلة ، ولعل الحاضرين جميعًا يعلمون ما هو بيع العينة ، وهو بيع من البيوع الربوية ، وهو مما ابتُلِيَت به بعض البلاد الإسلامية اليوم ، والرسول - عليه السلام - يقول في صريح هذا الحديث : ( إذا تبايعتم بالعينة سلَّط الله عليكم ذلًّا ) ؛ أي : بسبب مخالفة الله - عز وجل - في بعض ما شرع فذلك مما يُحِقُّ على المخالفين أن يُسلِّط الله - عز وجل - عليهم ذلًّا ، وقد ذكر على سبيل المثال في ما يحقِّق مرض المسلمين بيع العينة ، أقول هذا ذكره على سبيل المثال وليس على سبيل التحديد ، وهو مثال لكثير من الأحكام التي يستحلُّها بعضُ الناس بطريق التأويل أو بطريق الاحتيال ، فبيع العينة يسمُّونه بيعًا ، وقد يستدلُّ على ذلك بعضهم بقوله - تعالى - : (( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا )) ، فيقولون لماذا تمنعون من بيع العينة ، وهذا بيعٌ يشمله نصُّ الآية الكريمة ؟

فنقول : إن الله - عز وجل - قد خاطب نبيَّه - صلى الله عليه وآله وسلم - في جملة ما خاطبه به فقال : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )) ، فالبيع الذي ذُكِرَ في الآية السابقة يجب أن يُؤخَذَ بيانه من سنَّة الرسول - عليه السلام - وأقواله ، وإذ هو قد مَنَعَ بيع العينة فلا يجوز أن نُدخِلَ هذا النوع من البيع في عموم قوله - تعالى - : (( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ )) ، بيع العينة هو صورة من التَّبايع يلجأ إليها المُحتاج إلى استقراض كمِّيَّة من المال وهو يعلم بسبب فساد المجتمع أنَّ المسلمين اليوم ليس بينهم تلك الرابطة القوية الإيمانية التي تحمِلُ بعضهم أن يواسِيَ أخاه الفقير أو المحتاج ، فقد ارتفع اليوم من بين المسلمين القرضُ الحَسَن ، القرض لله - عز وجل - ، ولذلك وقد عمَّ بلاء الافتتان بحبِّ المال وجمعه حتى الفقراء حتى الضعفاء مادِّيًّا ، فيلجؤون إلى استقراض المال بطريقٍ غير مشروع ، من ذلك بيع العينة ، وبيع العينة أن يأتي الرجل المُحتاج إلى قرض المال إلى تاجر كبير ، ولنفترض هذا التاجر تاجر سيارات - مثلًا - ، أو تاجر رز أو سكر أو ما شابه ذلك ، فيطلب من التاجر أن يشتري منه سيارة ، ويتَّفقان على سعر التقسيط الذي هو أكثر من سعر النقد ، فيشتري السيارة - مثلًا - بعشرين ألف دينار وثمنها نقدًا بسبعة عشر أو ثمانية عشر ألف ، فيُسجَّل عليه في الدفتر في الحساب عشرون ألف ثمن هذه السيارة ، والحقيقة أنَّ الذي جاء ليشتري السيارة ليس له حاجة في السيارة ، هو يريد أن يأخذ مالًا ؛ فكيف يحصل على المال ؟ بعد أن اشترى السيارة بعشرين ألف تقسيطًا يعود هذا الشاري بالبيع لهذه السيارة على التاجر نفسه ، فيبيعها منه بأقلِّ مما اشترى ، لكن هو يبيع نقدًا وقد اشترى نسيئة - أي : بالتقسيط - ، يتفقان مثلًا أن يُسلِّمه ثمانية عشر ألف ، فيأخذها وينطلق بها وقد سُجِّل عليه عشرون ألف ؛ هذا هو عين الربا ، ولكن أُدخِلَ البيع كوسيلة لاستحلال ما حرَّم الله - تبارك وتعالى - ، فحذَّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمَّتَه من هذا البيع الذي فيه احتيال على ما حرَّم الله - عز وجل - من الربا .

مواضيع متعلقة