هل يجب على كل مسلم أن يتدرَّب على القتال وحمل السلاح ليكون مستعدًّا لجهاد أعداء الله في أيِّ وقت ؟ وهل يأثم المسلم إذا ما ابتعد طول حياته عن تقوية جسمه وتعلُّم القتال مع قدرته على ذلك ؟ وهل ثبت أن أحدًا من الصحابة كان لا يجيد حمل السلاح والقتال ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل يجب على كل مسلم أن يتدرَّب على القتال وحمل السلاح ليكون مستعدًّا لجهاد أعداء الله في أيِّ وقت ؟ وهل يأثم المسلم إذا ما ابتعد طول حياته عن تقوية جسمه وتعلُّم القتال مع قدرته على ذلك ؟ وهل ثبت أن أحدًا من الصحابة كان لا يجيد حمل السلاح والقتال ؟
A-
A=
A+
الشيخ : السؤال الخامس عشر : هل يجب على كل مسلم أن يتدرَّب على القتال وحمل السلاح ليكون مستعدًّا لجهاد أعداء الله في أيِّ وقت ؟ وهل يأثم المسلم إذا ما ابتعد طول حياته عن تقوية جسمه وتعلُّم القتال مع قدرته على ذلك ؟ وهل ثبت أن أحدًا من الصحابة كان لا يجيد حمل السلاح والقتال ؟

الواقع أن هذا السؤال يتضمَّن ثلاثة أسئلة ؛ فلا بد من التفريع ثم الإجابة .

أما الشطر الأول من السؤال فواضح من كتاب الله الجواب عليه ، هل يجب على كل فرد مسلم أن يتدرَّب على القتال وحمل السلاح ليكون مستعدًّا لجهاد أعداء الله في أيِّ وقت ؟

الجواب من القرآن الكريم : (( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّه وَعَدُوَّكُمْ )) ، وأكثر من ذلك جاء في السنة ليس حضًّا على التعلم بل تحذيرًا وترهيبًا من أن ينسى ما تعلَّمَه من السلاح ؛ فقال - عليه السلام - : ( مَن تعلَّم الرمي ثم نَسِيَه فليس منَّا ) ؛ لذلك فهذا السؤال أنا في الواقع أستغربه ولا أستغربه ، أستغربه لوجود النصوص الصريحة الكثيرة كتابًا وسنة التي تُوجب على المسلم أن يكون قويًّا في بدنه كما تُوجب عليه أن يكون قويًّا في عقيدة وفي روحه ، ولكن لا أستغرب هذا السؤال من جهة أخرى لِبُعد الناس أوَّلًا عن التفقُّه في كتاب الله وفي سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وثانيًا لغلبة الخمول والجبن والهلع والخوف على جماهير المسلمين الذين ظَهَرَ عليهم نتائج ذلك في قتالهم لِأذلِّ عباد الله في الأرض ألا وهم اليهود ، فما استطاعت هذه الجماعات الكثيرة من الشعوب العربية أن تنتصر على ألوف من أولئك اليهود الذين يسمُّونهم بشذَّاذ الآفاق ؛ لذلك فالأهم عندي من هذا السؤال الذي جوابه كما عرفتم في الكتاب أن نعرف ما هو السبب الذي انصرف من أجله المسلمون عن الجهاد في سبيل الله وعن الاستعداد له ، هذا السبب يجب أن يُعرف لكي يزول العجب كما يُقال : " إذا عُرِفَ السبب بطل العجب " .

يهمُّني بمناسبة الإجابة عن هذه الفقرة من هذا السؤال أن أذكِّركم بحديث الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ؛ ألا وهو قوله : ( إذا تبايَعْتم بالعينة ، وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد في سبيل الله ؛ سلَّطَ الله عليكم ذلًّا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) ، فالآن الجهاد متروك منسي ، وقد يقع قتال ، ويجب أن تعرفوا هذه الحقيقة ؛ قد يقع قتال ما وقد وقع ، ولكن - مع الأسف الشديد - لم يقع جهاد منذ كذا من عشرات السنين ؛ لأن القتال شيء والجهاد شيء ، الجهاد أمرٌ اختصَّ به الإسلام دون كل هذه الأديان أو الأوضاع أو السلطات الحاكمة اليوم في وجه الأرض ، فهناك قتالات كثيرة وكثيرة جدًّا تقع بين دولة وأخرى ، لكن ليس ذلك من الجهاد في شيء ، والمسلمون من تأثُّرهم في تقليدهم للكفار الذي حذَّرَهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن تقليدهم لأولئك الكفار بمثل قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لَتتبعنَّ سَنن مَن قبلكم ؛ شبرًا بشبر ، وذراعًا بذراع ؛ حتى لو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلتموه ) . قالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ يعني هؤلاء الذين سوف نقلِّدهم ونحذو حذوهم ؛ قال - عليه الصلاة والسلام - : ( فَمَنِ الناس ؟ ) ؛ يعني هم الذين كانوا في أعين الناس كما الأوروبيون اليوم في أعين المسلمين مع الأسف ، مثقفين أصحاب مدنية وثقافة .

ولذلك فاليهود ، واليهود والنصارى يومئذ كانوا قدوة الناس الآخرين كما هو الواقع اليوم ، فهؤلاء النصارى واليهود بهم تأثَّر جماهير المسلمين في كثير من الأمور ، من ذلك قضية القتال ، فنحن قاتلنا ، ولكن ما أحد من تلك الدول التي شاركت في القتال قالت : إنها تجاهد في سبيل الله ، لم يكن القتال الذي وقع بين اليهود وبين المسلمين هو جهادًا في سبيل الله ، بل لقد ماتت هذه اللفظة من ألسنة الكُتَّاب إلا ما شاء الله منهم ؛ فلم يبْقَ على ألسنتهم إلا لفظة القتال وإلا لفظة دفاعًا عن الأرض وعن الوطن ، وأصبحت الأناشيد الحماسية التي يُلقَّنها الأطفال منذ نعومة أظفارهم هي كأناشيد الكفار لا فرق بينها وبينها ، إنما هي دفاع عن الأرض ، فلا فرق بين روسي يدافع عن أرضه وبين ألماني كذلك وفرنسي ومسلم عربي اليوم ، كلهم يدافعون عن الأرض ، أما الإسلام فأرض الله كلها أرضه وبلاد الله كلها وطنه ، فإنما هو يدافع عن الدين فقط كما جاء ( مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) .

فهذا الحديث يُخبِرُنا - عليه الصلاة والسلام - بأن المسلمين سَيُذلُّون بسبب إعراضهم عن دينهم ، ولا أريد الخوض في شرح هذا الحديث وما يدل على أمور هامة جدًّا يجب على المسلمين أن يكونوا على تنبُّه وعلى يقظة منها ، وإنما أريد أن أقول بأن الرسول - عليه السلام - قد ذكر بأن المسلمين إذا تكالبوا على الدنيا أوصَلَهم ذلك إلى ترك الجهاد في سبيل الله ، فإذا تركوا الجهاد في سبيل الله أذَلَّهم الله ، فإذا أرادوا أن يعزَّهم الله وَجَبَ عليهم أن يعودوا إلى دينهم ، وهنا نحن نشرح في مثل هذه المناسبة كثيرًا وكثيرًا ، ولكن الوقت لا يتَّسع ، فأقول باختصار : ( حتى ترجعوا إلى دينكم ) أي : الإسلام بالمفهوم الصحيح وبالتعبير الذي جَرَينا عليه من باب تعليم الناس بأقرب طريق بالمفهوم السلفي للإسلام ؛ لأن الإسلام صار مفاهيم عديدة وعديدة وكثيرة جدًّا جدًّا ، وكل هذه المفاهيم تدخل في دائرة الإسلام على ما بينها من تناقض ، فيجب على الدعاة الإسلاميين العلماء المخلصين منهم أن يقرِّبوا هذا الإسلام الصحيح إلى أفهام المسلمين ، وأن ينشِّئوهم وأن يربُّوهم على هذا المفهوم الصحيح ويعملوا به ؛ فذلك هو علاج هذا الذُّلِّ الذي رانَ على جماهير المسلمين في الوقت الحاضر .

كذلك الحديث الآخر الذي يُلفت نَظَرَنا إلى هذا الواقع المؤلم وهو قول الرسول - عليه الصلاة والسلام - : ( ستداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ) . قالوا : أَوَمِن قلَّة نحن يومئذٍ يا رسول الله ؟ قال : ( بل أنتم يومئذٍ كثير ، ولكنَّكم غثاء كغثاء السيل ، وَلَينزعَنَّ الله الرهبة من صدور عدوكم ، وَلَيقذفَنَّ في قلوبكم الوَهَن ) . قالوا : وما الوَهَن يا رسول الله ؟ قال : ( حبُّ الدنيا وكراهية الموت ) . هذا مرض المسلمين ، حبُّ الدنيا وكراهية الموت فلا فرق بينهم من هذه الحيثية وبين الكفار الآخرين ، لكن هناك فرق - مع الأسف - ليس من صالح المسلمين أن أولئك الكفار الذين يحبون الدنيا ويتكالبون عليها مثل المسلمين أو أكثر ، فَهُم يتفوَّقون على المسلمين أن عندهم شيء من النظام محترم ، وشيء من التربية لِصالح خدمة الشعب والوطن ، وهذا ما فَقَدَه المسلمون بسبب ابتعادهم عن دينهم .

ورَضِيَ الله عن عمر بن الخطاب حين يقول : " نحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام ، فمهما نبتغي العزَّة بغيره نُذَلُّ - أو نَذِلُّ - " ، هذا الواقع تنبيه مهم جدًّا للعرب المسلمين الذين يتوهَّمون أن باستطاعتهم أن ينتصروا على أعدائهم بمجرَّد قوة السلاح المادي ، هذا في الواقع عكس للحقيقة الشرعية ، ربنا - عز وجل - يقول في صريح القرآن الكريم في آيات عديدة كلها تلتقي مع مثل قوله - تعالى - : (( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ )) ، وكلنا نعلم أن نصر المسلمين لربِّهم ليس هو بالاستعداد المادي ، وبمعنى آخر ليس هو بتطبيق الآية السابقة فقط : (( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )) إلى آخر الآية ، ليس هذا هو فقط نصر المسلمين لربهم ، وإنما هو عَمَلُهم بإسلامهم ، فإذا صاروا أقوى من أقوى دولة على وجه الأرض فأنا أجزم بأن الله - عز وجل - سوف لا ينصرهم إطلاقًا ، ولو كانوا أضعف أهل الأرض قوَّةً وسلاحًا وعلى العكس من ذلك كانوا مؤمنين بالله وبرسوله حقًّا وعاملين بكتاب الله وبسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - لَنَصَرَهم ربهم كما نصر آباءهم وأجدادهم من قبل ، والتاريخ يعيد نفسه ؛ ولذلك أقول : إذا كان الجهاد واجبًا وبنصوص من الكتاب والسنة فيجب أن لا يُنسِيَنا الاشتغال بالقيام وبالاستعداد لهذا الواجب الذي لا يقصِّر فيه إلا مَن ليس مسلمًا ؛ أقول : يجب أن لا يُشغِلَنا ذلك عن الاستعداد الأول أو الأساسي الذي عليه يقوم هذا الاستعداد الفرعي وهو تحقيق الآية السابقة : (( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )) إلى آخر الآية .

هذا الجواب بالنسبة للسؤال الأول أو الفقرة الأولى من هذا السؤال .

الفقرة الثانية : قال : وهل يأثم المسلم إذا ما ابتعد طول حياته عن تقوية جسمه وتعلُّم القتال مع قدرته على ذلك ؟

السؤال فيه حكمة فيه قيد ، والجواب بطبيعة الحال سيكون : نعم ، يأثم ؛ لأنه يكون قد قصَّرَ في تطبيق الآية السابقة ؛ لا سيما والرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ وأفضل عند الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلٍّ خير ) ؛ فهو وإن كان ضعيفًا في بدنه في قوَّته في استعداده لحمل السلاح ، لكن على كل حال هو لا يزال فيه خير ؛ لأنه مؤمن بالله ورسوله بخلاف الكفار كلهم أجمعين مهما كانوا أقوياء فلا خير فيهم إطلاقًا ؛ لأنهم مشركون ، وقد قال - تعالى - : (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا )) .

أما الشطر الأخير من هذا السؤال وهو قوله : هل ثَبَتَ أن أحدًا من الصحابة كان لا يجيد حمل السلاح والقتال ؟

هذا السؤال فيه غرابة شوية ؛ لأنُّو المعروف السؤال يكون عن الأمور الإيجابية عن الأمور الواقعية ، أما السؤال : هل ثَبَتَ أن أحدًا ما أجاد ؟ فهذا كما لو قيل : هل ثبت أن أحدًا من الصحابة كان لا يعرف سورة - مثلًا - : (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) أو نحو ذلك ؟ فنحن نقول : الاستعداد للجهاد في سبيل الله هو فرض ، والجهاد كما قلنا في دروس عديدة قسمان : جهاد عيني وجهاد كفائي ، والصحابة كانوا يعيشون في الجهاد من النوع الأول ؛ لأنهم هم الذين أسَّسوا لهذا الإسلام وقعَّدوا له وأقاموا دولته ؛ ولذلك فَهُم كانوا دائمًا في جهاد عيني يقاتلون مَن حولهم من المعتدين عليهم ، ثم لما وسَّعَ الله عليهم بدؤوا في الجهاد المرحلة الثانية وهو الجهاد الكفائي الذي يعني نقل الدعوة إلى البلاد الأخرى التي لم يدخل إليها الإسلام .

مواضيع متعلقة