شرح حديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال : سُئل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعةً ويقاتل حميَّةً ، ويقاتل رياءً ؛ أيُّ ذلك في سبيل الله ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح حديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال : سُئل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعةً ويقاتل حميَّةً ، ويقاتل رياءً ؛ أيُّ ذلك في سبيل الله ؟
A-
A=
A+
الشيخ : وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري - رضي الله عنه - قال : سُئل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعةً ويقاتل حميَّةً ، ويقاتل رياءً ؛ أيُّ ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( مَن قاتل لتكونَ كلمة الله هي العليا ؛ فهو في سبيل الله ) . فأيُّ قتال - هذا الحديث يدل على أمر هام - أي قتال يقوم به المسلم أو المسلمون لا يكون القصد في قلوبهم من هذا القتال أن تكون كلمة الله هي العليا فليس ذلك في سبيل الله . قتال يقع في سبيل الدفاع عن الوطن ليس في سبيل الله ، قتال يقع في سبيل الدفاع عن القبيلة ، عن العشيرة ، عن عن إلى آخر ما هنالك من معطوفات ؛ كلُّ ذلك ليس في سبيل الله فضلًا عن الإنسان يقاتل لِيُظهِرَ شجاعته ، يقاتل رياءً ، والواقع أنه ليس مخلصًا في ذلك لله - عز وجل - ، فكلُّ هذه الأنواع من القتال ليست في سبيل إلا مَن قاتل لتكونَ كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله .

السائل : ... .

الشيخ : نعم ؟

السائل : ... .

الشيخ : إي نعم ، دون ماله دون عرضه وهو يقصد في ذلك ما لا ، لا بد أن يقصد في ذلك وجه الله - عز وجل - ، وإلا الشيوعي بيقاتل دون أرضه ؛ فهو في سبيل الله ؟

السائل : لا .

الشيخ : طبعًا ، هو شهيد ؟ نعم ، جعلوا اليوم " جول جمال " جعلوه شهيدًا ، ليش ؟ لأنُّو مات في قتال المعركة القومية ، هذا طبعًا ليس في سبيل الله ؛ لا سيما وهو كافر !!

السائل : كافر ، نعم .

الشيخ : كافر .

فَمَن قاتل ، ( مَن قُتِلَ دون ماله فهو شهيد ) ، أي : المسلم الذي ينوي بكلِّ أعماله وكلِّ تصرفاته وجه الله - تبارك وتعالى - ؛ يعني الحديث ماشي مع هذا تمامًا . ومن المناسب أن نذكِّر بحادثة وقعت توضِّح أن مَن قاتل رياءً وشجاعةً ولو كان بطلًا شجاعًا ، ولو كان يعني أبلى بلاءً حسنًا في الكفار المشركين ، ثم مات يموت قاتل نفس ولا يموت شهيدًا ؛ ما دام أنه لم يكن يقصد بذلك وجه الله . ففي " صحيح البخاري " أن رجلًا في بعض المعارك لعلها غزوة أحد ، غزوة أحد ولَّا خيبر ؟ أحد .

السائل : أحد .

الشيخ : أحد ، إي نعم .

رُئي رجل يقاتل من بين الصحابة قتالًا شديدًا جدًّا ، ويكفي أن تعرفوا شدَّة قتاله أن الصحابة الشجعان تعجَّبُوا من شدة استبساله ؛ حتى جاء بعضهم إلى الرسول - عليه السلام - ، فقال : يا رسول الله ، فلان يقاتل ويقاتل لا يبالي بالموت . فكان جوابه - عليه الصلاة والسلام - أن قال : ( هو في النار ) .

السائل : وحي ؟ وحي ... .

الشيخ : وحي ، لَكان من أين يعلم ذلك ؟ سيأتيك المؤكِّد لكونه هذا وحي ، قال - عليه السلام - ( هو في النار ) ، فانصرف المخبر وفي نفسه شيء من هذا القول .

السائل : نعم .

الشيخ : ( هو في النار ) ، كيف هو في النار وهو أشد الصحابة قتال للكفار ؟ ثم عاد مرة ثانية ليقول : فلان يا رسول الله . قال : هو في المرة الثانية ( هو في النار ) ، وهكذا ثلاث مرات ، يقول راوي الحديث وهو أبو هريرة - رضي الله عنه - : فلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الثالثة هو في النار كِدْنا أن نشكَّ .

السائل : الله أكبر !

الشيخ : كادوا أن يشكُّوا في قول الرسول ، والشَّكُّ في قوله كفر به ، وحاشا لأصحاب الرسول أن يشكوا ؛ ولذلك قال : كِدْنا ؛ يعني قاربوا وأشرفوا على الشك في قول الرسول لتصادم خبر الرسول الصادق مع هذا الواقع المرئي بالـ .

السائل : بالعينين .

الشيخ : عيون .

السائل : نعم .

الشيخ : يقاتل الكفار في سبيل الله أشدَّ القتال ، ومع ذلك يقول الرسول - عليه السلام - : ( هو فالنار ) . قال : كِدْنا أن نشك . فتعهَّد أحد الصحابة أن يلزم هذا الإنسان ، وين ما هجم يهجم معه ، وين ما راح كر وفر معه ، بدو يشوف نهاية ومصير هذا الإنسان الذي أخبَرَ عنه الأمين الصادق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه في النار .

فلَحِقَه وتابَعَه ، وإذا به يراه في آخر المطاف لما تشتد به الجراحات ؛ لأنُّو هاللي بدو يهاجم الكفار ولا يبالي بالموت لا بد أن يُصاب بالجراحات الكثيرة ، فلم يصبِرْ على هذه الجراحات ، فما كان منه إلا أن قتل نفسه بنفسه ، وضع رأس السيف في بطنه واتَّكأ عليه هكذا ، فخرج من ظهره ، فكانت القاضية .

السائل : نعم .

الشيخ : حين ذاك كأنُّو هذا الرجل اطمأنَّ قلبه لصدق الرسول - عليه السلام - ، فأسرع يخبر الرسول يقول : يا رسول الله ، فلان الذي حدَّثناك وقلت عنه إنه في النار فعل كذا وكذا ؛ قتل نفسه !! فقال - عليه الصلاة والسلام - ( الله أكبر ! صدق الله ورسوله ) . هذا وحي السماء .

( الله أكبر ! صدق الله ورسوله ؛ إن الله لَينصُرُ هذا الدين بالرجل الفاجر ) . سُئلت أمس عن هذا الحديث أهو صحيح ؟ فقلنا : نعم ، هو حديث صحيح ، وهذه مناسبته ، ( إن الله لَينصُرُ هذا الدين بالرجل الفاجر ) ، هذا رجل فاجر قاتل الكفار أشد القتال وإذا به لم يكن مخلصًا لوجه الله - عز وجل - في قتاله ، وإنما كان يقاتل إما كما جاء السؤال هنا شجاعةً أو حميَّةً أو رياءً ، كان يقصد به وجه الله ، وإلا يأتيه القتل على يد الكفار فما صبر على الجراحات ، فقتل نفسه ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( الله أكبر ! صدق الله ورسوله ؛ إن الله لَينصُرُ هذا الدين بالرجل الفاجر ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ) . هذا رجل عمل بعمل أهل الجنة ؛ قاتل في سبيل الله ، لكنه من أهل النار ؛ لأن قتاله لم يكن خالصًا لوجه الله - تبارك وتعالى - . ( وإن الرجل لَيعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة ) .

عمر بن الخطاب قبل إسلامه كان يعمل عمل الكفار ، فيبدو للصحابة السابقين الذين استجابوا للرسول - عليه السلام - يبدو لهم أن عمر بن الخطاب من أهل النار ، ولكن الأمر كما قال - عليه السلام - : ( إنما الأعمال بالخواتيم ) ، فكما كانت خاتمة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - هو الخلاص من عمل الكفار إلى العمل بعمل أهل الإيمان وأهل الجنة ، ومات على ذلك ، كان هذا على العكس من ذلك ؛ عمل بعمل أهل الإسلام والإيمان وجاهد في سبيل الله ، ولكن لم يكن ذلك في سبيل الله ، فمات شرَّ ميتة ؛ وذلك بأن قتل نفسه ؛ فإذًا هذا لم يقاتل في سبيل الله فلم يستفِدْ فضل الجهاد في سبيل الله ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ؛ فهو في سبيل الله ) .

مواضيع متعلقة