ما رأيك في قول بعضهم في أسماء الله وصفاته : إنما يسَعُنا ما وَسِعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووَسِعَ أصحابه ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما رأيك في قول بعضهم في أسماء الله وصفاته : إنما يسَعُنا ما وَسِعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووَسِعَ أصحابه ؟
A-
A=
A+
عيد عباسي : ما رأيكم في هذه الأصول التي قرَّرها كاتب إسلامي كبير : واحد : والآيات والصفات وأحاديثها الصحيحة وما يلحق بذلك من المتشابه نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل ، ولا نتعرَّض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء ، ويسَعُنا ما وَسِعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه : (( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا )) ، ثانيًا : والبدعة الإضافية ... .

الشيخ : بس بس ، هذا يكفي .

هذا الكلام كلام سليم وجميل ؛ لولا أن فيه غموضًا في ناحية واحدة ، فلا بد من توضيحها وبيانها ؛ وهي قوله في آخر بيانه : وإنما يسعنا ما وسع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أو كما قال ، نقول : نعم ، ولكن آيات الصفات هذه وأحاديث الصفات رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما لم يتأوَّلها ، وحينما لم يعطِّلها ؛ يرد سؤال هنا : هل فَهِمَها أم لم يفهمها ؟ إن قيل : فَهِمَها ؛ إذًا لا بد لنا من فهمنا إياها اقتداءً به - عليه السلام - ؛ لأنُّو الكاتب يقول : يسعنا ما وسع الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، وهذا كلام حق ، وإن قيل : لا ، رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما فَهِمَها ولا بَحَثَ عنها هذا صدم وضرب لأعزِّ شيء في الرسول - عليه السلام - ؛ حيث أنه أُنزِلَ القرآن عليه وكُلِّفَ ببيانه للناس ، فإذا قيل بأن الرسول - عليه السلام - لم يفهَمْ هذه الآيات فهو بطبيعة الحال لم يبيِّنْها للناس ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، والقول بأنه لم يبيِّن ذلك ولكن لعديد من النصوص كمثل قوله - تعالى - : (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )) إلى آخر الآية ، وإن قيل : لا ، حاشى لله ، إن الرسول - عليه السلام - قد فَهِمَ هذه الآيات كما فَهِمَ القرآن كله تجاوبًا منه مع مثل قوله - تعالى - : (( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ )) ؛ فحينئذٍ لا بد للخلاص من التأويل والتعطيل من الفهم لنصوص آيات الصفات وأحاديث الصفات بدون تعطيل وبدون تشبيه .

الأصل في هذا أن هناك في مسألة آيات الصفات وأحاديث الصفات مذاهب ثلاثة :

مذهب السلف : وهو فَهْم النصوص كما جاءت ، فَهْم النصوص كما جاءت بدون تشبيه وبدون تأويل ، (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ، فقوله : (( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) لا نقول : الله أعلم بمراده ، مفهوم ما المراد من قوله : (( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ، لكن في الوقت الذي نفهم هاتين الصفتين بالأسلوب العربي لا نشبِّه ربنا - عز وجل - بشيء من عباده ؛ جمعًا بين التنزيه والإثبات المذكورين في هذه الآية : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ، هذا مذهب السلف .

مذهب الخلف : هو المذهب الثاني ، وهو تأويل آيات الصفات ، زعموا خشية التشبيه ، فوقعوا - مع الأسف الشديد - في التعطيل ؛ أي : أنكروا كثيرًا من الصفات ، والمذاهب هنا منها الموغلة المتعمِّقة في التأويل ؛ حتى لَتكاد تنكر وجود الله بسبب إنكارهم لصفات الله ، لا شك أن بعض الفلاسفة الإسلامين وقعوا في هذا الجحد المطلق ؛ يقولون : لا نصفه بأنه حيٌّ ، ولا نقول إنه حيّ أو ليس بحيّ ؛ ليه ؟ لأنُّو إذا قلت : الله حي ؛ فأنا متكلم الآن أنا حي وأنت حي ؛ صار فيه تشبيه ، ولا نقول : ليس بحي ؛ لأنُّو حَكَمْنا عليه الإعدام وعدم الوجود ، وهكذا وقعوا في حيص بيص وفي حيرة أدَّتْهم في الواقع إلى الجحد المطلق ؛ لذلك أحسن التعبير عن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ، ثم تَبِعَه على ذلك ابن القيم فقال : " المعطِّل يعبد عدمًا " ، لا شك .

لكن قلت أن المؤوِّلة يتفاوتون في التأويل ؛ فمنهم الموغل المغرق في التأويل ؛ حتى وصل به الأمر إلى ما سمعتم إلى الجحد المطلق ، ومنهم دون ذلك ، ومنهم أقل وأقل ، ومن هؤلاء الأشاعرة والماتريدية مع الأسف ، فهؤلاء - مثلًا - والكلام يهمُّنا بالنسبة إليهم ؛ لأن جماهير المسلمين اليوم من أهل السنة يتمذهبون بمذهب هذَين المذهبين الأشاعرة والماتريدية ، فهؤلاء - مثلًا - في الآية السابقة : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) لا يتأوَّلون السمع والبصر ؛ لا يقولون كما تقول المعتزلة : سميع بصير يعني عالم ، المعتزلة هكذا ، هم يعني أشد إغراقًا في تعطيل آيات الصفات بطريق التأويل ، فهم لا يقولون : نصف ربَّنا بأن له سمعًا وله بصرًا ، لكن (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ، المعتزلة يقولون : (( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) يعني العليم . طيب ، الله وصف نفسه في غير ما آية بأنه عليم ، فكيف تعطِّلون هذه الآية أو هاتين الصفتين ؟ الماتريدية والأشاعرة سلفهما على الجادة ، قالوا : نقول كما قال ربنا ، (( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) لكن (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )) ، بينما يأتون إلى آيات أخرى وأحاديث أخرى في صفات أخرى فيتأوَّلونها ؛ ليه ؟ قالوا : نخشى من التشبيه ، إما أن تطَّرد هذه الخشية فيصل بكم الأمر إلى الجحد المطلق ، وإما أن تقفوا موقف السلف هاللي أصله عند هذه الآية : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ، هذان مذهبان ؛ مذهب السلف الفَهْم كما يدل على ذلك القواعد العربية مع التنزيه ، السلف التأويل خشية التشبيه ، فوقعوا في كثير من التعطيل .

وُجِدَت طائفة ثالثة أخرى .

عيد عباسي : الجملة الأخيرة : الخَلَف .

الشيخ : الخَلَف نعم ، اللهم اغفر لي .

بيقول المذهب الثالث : هم زعموا يريدون أن يقفوا وسطًا بين هؤلاء وهؤلاء ، وهؤلاء يُسمَّون بالمفوِّضة ، هم لا يفسرون تفسير السلف ولا يؤوِّلون تأويل الخلف ، فإذا قيل لهم : ما معنى : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) مثلًا ؟ الله أعلم بمراده ، (( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )) ؟ الله أعلم بمراده ، وهكذا كل آيات الصفات لسان حالهم يقول : لا نعلم ، لا نعلم ، لا نعلم ، ليه يا جماعة ؟ مفهوم ، (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) ، (( وَجَاءَ رَبُّكَ )) ، (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، (( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ )) إلى آخره ، نحن إذا بدنا نقعد نفسِّر بدنا نؤوِّل ، وإذا أوَّلنا خالفنا السلف ؛ إذًا نقف بين هؤلاء وبين هؤلاء ، هؤلاء مفوِّضة .

وأنا أعرف بتجربتي وقراءتي للبحوث التي تقع في هذا العصر أن أكثر الكُتَّاب الإسلاميين اليوم من غير السلفيين مذهبهم التفويض ، لا يأخذون بمذهب السلف وهو واضح جدًّا ؛ لأن الخلف شوَّهوا أو وهَّنوا وقلَّلوا من قيمة مذهب السلف حينما قالوا : " مذهب السلف أسلم ، ومذهب الخلف أعلم وأحكم " ، بئس ما قالوا ، يقول الخلف : " مذهب السلف أسلم ، ومذهب الخلف أعلم وأحكم " ؛ يعني هذا الكلام السلف وعليهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر وعمر وعدُّوا ما شئتم هدول مثل الدراويش ما فهمانين الفهم الصحيح لهذه الآيات ؛ ليه ؟ لأنُّو الولوج في تفسيرها قد يورِّط المفسر فيقع في شيء من التعطيل أو التشبيه ، أما الخَلَف فقد ابتعدوا عن هذا وهذا ، وجاؤوا بالعلم الدقيق الصحيح في تفسير هذه الآيات ، كيف يمكن أن يُعقل مسلم يعتقد بأن الخلف بجملته هو أعلم في تفسيره لآيات الصفات وأحكم من السلف الصالح ؟! هذا من شؤم الخروج عن منهج السلف .

لذلك نحن نقول دائمًا وأبدًا : نحن ندعو إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ؛ لأن كل المسلمين على ما بينهم من خلاف شديد يدعون إلى الكتاب والسنة إلا المتعصِّبة المقلِّدة في آخر الزمان ؛ فهؤلاء يرضون - أيضًا - دعوة الكتاب والسنة ؛ لأن هؤلاء يخشون من هذه الدعوة مثل ما يخشى المعطِّلة في آيات الصفات من التشبيه فيما إذا أثبَتْنا المعنى الصحيح للآيات مع تنزيهنا لربِّنا - تبارك وتعالى - ، فهؤلاء انحرفوا في آيات الصفات ، وهؤلاء انحرفوا عن الكتاب والسنة جملةً وتفصيلًا ، وقالوا : ما علينا إلا التقليد ؛ لأن الدعوة للكتاب والسنة دعوة خطرة ، يقولون : الذي يدعو للكتاب والسنة ينبغي أن يكون عالمًا ، ويُشترط في حقِّه أن يكون قد جَمَعَ العلوم التي يسمُّونها بعلوم الآلة ، فبيفترضوه أنُّو يكون أعلم يمكن من أبي حنيفة نفسه ، وجَهِلَ هؤلاء أو تجاهلوا بأنه ليس يعني الدعاة إلى اتباع الكتاب والسنة كل واحد يركب رأسه ويجي يفسر الآية أو الحديث بجهله ، وإنما يعني هؤلاء أن كل واحد من المسلمين له مرتبته فهو إما عالم حقًّا فعليه أن يأخذ من الكتاب والسنة ، وهذا لا يعني أن يهدر جميع جهود الأئمة ، بل هو يستعين بها على الفهم الصحيح ؛ أي : إنه يحقِّق في جملة ما يحقِّق مثل قوله - تعالى - : (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )) ، فالذي هو عالم يرجع إلى ما تنازَعَ فيه الناس ويدرس أدلتهم ، فيفتح الله - عز وجل - عليه ويبصِّره ويعرِّفه بالحق الذي اختلف فيه الناس .

ومعنى إباء هؤلاء الرجوع إلى الكتاب والسنة تصريح أو شبه تصريح أن هذه الآية : (( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )) نُسِخَت أُلغِيَت ؛ لأنُّو لا أحد في زعمهم مأمور اليوم بالرجوع إلى الكتاب والسنة عند التنازع ، وإنما يجب الرجوع إلى مذهب واحد ، وليتَهم قالوا : إلى مجموع المذاهب ، هذا حنفي يرجع إلى مذهبه ، هذا مالكي إلى مذهبه ، وهكذا .

خلاصة القول : فالكلام الذي جاء في السؤال نقلًا عن بعض الكُتَّاب الإسلاميين صحيح وسليم بالملاحظة التي سَبَقَ ذكرها ؛ أي : أن نستحضر دائمًا حينما نقرأ هذا النَّصَّ أنه إن كان الكاتب يعني بقوله : يسَعُنا ما وَسِعَ النبي من فهمه لآيات الصفات مع التنزيه ؛ فهذا كلام صحيح ، أما إن كان يعني أن السلف ما فهموا هذه الآيات ولا بحثوا فيها ؛ ففي هذا نسبة لهم إلى الجهل بأعزِّ شيء يتعلَّق بالمسلم ؛ ألا وهو معرفته بربِّه - تبارك وتعالى - .

وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .

مواضيع متعلقة