ما حكم إعطاء مَن لا يستحقُّ الصدقة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم إعطاء مَن لا يستحقُّ الصدقة ؟
A-
A=
A+
الشيخ : جاء في الحديث أنَّ الرجل كان يأتي الرسول - عليه الصلاة والسلام - فيسأله مالًا فيعطيه ، فإذا انطلق السَّائل يتأبَّط المال قال - عليه الصلاة والسلام - لِمَن حوله : ( إنه خرج أو انصرفَ يتأبَّطها نارًا ) . لماذا ؟ لأنه يسأل وليس له حقُّ السؤال ، ومعنى يسأل يعني يشحذ ، يجي يطلب من الرسول - عليه السلام - مال وهو قويٌّ كما قاله - عليه الصلاة والسلام - في حديث صحيح : ( لا صدقة لغنيٍّ ولا لذي مرَّةٍ سويٍّ ) ، ( لغنيٍّ ) واضح ، ( لذي مرَّةٍ ) أي : قوَّة ، ( سويٍّ ) يعني سويِّ الخلق ما هو ناقص لا هو ضرير لا هو مقطوع اليد أو الرِّجْل ، فهذا لا صدقة ، لا يجوز له أن يسأل ولا أن يُتصدَّقَ عليه إلا إذا كان فقيرًا أو إذا كان عاجزًا ، فحينما كان يأتيه الرجل هو من هذا النوع إما غني أو ذي مرَّةٍ سوي يسأل الرسول - عليه السلام - فيتحرَّج - عليه الصلاة والسلام - من أن لا يُعطيَه ، فما يسَعُه - عليه السلام - إلا أن يعطيه ، ولكن مع ذلك يُبيِّن أن هذا السَّائل الذي أخذ ما آتاه الرسول إنما تأبَّط نارًا ؛ لماذا ؟ لأنه سأل ما ليس له حقٌّ فيه ، فيقول الصحابة للرسول - عليه السلام - إذًا لمَ تعطيه ما دمت ترى يا رسول الله أن هذا لا يستحقُّ السؤال وبالتالي لا يستحق الإعطاء ؛ فلماذا تعطيه ؟ في جواب الرسول - عليه الصلاة والسلام - الآتي بيان أنه - عليه الصلاة والسلام - له منزلة ومقام يُسوِّغ له من الأحكام ما يختصُّ بها دون سائر الأنام ، يقول الرسول - عليه السلام - : ( وماذا أفعل ؟ إنَّهم يسألونني ويكره الله لي البخلَ ) .

ومعنى هذا أن مقام النبوَّة يجب أن تكون بعيدةً من أن يُقال فيها ما لا يليق بها ومن ذلك البخل ، فلو أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - كلَّما جاءه سائل من الذين لا يجوز لهم السؤال امتنع من إعطائهم لَنَشَرَ هؤلاء بين الناس إن الرسول - عليه السلام - شحيح وبخيل ؛ بدليل أن فلان جاءه وسأله فلم يعطه ، فلان جاءه فسأله فلم يعطه ، ومثل هذه الإشاعة التي لها ظواهر قد يقتنعُ بها بعض الناس حيث امتنع الرسول من الإعطاء ممَّا لا يُناسب مقام النبوَّة والرسالة ، ولذلك فكان يترجَّح عند الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن يُعطِيَ السَّائل ولو كان غنيًّا ، أن يعطي السَّائل ولو كان مستطيعًا للكسب حتَّى لا يُقال : إنَّه شحيح بخيل .

ومن هنا نستطيع أن نقول : إن غير الرسول - عليه الصلاة والسلام - ليس له هذا الحكم ، وأعني بهذا أنَّ المسلم أنَّ أحدنا إذا سأله سائل يعني جاء شحَّاذ وقال له : من مال الله ، فإذا كان المسؤول يعلم أن هذا السَّائل لا يحقُّ له السؤال وأنه اتَّخذ السؤال والشحاذة مهنة فلا ينبغي أن يُعطيَه ؛ لأنه في إعطائه إيَّاه يساعده على ضلاله ، يساعده على اتِّخاذه السؤال والشحاذة مهنة ، والمساعدة على الباطل باطل ، والمساعدة على الإثم إثم ، كما قال - تعالى - : (( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )) ، أما الرسول - عليه الصلاة والسلام - فله ذاك الحكم خصوصية له من دون الناس ، يعني ما يؤثِّر فينا ولا تتأخَّر دعوة الإسلام إذا أشاع الناس بالباطل أنُّو والله فلان بخيل ، أما الرسول - عليه السلام - الذي هو الدَّاعي الأولى للإسلام فقد تتأخَّر الدعوة بسبب مثل هذه الإشاعة التي تكون قائمة على امتناع الرسول - عليه السلام - من إعطاء من لا يستحقُّ الإعطاء ، فهذا مثال يُساعدنا على فهم هذا العطف في هذا الحديث ، وربَّ متخوِّض في مال الله ورسوله ، هذا المال الذي أعطاه الرسول هو ماله ، ومع ذلك فقد تصرَّف هذا السَّائل في هذا المال تصرُّفًا غير مشروع لأنه أخذه بغير حقِّه .

مواضيع متعلقة