هل لعروض التِّجارة زكاة ؟ وكيف يكون إخراجها ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل لعروض التِّجارة زكاة ؟ وكيف يكون إخراجها ؟
A-
A=
A+
السائل : سؤال يا شيخ على زكاة التجارة ، إذا كان في شخص عنده شركة ويريد أن يزكِّي ، بالنسبة للأصول الثابتة يعني علمنا أنُّو ليس عليها زكاة ، أما البضاعة الموجودة ؛ فكيف تُخرج ؟ يعني هل تُخرج على تكلفة هذه البضاعة أو على سعر البيع أو ، إيش هي الطريقة اللي ؟

الشيخ : عفوًا ، أنا اشتبه عليَّ الكلام ؛ لأنُّو أنت بتقول أنُّو ما عليها زكاة ، بعدين بتسأل عن كيفية إخراج الزكاة ؛ كيف يعني ؟

السائل : الأصول الثابتة اللي هي معني بها - مثلًا - المباني أو المكن هذه ليس عليها زكاة ، الزكاة على البضاعة المُنتجة فهذه تُزكَّى ، فإذا كان عندك بضاعة مخزَّنة فكيف تُخرج يعني ثمنها ، هل بالتكلفة أو بسعر البيع ؟

الشيخ : الآن فهمتك ؛ يعني كلمة الأصول الثابتة فهمتها أنا بالتعبير الفقهي !

الجواب عندي أنُّو عروض التجارة ليس عليها الزكاة التي تستوجب توجيه هذا السؤال ، هذا على القول الراجح من أقوال العلماء والتي دلَّت عليها الأدلة الشرعية ، كثير من العلماء يقولون بوجوب الزكاة على عروض التجارة ، هؤلاء الذين يقولون بهذا الوجوب يُوجبون على صاحب التجارة والعروض أن يقوِّمها في آخر كل سنة ، يقدِّر قيمتها ثم يخرج عن كلِّ مائة اثنين ونصف كما لو كانت نقودًا ، هذا هو طريقة الإخراج عند مَن يقول بوجوب الزكاة على عروض التجارة .

أما الذي نتبنَّاه فهو لا زكاة على عروض التجارة من هذا النوع ، وإنما هناك زكاة مطلقة ؛ أي : صاحب العروض هذه يُخرج منها ما تجود به نفسه دون تحديد كمِّيَّة التجارة التي عنده ودون تقويمها في النهاية ، وإنما يُخرج منها ما تطيب به نفسه ، وهذا إعمالًا للنُّصوص العامة التي تأمر بالإنفاق وتطهير النفوس بالزكاة ونحو ذلك ، أما هذا التَّقنين وهذا التَّصنيف - وهو أنه لا بد من تقويم عروض التجارة في آخر كل سنة ، ثم يُخرج منها من المائة اثنين ونص - هذا رأي واجتهاد ليس عليه دليل من الكتاب والسنة .

السائل : عفوًا يا شيخ .

الشيخ : وأظن . نعم ، بس أظن أعطيتك جواب سؤالك .

السائل : هو الإشكال عندنا إذا كان تدفع الزكاة ، الإشكال بتقويم البضاعة ؛ لأنه البضاعة يعني في ناس تقول أنها تُقوَّم بالتكلفة ، المقصود بالتكلفة سعر البضاعة وما أنفق عليها حتى وصلت إلى المخازن ، أما سعر البيع فيكون مُضاف عليه سعر الربح .

السائل : لا بد .

الشيخ : فعلى أيهما يُقدَّر على التكلفة أم على البيع ؟ لأنه قد تتلف البضاعة وقد لا تُباع ، وقد - مثلًا - ما نستطيع أن ، تظل عندي سنوات ما تباع ، فأنا أدفع سعر البيع اللي أنا لسا ما حصلت عليه ، هنا الإشكال ؟

الشيخ : هذا السؤال في الواقع يُوجَّه إلى مَن يقول بوجوب الزكاة ، لا يُوجَّه إلى مثلي أنا ، لكن أنا إذا أفتيتك بأكون حاكي يعني أحكي عن غيري ، لأني لا أتبنَّاه ، فهم يقولون بغضِّ النظر الربح الذي سيُضاف على التكلفة كما ستقول ؛ يعني هالبضاعة شو كلَّفت ؟ تحسبها مجموعها بالمائة اثنين ونص بتطالع ، أما الربح الذي سيأتيك وقد لا تربح هذا عائد إلى المستقبل ولست مكلَّفًا بذلك ، لكن الشرع والأدلة اللي هي أقوى من أدلة القائلين بوجوب الزكاة على هذه الطريقة التي أشرنا إليها أنفًا ، والأيسر على المُكلَّفين هو أن تُخرج ما تطيب به نفسك من نفس البضاعة .

تفضل ، مين أراد أن يتكلَّم ؟

السائل : في نفس الموضوع يا شيخ ؛ يعني الآن نظرًا للتقدُّم العلمي والحياة اختلفت عن وضع الناس في السابق ، فصار هي قضية ميزانيات ، كل شركة كذا بتسوي ميزانية وتجرد بضاعتها وأحوالها المالية في نهاية كل سنة ، فأتوقع أنُّو يعني - الله أعلم - قد يكون - مثلًا - الرأي الأول اللي هو إخراج الزكاة بناءً على اثنين ونصف في المائة مناسب حاليًّا ، السبب أنُّو الأمور صارت واضحة بالنسبة للتجار يعني ؛ فماذا رأيك يا شيخ ؟

الشيخ : هو - بارك الله فيك - القضية ليست قضية منطقية وعقلية ، القضية قضية عبادة شرعية ؛ لا يجوز للمسلم أن يستنكرها لصعوبتها ولا أن يشرِّعها لسهولتها ، وإنما هو الاستسلام للحكم الشرعي ؛ سواء يعني وافقت الهوى أو خالفت الهوى ، وما بتكون الطاعة والعبادة إلا على هذا الأساس ، (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) .

من المتفق عليه بين العلماء أنَّ الخُضَر ما عليها زكاة ، طيب ؛ المنطق اللي أنت ذكرته أنفًا يرد على الخُضَر ، فهل يقال بأنه يجب عليها الزكاة ؟ لا يقال ؛ لأنه ما دام الشارع ما أوجب فلا يجوز نحن أن نوجب شيئًا ما أوجبه الشارع كما أنُّو العكس لا يجوز ؛ وهو أن نُسقِطَ شيئًا أوجبه الشارع ، ثم الذين قالوا بالنسبة اللي ذكرناها بالمئة اثنين ونصف قالوها في القرون الأولى حيث لم تكُنْ هذه الحسابات الدقيقة التي أشرت أنت إليها آنفًا ؛ لأنُّو الجواب واضح أنُّو الإنسان يحسب بقدر استطاعته في الزمن الأول يعني حيث لا توجد الآلات الحسيبة هذه ، هذا لا يُسقط الوجوب فيما لو ثبت ؛ لكن الجواب الجذري الحقيقي هو أنَّه لم يثبت في الزكاة المقنَّنة على كلِّ الأموال وإنما على بعض ، ففي حديث معاذ بن جبل أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما أرسله إلى اليمن قال له : ( لا تأخُذِ الصدقة إلا من هذه الأربع ؛ من القمح ، والشعير ، والزبيب ، والتمر ) ، في عدس في ذرة في كذا أشياء أخرى ، قال : لا تأخذ ، وكثير من الناس يتوهَّمون أن هذا التقييد للأموال التي وجبت الزكاة عليها فيها يعني إجحاف في حقِّ الفقير ، وأنا أعتقد أنُّو الأمر لو كان كذلك فلسنا نحن مكلَّفين بأن نحكِّم عقولنا ؛ لأنُّو الشرع من الله وليس من عندنا ، لكن أنا أعتقد أن العكس هو الصواب ؛ لأنُّو عروض التجارة حينما لا يجب الزكاة عليها .

إذا أردنا أنُّو نصوِّر الآن تاجرين أو بالمعنى الصحيح غنيَّين ، أحدهما قد كَنَزَ ماله ولا يُشغله ، والآخر أشغله بالتجارة ؛ كلاهما يخرج الزكاة التي يراها واجبةً عليه ، الأول ما في خلاف بين المسلمين أنُّو المال المكنوز عليه زكاة بالمئة اثنين ونصف ، هذا أمر مُجمَع عليه .

الثاني التاجر فيه الخلاف الذي ذكرناه آنفًا ، لكن نفترض أنُّو هو يُخرج الزكاة ، والفرضية الثانية اللي يتبنَّى مثل رأينا هذا لا يخرج الزكاة ، الآن نحن نقابل بين التاجر الذي لا يُخرج الزكاة وبين الغنيِّ الذي كنز ماله ، أيُّ الرجلين أنفع اقتصاديًّا للفقراء والمساكين ؟

الحاضرون : اللي استثمر ماله .

الشيخ : نعم ؟

السائل : اللي استثمر ماله .

سائل آخر : اللي شغَّل ماله .

الشيخ : اللي شغل ماله ، أحسنت .

السائل : اللي أنفع للمجتمع .

الشيخ : إي .

السائل : اللي أكنز ماله .

سائل آخر : لا ، اللي شغَّله .

الشيخ : لا ، بالعكس .

السائل : لأنُّو سوف يخرج عن زكاته اثنين ونصف .

الشيخ : بارك الله فيك ، اللي كنز ماله راح يخرج من المئة اثنين ونصف .

السائل : لا ، مش ح يخرج شيء .

الشيخ : بارك الله فيك ؛ نحن ليش طرحنا هذا السؤال ؟ لأنُّو المسألة تحتاج لشيء من التأني ، ذاك لا يخرج شيئًا لكن طرح ماله في السوق ، فشغَّل مئات الأفراد من الناس ، فهو بهذا الاعتبار أنفع للناس للفقراء والمساكين من ذاك الذي يخرج بالمئة اثنين ونصف من ماله المكنوز ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى المال الذي يُؤخذ بكدِّ اليمين وعرق الجبين أحلُّ وأطيب وأزكى من الآخذ من ذاك الذي يأخذه صدقة ؛ ولذلك عندنا حديثان يتناسبان مع المقام ، الحديث الأول : ( اليد العليا هي المُعطية ، واليد الدنيا هي الآخذة ) ، فهذا الفقير لمَّا بيأخذ من الغني بالمئة اثنين ونصف يأخذها بمذلَّة بمَسْكنة ، أما ذاك الذي يأخذها عن - كما قلنا - عرق جبين وكسب يمين يأخذها بعزَّة نفس وبحقٍّ ، هذا الحديث الأول .

الحديث الثاني : (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ )) الآية (( صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا )) ، كان من حكمة كون الزكاة تطهِّر أن الشارع الحكيم تشريف لآل الرسول ولأهل بيته حرَّم عليهم الصدقة ، وعلَّل ذلك بقوله : ( إنما هي أوساخ الناس ) .

إذًا إذا تصوَّرنا هالرجلين هدول غني كَنَزَ ماله وأخرج زكاته وغنيًّا طرحَ ماله في السوق هذا بلا شك من الناحية الاقتصادية أنفع من ذاك ، فلا ينبغي أن نقول : إي هون في إجحاف وفي ظلم للفقراء والمساكين ، ليس الأمر كذلك ، هذا الذي يبدو لنا والله أعلم ، وهذه في الحقيقة ممكن نسميها فلسفة ؛ لأنُّو كلام منطقي وعقلي يجوز يطلع واحد متفلسف أكثر مني بيخرب عليَّ ؛ لكن نحن إن تفلسفنا ، تفلسفنا إذا صح التعبير بعد الاستناد على النصوص الشرعية ، النصوص الشرعية كما سمعتم لا تأخذ الصدقة إلا من كذا وكذا ، والنَّصُّ العام اللي خطب الرسول - عليه السلام - به في المجتمع الأعظم اللي هو في عرفة كما معلوم وهو قوله - عليه السلام - : ( إنَّما أموالكم ودماؤكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، في عامكم هذا ؛ اللهمَّ هل بلغت اللهم فاشهد ) .

فإذًا الأصل في الأموال الحرمة كالدماء ، فلا يجوز أن يُحكم بقتل نفس مسلمة إلا بحجَّة شرعية ، ولا يجوز أخذ مال من إنسان إلا بحجَّة شرعية ، وهذه الحجة لا وجود لها في الشريعة .

نعم .

مواضيع متعلقة