هل هناك زكاة على عروض التجارة.؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل هناك زكاة على عروض التجارة.؟
A-
A=
A+
السائل : سؤال حفظك الله ، عروض التجارة ، معلوم الخلاف بين أهل العلم في حكم الزكاة فيها ، وقول الجمهور في وجوب الزكاة في عروض التجارة, والقول الآخر بوجوب الزكاة عموماً من غير حول ولا نصاب, وقول الجمهور بوجوب الزكاة حولاً ونصاب ، السؤال : نريد تحرير المسألة على ضوء الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح لهذه المسألة بحيث أن نخرج بها متيقنة قلوبنا بهذا القول الصحيح؟.

الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :

فمن المعلوم عند أهل العلم قاطبة أن الأصل في الأموال كما هو الأصل في الدماء وفي الفروج ، ألا وهو الحرمة ، وأنه لا يجوز إيجاب شيء من هذه الأمور الثلاثة إلا بنص من كتاب الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أو بإجماع متيقن من علماء الأمة ، وفيما علمت واطلعت عليه ووقفت ، لم أجد دليلاً مما يعود إلى هذه المصادر الثلاثة على ما ذهب إليه أكثر العلماء من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين من إيجاب الزكاة على عروض التجارة بالشرطين المذكورين آنفاً في سؤالك ، ألا وهو أن يبلغ النصاب أولاً ثم أن يحول عليه الحول ثانياً ، وشيء ثالث يقولونه أنه إذا تحقق هذان الشرطان في شيء من عروض التجارة فلا بد من تقويم هذه العروض في آخر كل سنة بعد أن حال الحول , فبعد التقويم يخرج من القيمة المقدرة بالمئة اثنين ونصف كما هو الشأن في زكاة النقدين، مثل هذا التفصيل لم نجده منصوصًا كما ذكرنا آنفا في الكتاب والسنة وإجماع الأمة. إذا كان الأصل ما ذكرنا، فنحن موقفنا موقف المنهج من أن يفرض زكاة على أموال التجارة بكيفية وتقييد لم يرد لهما ذكر في مصدر من تلك المصادر، لكن لا يخفى على كل باحث أو عالم أن هناك نصوصا عامة تأمر بإخراج الزكاة, وبتطهير النفوس بإخراج الزكاة نصوص عامة، ثم هناك نصوص خاصة بينت ما هي الأشياء التي يجب عليها الزكاة, وما هي المقادير التي تجب سواء ما كان منها متعلقا بالنقدين كما سبقت الإشارة آنفا أو ما كان منها متعلقًا ببعض الحيوانات الأهلية كالغنم والبقر والإبل, أو كان متعلقًا ببعض الثمار ونحو ذلك.

هناك نصوص تتعلق ببيان ما يجب على هذه الأنواع, فنحن نقول نلتزم هذه النصوص وننفذها, ولا نزيد عليها استعمالا للنظر أو القياس لأن هناك ما يمنع منه, ألا وهو ذاك الأصل الذي قدمت ذكره في مطلع هذه الكلمة. لا سيما وقد جاء في بعض الأحاديث ما يؤكد هذا الأصل, كمثل حديث معاذ

بن جبل رضي الله تعالى عنه حينما أرسله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن داعية ومبشرًا ومعلمًا قال له عليه الصلاة والسلام : ( لا تأخذ الصدقة إلا من هذه الأنواع الأربعة فذكر القمح والشعير والتمر والزبيب ) فإذن قوله : ( لا تأخذ ) تأكيد لتلك القاعدة أن الأصل في الأموال المنع والحرمة, إلا في ما جاء فيه النص, وانضم إلى هذا أحاديث أخرى تصرح فتقول مثلا في الحديث المتفق عليه ألا وهو قول عليه الصلاة والسلام : ( لا صدقة على عبد الرجل ولا على فرسه ) فوصل بنا الحديث إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا صدقة على عبد رجل ولا على فرسه ) أو كما قال عليه السلام, والحديث في الصحيحين, ولذلك لما جاء بعض التجار من الشام إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه, ومعهم خيل للبيع للتجارة, قالوا له : " يا أمير المؤمنين خذ منا زكاتها قال رضي الله تعالى عنه : أنه لم يفعل ذلك صاحباي من قبلي, فألحوا وألح, وكان في المجلس علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين خذها منهم على أنها صدقة من الصدقات, فأخذها فطابت قلوبهم " فهذا دليل على أن الخيل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحديث في مسند الإمام أحمد, ففيه بيان أن الخيل التي كانت تربى وتشرى من أجل المتاجرة بها أنه لا زكاة عليها, أي كما فرض عليه السلام الزكاة على الحيوانات الأخرى التي سبق ذكرها كالغنم والبقر والإبل, إلى هنا ينتهي بيان ما عندي جوابًا عن ذاك السؤال.

ولكن يظن كثيرًا من الفقهاء المعاصرين إن لم أقل من المتفقهة, لأن أكثر هؤلاء المعاصرين لم يتفقهوا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وإنما إن كانوا قد تفقهوا فتفقهوا بما قرأوه في الكتب الفقهية التقليدية المذهبية, التي تفرض على قارئها وعلى المتفقه بها أن يلتزمها دون أن يعرف دليل أصحابها, وخير من هؤلاء من يتفقه على المذاهب الأربعة, وهو مما يسمى اليوم بالفقه المقارن, فيقرأ قول هذا المذهب وذاك المذهب ووو يعيش في اختلافات, ثم ينقل رأي كل مذهب مقرونًا بالدليل الذي يذكره المذهب دون أن يدرس هذه الأدلة على ضوء الأصول العلمية من أصول الحديث أو أصول الفقه أو مثلا لا يُعمل أصلا من أصول الفقه, عام وخاص ومطلق ومقيد ونحو ذلك, لما يكون قد قرأه في علم الأصول ودرسه, وربما قتله بحثا نظريًا ولكنه لم يطبق ذلك عمليًا, كذلك ما يتعلق بالأصل الآخر ألا وهو أصل علم الحديث وأصوله, فهو مثلا حينما ينقل أدلة كل قول أو مذهب لا يجري عليها التحقيق العلمي, فيقول هذا حديث صحيح وهذا حسن وهذا ضعيف ونحو ذلك, والذي يقعون فيه اليوم أنهم لسهولة ما يذهبون إليه ويقعون فيه, يراعون ما يسمونه بالمصلحة, وذلك يغنيهم عن أن يجهدوا أنفسهم وأن يطبقوا الأصول العلمية المشار إليها آنفا, ثم إذا رأوا المصلحة فماذا يراعون أمصلحة الفقير أم مصلحة الغني أم المصلحتين المتعلقتين بكل من الفريقين ؟. إنما هي مصلحة واحدة, أما الشارع الحكيم فقد رأى مصلحة الفريقين, وهذا هو الفرق بين حكم الشارع الحكيم ونظر الناظرين والرائين من أهل الرأي, هذا أريد أيضًا أن ألفت النظر إليه.

وشيء آخر وأرجو أن يكون هو الأخير, هؤلاء الرائين والناظرين والذين يبحثون في مصلحة الفقراء والمساكين, هؤلاء ينظرون إلى المسألة التي نحن في صدد الكلام حولها, ينظرون إليها بعين واحدة, وهاكم البيان, يقولون : ليس من مصلحة الفقراء والمساكين ولا هو مما يدل على ذلك حكمة أحكم الحاكمين, أن يكون الرجل عنده الملايين المملينة قيمة عروض التجارة أن لا يفرض عليها الزكاة, ففيه تحريم الفقراء والمساكين من أن يحصلوا على حقهم المعلوم والمذكور في عموم قوله تعالى : (( وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم )) وجوابي على هذا من ناحيتين اثنتين, ولعلنا ننتهي من بيانهما من الكلام حول هذه المسألة, لنتلقى ما قد يرد علينا من إشكالات أو شبهات أو اعتراضات, الجواب الأول: أننا نحن نتمسك بالأصل العام الذي سبق الإشارة إليه في أول الكلام, فنقول: يجب على هؤلاء الأغنياء بعروض التجارة زكاة منها نفسها, لتحقيق الغاية المفروضة التي من أجلها فرضت الزكاة بكل أنواعها وأشكالها, كما أشار إلى ذلك ربنا عز وجل في القرآن الكريم بقوله : (( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها )) فإذا على كل غني عنده عروض للتجارة أن يطهر نفسه مما أحضرت عليه الأنفس, ألا وهو الشح كما قال عز وجل : (( وأحضرت الأنفس الشح )) أن يطهر نفسه من هذا الشح بأن يخرج ما تطيب به نفسه زكاة واجبة عليه لكي يطهر نفسه من دنس البخل والشح, هذا الجواب الأول, فلا يفهمن أحد أن الأغنياء بعروض التجارة أن لا زكاة عليها مطلقا, لأن بحثنا إنما هو ألا زكاة عليها مقننة لما سبق بيانه في أول الكلام, أما الزكاة المطلقة فلابد منها كما قال تعالى : (( وآتوا حقه يوم حصاده )) هذا الحق قسم منه مطلق فيجري على إطلاقه, وقسم منه مقيد كما جاء بيانه في السنة وفي كتب الفقه أيضًا على خلاف بينهم في بعض الفروع.

أما الأمر الآخر فأنا أقول والواقع يؤكد ذلك: أن من حكمة أحكم الحاكمين أن الله عز وجل فرض على المال المكنوز زكاة معينة بنصاب معلوم ما دام هذا المال مكنوزا, ولم يفرض مثل هذه الزكاة على هذا المال الذي كان مكنوزا وتحول إلى عروض تجارة, في ذلك حكمة بالغة لأن الفائدة الكبرى بالنسبة للفقراء والمساكين, بل وبالنسبة للمجتمع الإسلامي ككل تتحق بعدم فرض الزكاة هذه المقننة على هذه الأموال التي معروضة للتجارة أكثر بدليل أن هذا المال المكنوز حينما يتحول إلى تجارة في ذلك تحريك هذه الأموال, وتشغيل الفقراء والمساكين, فيكون تكون فائدتهم أولا أكثر من هذه النسبة المئوية التي تفرض على الأموال المكنوزة من الذهب أو الفضة, ثم تكون -ويرحمك الله- أشرف وأطهر لهم كما أشار إلى ذلك عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف : ( اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هي المعطية واليد السفلى هي الآخذة ) وكما قال في الحديث المعروف أيضًا : ( أطيب الكسب كسب الرجل من عمل يده وأن أولادكم من كسبكم ) فإذن تحول المال المكنوز إلى عروض تجارة ذلك أنفع للمساكين وأشرف لهم لأنهم يأخذونه بكسب يمينهم, هذا ما عندي والآن نسمع ما عندكم.

مواضيع متعلقة