أليس هناك مبالغة في أن يُقال عن " ابن حزم " : إنه جهميٌّ جلد كما جاء ذلك عن " ابن عبد الهادي " ، وقد أوردتم هذا في " الصحيحة " لديكم ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
أليس هناك مبالغة في أن يُقال عن " ابن حزم " : إنه جهميٌّ جلد كما جاء ذلك عن " ابن عبد الهادي " ، وقد أوردتم هذا في " الصحيحة " لديكم ؟
A-
A=
A+
السائل : الإمام " ابن حزم " - رحمه الله - اللي ذكره " ابن عبد الهادي " نقلته في " السلسلة " بأنه يقول : بأنه جهمي جلد ، وعندنا قول ابن القيم في الجهمية الذين قالوا بخلق القرآن :

" فلقد تقلَّد كفرهم خمسون في *** عشر من العلماء " ؛ كيف يُجمع بين هذا وهذا ؟

الشيخ : شُغل بالي بقولك الذي نقلتَه ؛ لأني ظهر لي فيه شيء من الخطأ ؛ فأرجو أن تعيد عليَّ ، من القائل : جهميٌّ جلدٌ ؟ ومن المَقول فيه ذاك ؟

السائل : القائل " ابن عبد الهادي " .

الشيخ : فيمن قال ؟

السائل : " ابن حزم " .

الشيخ : " ابن عبد الهادي " هو القائل ؟

السائل : نعم .

الشيخ : ولَّا هو المقول فيه ؟

السائل : لا ، هو القائل .

الشيخ : والمَقول فيه ؟

السائل : " ابن حزم " .

الشيخ : " ابن حزم " ، صحيح . والعبارة الثانية ؟

السائل : " ابن القيم " .

الشيخ : إيش قال ؟

السائل : " ولقد تقلَّد كفرهم خمسون في *** عشر من العلماء في البلدان "

الشيخ : ارفع صوتك يا أخي ، عم يغيب عنِّي شيء من صوتك .

السائل : " ولقد تقلَّد كفرهم خمسون في *** عشر من العلماء في البلدان "

الشيخ : طيب ؛ مين هنّ ؟

السائل : على الجهمية والذين يقولون بخلق القرآن .

الشيخ : أيوا ، فأنت سؤالك الذي سمعتُه جيِّدًا ؛ ما التوفيق بين هذا وهذا ؟

السائل : إي نعم ، كيف نجمع بين هذا وهذا ؟

الشيخ : وين التَّعارض ؟

السائل : أنا الآن .

الشيخ : ينبغي أن يُقال في السؤال : أليس في هذا مبالغة فيما يتعلَّق بـ " ابن حزم " ؟ أما ما في تعارض بين القولين حتى تقول : كيف التوفيق ؟

السائل : ... ابن حزم الآن إذا كان يقول بأنَّه جهمي جلد ، وابن القيم ينقل خمس مئة عالم ؛ يعني منتسب للجهمية ، كيف نقول بأن ابن حزم يعني ليس من ... ؟

الشيخ : كيف نقول أن ابن حزم إيش ؟

السائل : ليس بكافر .

الشيخ : إي ، هذا الذي بأقول لك ، بأقول لك أنا : صحَّة السؤال أنُّو : أليس هناك مبالغة في أن يُقال في ابن حزم : إنه جهميٌّ جلد ؛ لأنُّو هذا يساوي أنه كافر !

السائل : نعم .

الشيخ : طيب ؛ وهذا من جملة أولئك الكفار في حدِّ تعبير ، وهل هناك تعارض ؛ حتى يكون سؤالك : كيف التوفيق ؟ فالسؤال ساقط ، وإنما الحقيقة أنُّو كيف يُقال في ابن حزم بأنه جهميٌّ جلد ؛ وبخاصَّة أنُّو ابن القيم كفَّر الجهميين ؟!

السائل : نعم .

الشيخ : وضح الآن ؟ لأنَّ السؤال كان خطأً ؟

السائل : نعم .

الشيخ : طيب ؛ الجواب : فكنَّا تكلَّمنا في بعض مجالسنا في هذه الرحلة أنَّ من الخطأ الشائع بين المسلمين اليوم علمائهم إلا مَن عَصَمَ الله منهم جعلُ الدين أو تقسيمُه إلى قسمين ؛ أصول وفروع ، ويفرِّعون على هذا التقسيم أن الخطأ في الأصول كفر ، والخطأ في الفروع مُغتفر ؛ هذا التقسيم لا أصل له ، وهذا هو الذي يشرحه ابن تيمية - رحمه الله - في بعض كتبه شرحًا وافيًا جدًّا .

الخطأ الذي يكفر به المسلم لا يتعلَّق بكونه في العقيدة دون الفروع ، بل يتعلَّق بأن يتبيَّنَ له الخطأ ثم يصرَّ عليه عقيدةً وليس عملًا ، ولما كانت الأحكام فيها عمل ، والعمل قد يصحبه عقيدة سيِّئة ، وقد لا يصحبه عقيدة سيِّئة ، أما القسم الأول قسم العقائد فليس فيها عمل ؛ فإذا تكلَّم أحد العلماء بعقيدة خالفَ فيها نصَّ الكتاب والسنة في وجهة نظر الآخرين ؛ فهل يُكفَّر أم لا يُكفَّر ؟ كما لو أخطأ في حكمٍ عمليٍّ ؛ مثلًا لعلكم تعرفون بعض العلماء الموقَّرين يرون أنَّ الخمر ليس كلُّ خمر حرامًا ؛ خلافًا للحديث الوارد في " صحيح مسلم " : ( كلُّ مسكرٍ خمر ، وكلُّ خمرٍ حرام ) ، بل يفصِّلون فيقولون : ما كان مستنبطًا من الخمر من العنب ؛ فهذا قليله وكثيره حرام ، وما كان مستنبطًا من غيره ؛ فكثيره المسكر هو الحرام ، أما قليله فحلال ، هذا وُجِد في العراقيين مَن قال مثل هذا القول ، وهو مُصادم لقوله - عليه السلام - : ( ما - أي : كلُّ ما - أسكر كثيره فقليله حرام ) ؛ فهل يُكفَّر مثل هذا المخالف ؟

الجواب : لا ؛ لأنه صدر منه اجتهاد ، لكن لو جئنا إلى الخمر الذي اتُّفق على تحريمه ؛ فاستحلَّه مستحلٌّ بقلبه ؛ هذا ارتدَّ عن دينه ؛ مع أنه حكمٌ ليس عقيدةً ، ولكن آنفًا أظن قبل ما أن يأتي كثير منكم كنَّا نبيِّن خطأ مَن يفرِّق في وجوب الأخذ بحديث الآحاد بين ما إذا كان فيه عقيدة أو كان في العقائد فلا يجوز الأخذ به بخلاف الأحكام ؛ فقد أثبتنا بشيء من التفصيل والبيان أنَّ كل حكم شرعي يتضمَّن عقيدةً لا بد أن يتديَّن المسلم بها ، وإلا لم يكُنْ قوله بما تضمَّنه هذا الحكم مفيدًا له ؛ لأنه أي حكم هذا حرام ، فالحرام يجب أن يكون في قلبه معتقدًا حرمتَه ، فإذا لم يعتقد ذلك فلا قيمة لهذا الحكم حين ذاك ، فأقول : فإذا نقلنا موضوع الخمر من غير العنب - وفيه ذاك الخلاف الذي أشرتُ إليه آنفًا - إذا الخمر المُجمَع على تحريمه ، وصرَّح أحد المسلمين أنُّو هذا ليس بحرام كما هو الشأن في خمر غير العنب ؛ لا شك أنُّو هو باعتقاده في هذا الحكم أنه غير حرام قد كفر ؛ لماذا ؟ لأن هذا الحكم تضمَّن - كما قلنا آنفًا - عقيدةً ؛ فحينئذٍ ننتقل إلى نصٍّ فيه عقيدة وليس فيه حكم ؛ كما هو يعني في موضوع ما نحن فيه آنفًا فيما يتعلَّق بالجهمية الذين أنكروا كثيرًا من صفات الله - عز وجل - الثابتة في الكتاب ؛ فضلًا عن السنة .

فالآن لندخُلْ في صميم الموضوع ؛ من أنكر عقيدةً ما وهو يعتقد أن هذه العقيدة قد جاءت عن الله ورسوله فهو كافر ، ولا نقول عنه فقط : جهميٌّ جلدٌ ؛ بل وكافر مرتدٌّ عن دينه ، ولكن إذا كان لا يغلب على ظنِّنا على الأقل أنَّ هو حينما وقع في هذا الإنكار وفي هذا الجحد لصفةٍ من صفات الله - عز وجل - إنَّما وقع في ذلك خطأً وتوهُّمًا وليس قصدًا ؛ فحين ذاك لا يلزم مِن قولنا فيه : إنه جهميٌّ جلد أنه كافر ، وعلى العكس من ذلك ؛ إذا قلنا في أحد : إنه كافر جهميٌّ جلد ؛ هذا لا يحتمل أيَّ معنى آخر سوى التكفير ، أما مجرَّد قولنا فيه : جهميٌّ جلد ؛ فهذا لا يعني أنه كافر .

لعلك وصلت إلى الجواب عن سؤالك ؟

السائل : شيخ ، الآن عندنا الجهمية .

الشيخ : أنا سألتك ؟

السائل : نعم .

الشيخ : طيب ؛ أرحتَني جزاك الله خير [ الجميع يضحك ! ] . قل الآن ، استدرك ما شئت .

السائل : الآن شيخ ، عندنا الجهمية الآن ما ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه إلَّا من أجل التأويل والخطأ ، وإنما أنكروا الأسماء والصفات .

الشيخ : إلا من أجل التأويل والخطأ ، أنت زدْتَ عليَّ شيئًا ؟

السائل : لا ؛ يعني إذًا ما ننكر .

الشيخ : تأنَّ ؛ زدْتَ عليَّ شيئًا ؟

السائل : لا ، ما زدْتُ شيئًا .

الشيخ : إذًا ، ما محلُّ ذلك الاستدراك من الإعراب ؟

السائل : الاستدراك كان كلامك الأول منصبٌّ إلى ابن حزم ، وكلامي منصبٌّ إلى الجهمية .

الشيخ : طيب ؛ يعني أنت مشيت معي وسَّعت الدائرة ؛ أكذلك ؟

السائل : نعم .

الشيخ : طيب ؛ أنا أقول كلمة عامة : كلُّ من وقع في التجهُّم بعد أن تبيَّنت له الحجة أنه على ضلال وأصرَّ فهو كافر ، لكن تعيين فلان هذا موضع اجتهاد ، فابن حزم هل يقول باحث مسلم يعرف قيمة هذا الإمام وعلمه وفضله و و إلى آخره كـ " الجعد " الجهمي ؛ هل يسوِّي بينهما ؟ فمن ذلك تأخذ الفرق ولا تستطيع أن تقيس وتقول - مثلًا - : لماذا يقال عن " الجعد " : إنه كافر وقُتل أو ذُبح على كفره ، وهذا ابن حزم إمام من أئمَّة المسلمين وهو يشترك معه في ذلك ؟ ذلك لأنَّ هذا ينفكُّ بعلمه وفضله بالكتاب والسنة عن ذاك ، وإن كان يشترك معه في ضلالة من الضَّلالات ، لكن هذا لا يُلزمنا أن نحكمَ عليه بنفس الحكم الذي صدر عن غيره ممَّن لا يُعرف عنه له جهاد في العلم بالكتاب والسنة .

هذا ما لديَّ عندي جوابًا عن ذاك السؤال .

تفضل .

السائل : فضيلة الشَّيخ ، ما المرجع الذي تنصحون بالرجوع إليه منشان موضوعنا ؟

مواضيع متعلقة