عن عُيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أنَّه كان في جَنازَة عُثْمانَ بْنِ أبي العاص - رضي الله عنه - ، وكنَّا نَمْشي مشيًا خَفيفًا ، فلَحِقَنا أبو بَكْرةَ - رضي الله عنه - فرفَع سَوطَه ، وقال : " لقد رأَيتُنا ونحنُ معَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - نَرمُلُ رَمَلًا " . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
عن عُيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أنَّه كان في جَنازَة عُثْمانَ بْنِ أبي العاص - رضي الله عنه - ، وكنَّا نَمْشي مشيًا خَفيفًا ، فلَحِقَنا أبو بَكْرةَ - رضي الله عنه - فرفَع سَوطَه ، وقال : " لقد رأَيتُنا ونحنُ معَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - نَرمُلُ رَمَلًا " .
A-
A=
A+
الشيخ : الحديث الثاني وهو حديث صحيح ، وهو يُبيِّن الطريقة الإسلامية التي ينبغي أن يُسار ويُنطلق بالجنازة ، فيقول المصنف - رحمه الله - : وعن عقبة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه كان في جنازة عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - - صحابي معروف - وكنا نمشي مشيًا خفيفًا ، فلحقنا أبو بكرة - رضي الله عنه - فرفع صوته ، وقال : " لقد رأيتُنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نرمل رملًا " . رواه أبو داود والنسائي ، وهو - كما قلنا - حديث صحيح .

أوَّلًا : في هذا الحديث أن السنة تشييع الميت على الأكتاف وعلى الأقدام ، وثانيًا : أنه لا يجوز التباطؤ بها ، وهذا من الصور التي شَرَعَها الشارع الحكيم لتحقيق الأمر السابق : ( أسرعوا بالجنازة ) ، حتى في السير ليس من السنة السير بها خطوة خطوة وئيدًا بطيئًا ، وإنما رَمَلًا ، ومع الأسف الشديد هذه السنة أُمِيتَت قبل السيارات ، قبل بداية تشييع الميت على السيارة ؛ ذلك سببه هو غفلة الناس وجهلهم بسنة النبي - عليه الصلاة والسلام - ، وهذا سببه يعود إلى أمرين اثنين ؛ يعني الجهل بالسنة التي منها السير بالجنازة رملًا لا مبطئين ولا مسرعين ، ما هو سبب هذا الجهل ؟

أوَّلًا : إهمال جماهير المسلمين المتفقِّهين دراسة السنة ، فقنعوا واستعاضوا عنها بدراسة كتب الفقه ، نحن حينما نلفت النظر إلى هذه الحقيقة المرَّة التي فيها إعراض المسلمين عن دراسة سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا نعني - كما قلنا ذلك مرارًا وتكرارًا ، وخلافًا لِمَا يُشيع عنَّا بعض الناس - ؛ لا نعني أنه لا ينبغي قراءة كتب الفقه وكتب العلماء والفقهاء ، لكنَّنا نعني شيئًا هو الذي ينبغي أن يهتمَّ المسلمون به أكثر وأكثر من دراسة الفقه التقليدي ، نعني أننا حينما ندرِّس أو ندرُس الفقه ينبغي أن نتَّخذ ذلك وسيلة وليس غاية ، وسيلة لنتعرَّف منها الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب والسنة ، ولا يجوز لنا بوجهٍ من الوجوه أن نجعَلَ دراسة الكتب الفقهية غاية ليس وراء ذلك دراسة ، الذين يفعلون هكذا يدرسون الفقه ولا يدرسون الكتاب والسنة هذا الذي نحن ننكره ، وننقم عليه أشد نقمة ؛ لأنه يصدق في أمثال هؤلاء قولُ الله - تبارك وتعالى - ولو في غير هذه المناسبة : (( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ )) ، هل هناك مسلم مهما كان عريقًا في الجهل يستطيع أن يقول : إن كتب العلماء والفقهاء خير وأفضل وأنفع وأفقه من كلام الرسول - عليه السلام - وحديثه ؟ ما أظن مسلمًا يرى هذا في منامه ؛ فما بالنا أعرَضْنا عن الذي هو خير إلى ما هو دونه في الخير ؟! هذا الذي نريده وهذا السبب وهو الانصراف عن دراسة السنة يُعطينا هذه النتائج السيئة ؛ وهو الإهمال لتطبيق السنن في كثير من شؤوننا الحياتية .

السبب الثاني : هو أننا نعلم أن بعضهم يدرسون السنة ، ولكن - مع الأسف - إنهم يصرِّحون فيقولون : نحن لا ندرسها تفقُّهًا ، وإنما للبركة ، وهذا الكلام إذا لم يسمَعْه بعضكم فلا بد أنه لمس أثره في حياته ؛ ذلك لأنه لا يوجد فيهم مَن يقول في حكم ما : قال الله قال رسول الله ؛ إلا إذا كان هذا الحكم موافقًا لمذهبه ، أما أن يستدلَّ بآية أو بحديث قال به إمام من أئمة المسلمين ، لكن هو لم يتَّخذ هذا الإمام إمامًا له ؛ فهذا مما لا وجود له في هذا الزمن .

إذًا سبب الجهل بالسنة يعود إلى أمرين ؛ الأمر الأول : عدم دراستها ، والأمر الثاني : أنه إن وُجِدَ مَن يدرسها فتلك دراسة كما يصرِّحون للبركة وليس للتفقُّه في الدين ؛ أي : إنهم قد حرَّموا أنفسهم خيرًا كبيرًا نصَّ عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث معاوية بن أبي سفيان ومن حديث المغيرة بن شعبة : ( مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يفقِّهْهُ في الدين ) ، فالفقه في الدين هو كما قال ابن قيم الجوزية - رحمه الله - :

" العلمُ قالَ اللهُ قالَ رَسولُهُ *** قالَ الصحابةُ ليسَ بالتَّمويهِ

ما العلمُ نصبَكَ للخلافِ سفاهةً *** بين الرَّسولٍ وبين رأيِ فقيهِ

كلَّا ولا جحدُ الصِّفاتِ ونفيُها *** حَذَرًا من التعطيلِ والتشبيهِ "

إذًا نتيجة أخرى طبيعية من سنن الله - عز وجل - الكونية أن يفقد الناس العمل بالسنة لعدم دراستهم إيَّاها مطلقًا ، أو لدراسة بعضهم إيَّاها تبرُّكًا وليس تفقُّهًا . وفي هذا ذكرى .

إذًا أدب تشييع الجنازة يكون أوَّلًا أن تُحمل على الأكتاف ، وأن يسير حاملوها رَمَلًا ، وليس خطوة خطوة ، وليس بسرعة بحيث تهتزُّ الجنازة في نعشها ، وإنما كما قال - تعالى - في غير هذه المناسبة - أيضًا - : (( وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا )) ، فالرَّمل لا يزعج الميت في نعشه ، ولا هو - أيضًا - بطيء بحيث يؤخِّر الخير عن الجنازة حينما تكون صالحة ، ويُبطئ بالناس عن وضع الشَّرِّ عن أكتافهم حينما تكون طالحة .

مواضيع متعلقة