شرح حديث الحكم بن فروخ : صلى بنا أبو المُلَيح على جنازة ، فظنَنَّا أنه قد كبَّر ، فأقبل علينا بوجهه ، فقال : أقيموا صفوفكم ، وَلْتحسُنْ شفاعتكم . قال أبو المُلَيح : حدثني عبد الله ، عن إحدى أمهات المؤمنين وهي ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قالت : أخبَرَني النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( ما من ميِّتٍ يصلي عليه أمَّة من الناس إلا شُفِّعوا فيه ) ، فسألت أبا المُلَيح عن الأمة ؟ قال : أربعون . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح حديث الحكم بن فروخ : صلى بنا أبو المُلَيح على جنازة ، فظنَنَّا أنه قد كبَّر ، فأقبل علينا بوجهه ، فقال : أقيموا صفوفكم ، وَلْتحسُنْ شفاعتكم . قال أبو المُلَيح : حدثني عبد الله ، عن إحدى أمهات المؤمنين وهي ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قالت : أخبَرَني النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( ما من ميِّتٍ يصلي عليه أمَّة من الناس إلا شُفِّعوا فيه ) ، فسألت أبا المُلَيح عن الأمة ؟ قال : أربعون .
A-
A=
A+
الشيخ : الحديث الرابع قال : وعن الحكم بن فروخ - هذا حسن الإسناد - صلى بنا أبو المُلَيح على جنازة ، فظنَنَّا أنه قد كبَّر ، فأقبل علينا بوجهه ، فقال : أقيموا صفوفكم ، وَلْتحسُنْ شفاعتكم . قال أبو المُلَيح : حدثني عبد الله ، عن إحدى أمهات المؤمنين وهي ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قالت : أخبَرَني النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( ما من ميِّتٍ يصلي عليه أمَّة من الناس إلا شُفِّعوا فيه ) ، فسألت أبا المُلَيح عن الأمة ؟ قال : أربعون . رواه النسائي .

تكلَّمنا عن الشفاعة في الحديث الأول من أحاديث هذا الباب في الدرس الماضي ، وأن عدد الأربعين هو أقل من عدد المئة ، وأن الله - عز وجل - تفضَّلَ على عباده ، فبينَما كان قبل ذلك رَبَطَ مغفرة الله عن الميت أو للميت بأن يشفع وأن يدعوَ له مئة ، زاد في فضله فقال : لو كان هؤلاء أربعين فدَعَوا له وشفعوا فيه مخلصين له ، فالله - عز وجل - يغفر له ، إلا أنه هنا في هذا الحديث لفت نظر إلى شيء ينبغي التنبيه عليه لإهمال أئمة المساجد التنبيه على ذلك ، فهو يقول هنا : صلى بنا أبو المُلَيح - وهو تابعي ابن صحابي - على جنازة ، فظنَنَّا أنه قد كبَّر ، فأقبل علينا بوجهه ، فقال : " أقيموا صفوفكم ، ولتحسُنْ شفاعتكم " ، فنبَّه هنا على شيئين :

الأول : وهو الذي أهمَلَه اليوم الناس كأنهم ينظرون إلى صلاة الجنازة أنه لا قيمة لها ؛ ولذلك حينما تُقام الصفوف خلف الجنازة تجِدْها مضطربةً أشد الاضطراب ، ليست مستوية على الأقل كما يسوُّون الصفوف للصلوات الخمس ، مع أنهم يُخلُّون - أيضًا - بتسوية الصفوف في الصلوات الخمس ، ولكن يُحسِّنونها لا سيما حينما قيَّدوا أنفسهم بالخيط الذي يُمَدُّ من الشرق إلى الغرب ، وقد يظنُّ بعض الناس أن هذا الخيط من المصالح المرسلة ، والحقيقة أنه من البدع الضالة ، وهذه من دقائق المسائل التي لا ينتبَّه لها إلا مَن عرف أضرار البدع في الدين وآثارها من قريب أو من بعيد ، فها أنتم الآن أمام مَثَل واقع ؛ الذين يصلون الصلوات الخمس على الخيط لا يستطيعون أن يُحسِنوا الصف بدون الخيط ، وهذا مثاله ؛ لما يقيمون الصلاة على الجنازة تجد الصف مضطرب أشد الاضطراب ، مع هذا تجد الإمام يصلي ولا يتكلم ولو بكلمة ، ولو على طريقة بعض الأئمة في البلاد السعودية ، لا يحسنون إلا أن يقولوا : استووا استووا .

أما السنة فقد ماتت ، ماتت في كل بلاد الله - عز وجل - إلا في بعض الأماكن التي فيها بعض الغرباء ؛ فإننا نقرأ في السنة في الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان لا يكبِّر للصلاة إمامًا بالناس إلا بعد أن يقول : ( استووا ولا تختلفوا ؛ فتختلف قلوبكم ) ، ويقول تارةً : ( لتسوُّنَّ صفوفَكم أو لَيُخالفنَّ الله بين قلوبكم ) ، ويقول لهذا تأخَّر ولذاك تقدَّم ، وهكذا ، كل هذه الأمور أصبحت ميتة حتى في المدينة المنورة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها يبثُّ هذا النور إلى أصحابه ، وأولئك بدورهم نقلوه إلى مَن بعدهم حتى وصل إلينا ، وعَمَّ مَن رَغِبَ في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعضَّ عليها بالنواجذ ؛ فلذلك يُسَم الإنسان القصير النظر والبصر حينما يجد الخيط ممدودًا في المسجد ، فالناس مربوطين في الخيط ؛ ولذلك ما بيرضوا يتقدموا أو يتأخروا ، لكن إذا فلت الخيط أو فُقِد فلت الصَّف واضطرب الصَّف ، هكذا ينبغي أن يكون المسلم ؟! أبدًا ، المسلم وازعه من قلبه ينبع ليس هو يرتبط بخيط بسيط ، قد يكون هذا الخيط أحيانًا - أيضًا - مثل بعض جدر القبلية في المساجد منحرفة عن سمت القبلة ، فيصلي عامة الناس إلى هذا الجدار متَّجهًا إلى القبلة أو منحرفًا عنها ، هذا كله من شؤم الركود العقلي والفكري بسبب الجمود المنهجي التقليدي .

إذًا يجب أن لا نفرِّق في تسوية الصفوف بين الصلوات الخمس وبين صلاة الجنازة فإنها صلاة ؛ ولذلك هذا التابعي الفاضل أبو المُلَيح نبَّهَ الناس ، بينما ظن الراوي للحديث أنه كبَّر ، وإذا به يلتفت إليهم ويقول : أقيموا صفوفكم ، سوُّوا صفوفكم ، هذا هو الأمر الأول .

الأمر الثاني : قال منبِّهًا إلى ما كنت ذكرته لكم في الدرس الماضي من وجوب الإخلاص في الدعاء للميت حتى ينتفع الميت ، وحتى ربنا - عز وجل - يقبل دعاء وشفاعة الشافعين فيه الذين يصلون عليه ويدعون له ، هذا الدعاء كما فصَّلنا القول في الدرس الماضي من شروطه الإخلاص ، فهو يقول هنا : " ولتحسُنْ شفاعتكم " ، ما يكون ذلك كلامًا يخرج من أفواهكم ولما يصل هذا الكلام إلى قلوبكم ويخرج من طريق أفواهكم ، هذه فائدة في هذا الحديث ، والحمد لله .

مواضيع متعلقة