ما حكم قول : إن الله موجود في كل مكان ويعنون بذلك أن الله في كلِّ مكانٍ بعلمه ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم قول : إن الله موجود في كل مكان ويعنون بذلك أن الله في كلِّ مكانٍ بعلمه ؟
A-
A=
A+
السائل : ... .

الشيخ : الأخ هنا - بارك الله فيه - يلفت النظر إلى قضية نفسها ، أنا أخشى أن يملَّ الإخوان هنا لسماع بحث قد يكون كما يقول البعض يعني جاف لأنُّو علمي ، فنراوح شوي يعني هيك وهيك ، لحتى ما يصيبنا شيء من الملل .

يجب التفريق بالموضوع السابق لما بيقول بعض الناس : " الله موجود في كل مكان ، الله موجود في كل الوجود " ؛ لما يسمعوا هذا البيان يتجلَّى لهم فعلًا أنُّو هذا الكلام خطأ ، لكن بعضهم ممَّن عنده شيء من النَّباهة والذكاء ، بيقول : يا أستاذ ، نحن ما نعني أن الله في كلِّ مكان بذاته ، وإنما نعني أنه بعلمه . نقول : حسن ، إذا كنتم تعنون بقولكم المتكرِّر مرارًا وتكرارًا " الله موجود في كل مكان " بعلمه ؛ هذا نحن معكم على بياض ، وهذا ما أشرنا إليه آنفًا لمَّا تلونا آية : (( أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا )) ، لكن مع الأسف سُرعان ما سينكشف أنُّو هذا التأويل هو للخلاص ، ولكي لا تُقام عليهم الحجة بهذه الأدلة التي ذكرناها ؛ يعني ما يتأوَّلون هذا التأويل لبيان أنُّو عقيدتهم سليمة وفهمهم للشريعة سليم ؛ بدليل أننا نقول لهم مرارًا وتكرارًا : حسن ، هذا التأويل أنَّ الله بعلمه في كل مكان ؛ هذا ما يخالف فيه مسلم إطلاقًا . لكن تعال خلينا نخوض في البحث ، وهذا الذي يريد الأخ هنا أن نلفت النظر إليه .

من جانب ثاني نستطيع أن نقول لهؤلاء الذين يسمعون مثل هذا البحث فيتبيَّن لهم أن القول بأن الله بذاته وصفاته في كل مكان هذا ضلال كبير ، ولذلك يبرؤون منه بذاك التأويل فيقولون : لا ، نحن نعني الله في كل مكان بعلمه . نقول : حسن ؛ معنى هذا أن الله ليس في كلِّ مكان كما تُوهم عبارتهم ، وإنما هو بكل مكان بعلمه ، إذًا علينا نمشي خطوة ثانية ، إذًا البحث الآن ليس في العلم الإهي وأنه محيط في مكان ، إنما البحث الآن في الذات الإلهية ، ذات الله أنه متَّصف بكل صفات الكمال كما قلنا ، ومنزَّه عن كل صفات النقص ، هذا الله الذي نعبده أين هو ؟ هنا بقى تتجلَّى الحقيقة ويتبيَّن هل وراء ذاك التأويل عقيدة صحيحة أم منحرفة ؟ أقل شيء سيكون موقف المسؤولين جميعًا بهذا السؤال الحيرة ، إذا قيل لهم آمنَّا جميعًا أن الله علمه في كل مكان ، فذات الله أين هو ؟ تدور أعينهم ... لا ندري ، هنا يرد كلامي السابق : كيف لا تدري أنت تقرأ كل ليلة : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ )) إلى آخر الآية ، وتقول بمناسبة وغير مناسبة : ( الراحمون يرحمهم الرحمان ، ارحموا مَن في الأرض يرحَمْكم مَن في السماء ) ، ليش ما بتعطي جواب في حدود ما تقرأ ؟ هذا السؤال المحدَّد ، ها نحن متفقون أن الله بعلمه في كل مكان ، ذاته - تبارك وتعالى - أين هو ؟ تجد الحيرة مظلمة مسيطرة على قلوب هؤلاء المسلمين مع الأسف الشديد ، والحقُّ أبلج واضح في الكتاب وفي السنة .

الأخ هنا - جزاه الله خير - أجاب بما في القرآن : (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، وهذه آية مذكورة في كثير من السور أكثر من خمس مرات أو نحو ذلك ، يقرؤونها أيضًا ، فأين هم ؟ وجواب هذا السؤال : أين الله ؟ (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )) ، ومن عجائب ما يلاحظه الباحث ، نعيش اليوم في عالم إسلامي يعد ثمان مئة مليون تسع مئة مليون أو أكثر ، فتجدهم حيارى كاليهود مع الأسف الشديد في هذه المسألة ، لا يجيبون ، يحيرون في الجواب عن سؤال : أين الله ؟ بينما راعية غنم في زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أجابَتْ كأنها تفقه القرآن ، حتمًا هي ليست بفقيهة بالقرآن ، لكن الفرق أن هذه الجارية كانت تعيش في جوٍّ إسلامي يتوارث العلم من النَّبع الصافي وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلو أنُّو الجو الإسلامي الآن توارث هذه العقيدة خلف عن سلف لَوجدت راعية الغنم تعطي نفس الجواب اللي أعطتها راعية الغنم في زمن الرسول - عليه السلام - ، لكن شتَّان بين ذاك الزمن وبين هذا الزمن !! ذاك الزمن الوحي ينزل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبلِّغ ويربِّي ، وأصحابه يتلقَّون العلم منه ثم ينقلونه إلى بيوتهم ، إلى أزواجهم ، إلى أولادهم ، وإلى خدَّامهم الذين يخدمونهم ، ورعاتهم الذين يرعون لهم غنمهم .

جاء في " صحيح مسلم " من رواية رجل من الصحابة اسمه معاوية بن الحكم السلمي ، وهو غير معاوية بن أبي سفيان أول أمير في بني أمية في الإسلام ، معاوية بن الحكم السلمي يحدِّثنا عن نفسه فيقول : صليتُ يومًا وراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فعطس رجل بجانبي ، فقلت له : يرحمك الله في الصلاة ، وهذا هو الذي ستسمعونه يُنبئكم أنُّو الرجل أسلم حديثًا ، ولسا ما عرف أحكام الصلاة وآدابها وإلى آخره ، بخلاف مَن حوله ، فلما عطس مَن بجانبه قال له : يرحمك الله ، نظروا إليه هكذا من حواليه ، فضاق ذرعًا بهذه النظرات المُنكِرة ، فرفع صوته في الصلاة يقول : واثكلَ أمِّياه ! ما لكم تنظرون إليَّ ؟ هو مسكين مو عامل شيء في ظنه يعني ، كونه - مثلًا - تكلَّم وأبطل الصلاة مش داري ، ولذلك أنكر بصياحه ... .

مواضيع متعلقة