اجتمع على رجل فريضة وسنة راتبة ، ودخل المسجد وقد انقضت الجماعة ؛ فبأيِّهما يبدأ ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
اجتمع على رجل فريضة وسنة راتبة ، ودخل المسجد وقد انقضت الجماعة ؛ فبأيِّهما يبدأ ؟
A-
A=
A+
السائل : يقول السائل : اجتمع على شخص فريضة وسنّة قبلية لها ، ودخل المسجد بعد أداء صلاة الجماعة ؛ فبأيهما يبدأ ؟

الشيخ : قال - عليه الصلاة والسلام - : ( إذا أقيمت الصلاة ؛ فلا صلاة إلا المكتوبة ) ، وهذا الحديث بعمومه وشموله يشمل كلَّ فريضة ، سواء كانت فريضة الصبح أو المغرب أو بقية الصلوات الخمس ؛ فلا يجوز لمن دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة أن يشرعَ في السنة ، وإنما يدخل مع الجماعة ، وبعد ذلك يُشرع له أن يأتيَ بالسنة التي فاتته من قبل ، وبخصوص فريضة الصبح له بأن يأتي بالسنة بعد الفريضة مباشرةً ، وله أن يأتي بها بعد ارتفاع الشمس وذهاب وقت الكراهة ، وفي كلٍّ من هذين أو من هاتين الصورتين حديث ، ولذلك فيُخيَّر المسلم بين هذه وبين هذه .

السائل : أنا فهمت من السؤال أنه دخل بعد صلاة الفريضة ، وعليه فريضة وسنة .

الشيخ : يعني لم يدرك الفريضة ؟

السائل : نعم ، لم يدرك الفريضة .

الشيخ : ... فيبدأ كما هو الشرع ، يبدأ بالسنة ، ثم يثني بالفريضة ، أما أنا فذهب وَهَلي أنه أدرك شيئًا من الصلاة ، فالجواب ما سمعتم ، أما والسؤال أنه دخل المسجد ولم يدرك من الصلاة وراء الإمام شيئًا ؛ فهو يصلي السنة ، ثم يصلي الفريضة ، ولكن مثل هذا السؤال أنا أستغربه ، ما الحافز والدافع عليه ؟

السائل : هناك البعض يقول يبدأ بالفرض ، ثم يقضي السنة أو لا يقضيها ؟

الشيخ : ما الدافع على هذا ؟ هل المقصود من السؤال بدقَّة هو هذا ؟ وحينئذٍ نسأل ما هو الدافع ؟ هل هناك مثل هذا القول ؟

سائل آخر : بعضهم ... .

الشيخ : الجواب ما سمعتم ، حتى أقول شيئًا ربما يكون الدافع على ذلك هو أن السائل فاتَه ذكر قيد ما في السؤال ، لعل أصل السؤال وهو المهم من الجواب عليه أن رجلًا استيقظ لصلاة الفجر ، والشمس تكاد تطلع ، بحيث أنه يغلب على ظنِّه أنه إن بدأ بصلاة السنة طلعت الشمس ، ربما يكون هذا هو الدافع على السؤال ، وأنه لو فرضنا أن رجلًا دخل كما هنا يصلون الفجر مصبحين ، فسلم الإمام والوقت أمامه طويل ، فما الدافع لمثل هذا السؤال هل يبدأ بالسنة أم بالفرض ؟

ظني - والله أعلم - أن السائل يعني أنه إذا أدركه الوقت وكادت الشمس تطلع ؛ فهل في هذه الحالة يبدأ بالسنة أم يبدأ بالفرض ؟ هذا سؤال مهم في الحقيقة ، والجواب عليه أهم ، بخلاف إذا ما كان هناك سعة ، فالجواب ما سمعتم ، يبدأ كما شرع الله ، يصلي السنة ثم يصلي الفريضة ، أما في الوقت الضيق الذي يغلب الظن أنه إن اشتغل بركعتي السنة فاتته ركعتا الفريضة ؛ بمعنى طلعت عليه الشمس ولم يصل بعد الفريضة ، ما هو الجواب ؟

نحن نقول هناك حالتان يختلف الحكم بين أحدهما أو إحداهما على الأخرى ، إذا كان الرجل ضاق عليه الوقت بسبب منه تلهَّى واستيقظ مبكرًا ، وكان بإمكانه أن يصلي السنة والفرض كما شُرعتا ، لكنه تلهَّى بماله ، بولده ، بكسله ، بأيِّ شيء كان الملهِّي حتى كادت الشمس تطلع ؛ حين ذاك لا يجوز أن يشرع في السنة ، بل عليه أن يتدارك الفريضة ويصليها ، فإذا أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس ؛ فقد أدرك كما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث المتّفق عليه ، أما إذا كان الأمر ، - عفوًا - ، وفي هذه الحالة ليس له أن يصلي السنة بعد أن ترتفع الشّمس ، لأنه أخرجها عن وقتها عامدًا متعمدًا ، أما في الحالة الأخرى وهي أنه لم يستيقظ إلا والشمس تكاد تطلع ؛ فهو في هذه الحالة يصلي السنة ثم الفريضة ، لأن الشارع الحكيم جعل له وقتًا خاصًّا في مثل قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( من نسيَ صلاةً أو نام عنها ؛ فليصلها حين يذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك ) ، ومعنى هذا أن هذا المستيقظ أو هذا المتذكِّر إذا تذكّر صلاة الفجر مثلًا أو صلاة العصر والشمس تكاد تطلع أو تغرب ؛ فهو قد جعل له الشارع الحكيم وقتًا يتَّسع لأداء ما فاته ، أو ما يكاد يفوته من الصلاة ، فهو إذًا يبدأ فيصلي السنة ، ولا عليه طلعت الشمس عليه وهو يصليها أو لا ، ثم يثني بصلاة الفريضة من بعدها ولا يضرُّه أن تطلعَ الشمس وهو في أولها أو في آخرها ، لأن هذا الوقت الذي أدى فيه السنة والفريضة هو وقت خاص له بدليل الحديث السّابق : ( من نسي صلاة أو نام عنها ؛ فليصلها حين يذكرها ) ، أي : وقت يذكرها ، فإذا لم يفعل ذلك فقد ذهبت عليه الصلاة مطلقًا من السنة والفريضة ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - في آخر الحديث : ( لا كفارة لها إلا ذلك ) .

وهذا الحديث من أدلة ابن القيم ومن سار مسيرته من العلماء الذين يقولون بأن من تعمَّد إخراج صلاة ما عن وقتها ؛ فهو لا يستطيع أن يقضيها أبد الدهر ؛ لأنه لو كان لأحدٍ أن يقضي صلاة تركها عامدًا متعمَّدًا ؛ لَكان الأولى بأن يقضي هو هذا الرجل الذي نام عن الصلاة أو نسيها ، فما دام أن الصلاة خرجت عن وقتها ؛ فهو يصليها في أيِّ وقت شاء ، ولكننا نرى النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما جعل لهذا الإنسان المعذور بنومه أو بنسيانه وقتًا محدودًا جدًّا لا يتَّسع لأكثر من الصلاة التي فاتته أو تكاد أن تفوته ، ذلك هو قوله - عليه السلام - : ( لا كفارة لها إلا ذلك ) .

السائل : ومعنى ذلك أن رأي ابن القيم ليس مسلَّمًا به ؟

الشيخ : لا ، هو مسلَّم ، هو المسلَّم .

السائل : هو المسلَّم ؟

الشيخ : هو المسلَّم ، لأن ابن القيم يقول : " أن من تعمَّد إخراج الصلاة عن وقتها لا كفارة لها " ، وهذا الحديث يقول بهذا تمامًا ؛ لأن هذا النائم والناسي معذور ، مرفوع عنه القلم بأحاديث ثابتة في الموضوع ، مع ذلك حدد له وقتًا جديدًا لهذا العذر ، وفوق ذلك ضيَّق عليه الوقت فقال له : إن لم يفعل فلا كفَّارة له ، فهو مأمور بأن يصلي ما فاته بعذر النوم أو النسيان في وقت التذكر والاستيقاظ ، فإن لم يفعل ذلك فقد ذهبت عليه الصلاة - أيضًا - ، فمن باب أولى أن الوقت الموسَّع - مثلًا - الرجل ما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس معه ساعة ، ساعة وربع ، ساعة ونصف .

السائل : ولذلك عليه تعزير ؟ الذي تركها عامدًا .

الشيخ : عليه تعزير هذا يعود إلى الحاكم ، إن رأى ذلك فعل ، وإلا فلا .

سائل آخر : هناك من يستغرقه النوم ، لم يستيقظ إلا في آخر الوقت ، آخر الوقت فإذا أتت الصلاة استيقظ ... أدرك الوقت ، وإذا اشتغل بالوضوء ربما يفوته الوقت ؛ فما الحكم في ذلك ؟

الشيخ : الحكم ما سمعتَ ، هذا رجل معذور فيأتي بالصلاة كما شُرعت له ، وبهذا بخلاف قول ابن تيمية - رحمه الله - الذي يُجيز له أن يتيمَّم .

مواضيع متعلقة