يُقال : إنَّ عبد الله بن عمر روى الحديث في رفع اليدين عند الركوع وبعد الرفع منه مع أنه لم يكن يرفع يديه ؛ فكيف التوجيه ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
يُقال : إنَّ عبد الله بن عمر روى الحديث في رفع اليدين عند الركوع وبعد الرفع منه مع أنه لم يكن يرفع يديه ؛ فكيف التوجيه ؟
A-
A=
A+
السائل : يُقال بأن ابن عمر روى هذا الحديث رفع اليدين ولم يرفَعْ يديه ؟

الشيخ : نعم ، السؤال الآن يقول السائل : يُقال بأن ابن عمر بن الخطاب الذي روى حديث الرفع عند الركوع والرفع منه هو نفسه كان لا يرفع يديه ، والجواب على هذا الإشكال من وجهين : الوجه الأول : أنه ليس هناك نقلٌ صحيحٌ صريحٌ عام ؛ أي : يشمل حياة ابن عمر كلها وصلوات ابن عمر كلها ؛ أنه كان لا يرفع في شيءٍ من صلواته هذه كلها ، مثل هذا النَّصِّ لا وجود له ، وإنما روى أبو جعفر الطحاوي بإسنادٍ فيه أبو بكر بن عيَّاش عن مجاهد عن ابن عمر أنه رأى عبد الله بن عمر بن الخطاب يصلِّي فلم يرفع يديه عند الركوع والرفع منه ، فهذا شيءٌ والنقل الذي يُذكر في بعض كتب الفقه شيءٌ آخر ؛ أي : إن المرويَّ في بعض كتب الحديث ومنها كتاب " شرح معاني الآثار لأبي جعفر " هو أن مجاهدًا لم يرَ ابن عمر يرفع يديه في تلك الصلاة التي رآه يصلي ، وهذا لا ينفي أن يكون ابن عمر قد رفع في صلواتٍ بالآلاف المؤلفة ، ورآها غيره - أي غير جابر - مِرارًا وتكرارًا ، وهذا هو الواقع ؛ ولذلك لا إشكال على حديثه الذي رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا الأثر الذي رواه مجاهد عن ابن عمر أنَّه لم يَرَه يرفع ؛ علمًا بأن الرفع كما تعلمون هو سنَّة ، فأنا الذي أحرِصُ على هذه السنة وغيرها إن شاء الله قد لا أرفع يدي ؛ لأن ذلك ليس بفرض لازمٍ لا بد منه ، فيجوز أن ابن عمر تسامح فلم يرفع يديه في تلك الحادثة التي رآه فيها مجاهد ، وهذا كله إذا ثبت ذلك الأثر عن ابن عمر ، والواقع أن في إسناده كما ذكرنا أبا بكر بن عياش ، وهو في حفظه ضعفٌ كما تجدون ذلك في ترجمته في المطوَّلات من كتب الرجال ، وفي مختصر الحافظ بن حجر المعروف بـ " تقريب التهذيب " .

وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي لنا أن نضربَ رواية ابن عمر الصحيحة عنه في أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه في هذين الموطنين في مثل هذه الرواية التي تفرَّد بها أبو بكر بن عياش ؛ على أنه قد ثبت من طرق كثيرة عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه فعلًا ، وهنا تأتي القاعدة السابقة الذِّكر وما هي عنكم ببعيد ؛ ألا وهي قاعدة : " المثبت مقدَّم على النافي " ، فمجاهد قال : لم يرَ ابن عمر ، غير مجاهد كنافع وهو مولاه وخادمه وأوثق الناس به أثبَتَ الرفع عن ابن عمر ؛ فالمثبت مقدَّم على النافي ، وهذا يُقال عند تساوي الروايتين في الثبوت والصحة ؛ فكيف = -- وعليكم السلام ورحمة الله -- = فكيف ورواية النافي فيها أبو بكر بن عياش وفيه الضَّعف الذي أشرنا إليه ؟ لذلك لا ينبغي القول بأن ابن عمر ما رفع إطلاقًا ، وإنما يُمكن أن يُقال ولا يُجزم به أنه ربما لم يرفَعْ في بعض الأحيان .

وهذا أخيرًا كله يُقال في سبيل التوفيق بين رواية ابن عمر وبين تلك الرواية الشَّاذَّة الفردة الغريبة التي فيها أن مجاهدًا لم يرَ ابن عمر يرفع ، ولكننا إذا تركنا رواية ابن عمر والأثر عنه جانبًا ، ونظرنا إلى الأحاديث الأخرى عن غيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ فليس هناك مخالفة أبدًا ، مثلًا حديث أبي حُميد الساعدي الذي أخرجه البخاري في " صحيحه " أنَّه كان في مجلسٍ فيه نحو عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم أبو حميد - صحابي يقول للآخرين - : أَلَا أُصلي لكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ؟ قالوا له : لم ؟ لست بأعلمنا بصلاته . قال لهم : بلى . قالوا له : فاعرض صلاتك . فبدأ يصلي ، فلمَّا ركع رفع يديه ، ولمَّا رفع رأسه من الركوع رفع يديه . إلى آخر الحديث ، وفي آخره قال الراوي : قالوا له : صدقت ، هكذا كانت صلاة النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - . فإذا افترضنا أن هناك خلافًا بين رواية ابن عمر المرفوعة وبين روايته الموقوفة افترضنا أنَّ بينهما خلافًا لا يُمكن التوفيق بمثل ما ذكرنا ؛ فلنَدَعْ ذلك جانبًا ، ولننظر إلى الأحاديث الأخرى الصحيحة الصريحة كحديث أبي حميد ؛ يسلم حينئذٍ نهائيًّا سنِّيَّة رفع اليدين بدون أيِّ معارض ؛ إلا أن يتعصَّب متعصِّب لمذهبه أو لرأيه أو لهواه ، صانَنَا الله من ذلك كله .

نعم .

مواضيع متعلقة