هل يقرأ المأموم بفاتحة الكتاب خلف الإمام في الصلاة الجهرية ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل يقرأ المأموم بفاتحة الكتاب خلف الإمام في الصلاة الجهرية ؟
A-
A=
A+
الشيخ : إما بالاحتجاج بالحديث السابق ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) فهو احتجاج بالعموم ، وهنا الدقة في المسألة ولا بد من التعرض لها في الحقيقة ، الآية بعمومها تشمل الصلاة وتشمل الفاتحة لأنها قرآن بل هي أم القرآن ، الحديث بعمومه يشمل كل صلاة ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) فأي العمومين يسلط على الآخر ويخصصه ؟ هنا يقول بعض العلماء العام الذي بقي على عمومه وشموله ولم يدخله تخصيص ما، أقوى في عمومه وشموله من العام الذي دخله تخصيص ؛ وحينذاك يسلط العام الأعم على العام المخصص ؛ وقد ذكرنا في حديثنا السابق بأن حديث ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) قد خصص واستثني منه بعض الفروع ، ذكرنا من ذلك المسبوق الذي أدرك الإمام راكعا فقلنا إنه يعتبر قد أدرك الركعة مع أنه ما قرأ الفاتحة ؛ فماذا فعل العلماء بحديث ( لا صلاة ) قالوا: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا من أدرك الإمام راكعا فتكون قراءة الإمام قراءة له ؛ إذا حديث ( لا صلاة ) عام مخصوص أي ضعف عمومه كذلك مثلا حديث الذي أسلم حديثا لا يحسن قراءة الفاتحة لكن يسبح كما ذكرنا أيضا هذا بشيء من التفصيل ؛ فتكون صلاته صحيحة أيضا على الرغم من أنه لم يقرأ بفاتحة الكتاب ؛ فماذا يقال ؟ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا الأعجمي الذي لا يحسن قراءة الفاتحة ؛ أما الآية فلم يدخلها أي تخصيص إطلاقا حينئذ يستثنى من الحديث من كان يسمع التلاوة إعمالا للآية وتخصيصا للحديث ؛ ومن العجيب أن هذا المذهب قد وضح للفريق الأول الذي قال بوجوب القراءة حتى في الجهرية وتبين له أنه ليس من المقبول أن يقرأ المقتدي وهو يسمع قراءة الإمام ؛ ولذلك وجدوا لأنفسهم أو أوجدوا لأنفسهم متنفسا ومخرجا فقالوا يسكت الإمام ليتفرغ لقراءة المقتدي ؛ فهذا في الحقيقة كما يقال كان تحت المطر وصار تحت المزراب ؛ لماذا ؟ هو استعمل عقله وحكمته ووجد غير مهضوم أن يقرأ المقتدي وهو يسمع قراءة الإمام ، فماذا فعلوا ؟ قالوا للإمام انقلب مقتديا ، وقلد المقتدي ، انصت ليقرأ المقتدي ؛ هذا قلب لوظيفة الإمام ، ثم هذه السكتة من عجائب ما يصدر من بعض الأئمة ، هم يسكتون ولا سكوت في الشرع في الصلاة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح البخاري ومسلم ( كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سكتتان يسكتهما ، سكتة عند استفتاح الصلاة وسكتة عند الفراغ من قراءة القرآن ) ولم يكن هناك سكتة طويلة من السكتتين إلا السكتة الأولى ؛ ولذلك جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كبر للصلاة سكت هنية فقلنا يا رسول الله: أرأيت سكوتك بين التكبيرة والقراءة ماذا تقول ؟ قال: أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ) إلى آخر الدعاء ؛ لو كان هناك سكتة أخرى طويلة تتسع لقراءة الفاتحة لسألوا الرسول عليه السلام كما سألوه في السكتة الأولى ، قالوا له نراك تسكت بين تكبيرة الإحرام وبين القراءة ماذا تقول ؟ أجابهم ؛ فلو كان يسكت الرسول سكتة أخرى طويلة بمقدار تلك وأيضا تسكت بعد الفاتحة فلماذا فيقول مثلا ليقرأ المقتدي ؛ لم يكن شيء من هذا إطلاقا ؛ فهم كما قلنا آنفا أوجدوا لهم مخرجا من هذا النقاش القلبي الداخلي ، مش معقول مش مهضوم أن الله شرع للإمام أن يقرأ في بعض الصلوات جهرا لماذا ؟ ليسمع المقتدي ؛ فما معنى أن يقال للمقتدي انصرف عن الاستماع إلى أن تقرأ لنفسك ، مش مقبول هذا إذا ماذا نفعل ؟ نجد سكتة طويلة ، مع ذلك هذه السكتة الطويلة ما التزموها ، كثير من هؤلاء الذين يسكتون بيسكتون نصف سكتة لا يكاد الواحد يقرأ نصف الفاتحة وإذا به بدأ بالقراءة ، يا اسكت بالمرة حتى يقرأ الفاتحة بكاملها أو امش بالقراءة ؛ وهذا طبيعة الإحداث في الدين ما يتكمل مع الإنسان ؛ فهذا الإحداث يكفي لإقناع جماهير الناس أنه المذهب الصواب هو مذهب الإمام مالك والإمام أحمد الذين قالوا انصت في الجهرية واقرأ في السرية ، هذا هو الصواب الذي تجتمع به الأدلة تماما ، ليس عندهم حجة إلا حديث ( لا صلاة ) وقد عرفنا أنه دخله تخصيص من عدة نواحي وهنا يقال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إذا كان لا يسمع قراءة الإمام ؛ أما إذا سمع قراء الإمام فقراءة الإمام له قراءة ؛ وهذا أيضا مقبول بالنظر السليم أن الإنسان لما يسمع من غيره كأنه قرأ لنفسه بل قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأحد أصحابه مرة لابن مسعود وأخرى لأبي بن كعب قال : ( اقرأ علي القرآن. قال: أقرأ عليك القرآن وعيك أنزل ؟ قال: اقرأ فإني أحب أن أسمعه من غيري ) ، فإذا هذا المقتدي الذي يسمع القراءة من الإمام هذا قد يكون أنفع له من أن ينشغل بقراءة القرآن بنفسه وذاك الذي يرتفع صوته ليسمع غيره ؛ فهذا هو الصواب إن شاء الله أن المقتدي إذا كان يسمع قراءة الإمام فلا يقرأ شيئا من القرآن ولا الفاتحة ؛ أما إذا كان صلاة سرية أو كان بعيد مثلا عن الإمام لا تبلغه قراءة الإمام ففي هذه الحالة لابد من أن يقرأ ؛ ونسأل الله عز وجل أن يهدينا جميعا لما اختلف فيه من الحق بإذنه سبحانه وتعالى .

مواضيع متعلقة