التعليق على كتاب " فقه السنة " ، سؤر الحائض ، وفائدة من حسن معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - لزوجته . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
التعليق على كتاب " فقه السنة " ، سؤر الحائض ، وفائدة من حسن معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - لزوجته .
A-
A=
A+
الشيخ : أورَدَ هنا حديثًا ليدلَّ على بعض أجزاء الموضوع ؛ ألا وهو سؤر الحائض ، أورَدَ حديثًا ليستدلَّ به على جزء من أجزاء هذا الفصل وهو سؤر الحائض ؛ هل فيه شيء ؟

الجواب : ليس فيه شيء ، والدليل ما وَرَدَ عن السيده عائشة - رضي الله عنها - قالت : " كنت أشرب وأنا حائض ، فأناوِلُه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيضع فاه على موضع فيَّ " رواه مسلم .

تأخذ السيدة عائشة الكأس من الشراب فتشرب منه ، فيأخذ الرسول - عليه السلام - بدوره هذه الكأس فيضع فمه في موضع فم السيدة عائشة ، فليس فقط هو يشرب سؤرها ، بل ويباشر المكان الذي أصابَه لعابُها ولا بد ، أي : يضع - عليه الصلاة والسلام - فمَه الشريف الطاهر في المكان الذي شربت منه السيدة عائشة من الكأس ؛ فهذا يدل دلالة واضحة جدًّا على أن سؤر الحائض طاهر كسؤرها وهي طاهر .

ثم في هذا الحديث كما ترون أدب من آداب حسن المعاشرة للزوجة وللأهل ، وهذا الأدب كما ترونه أدب رفيع جدًّا غَفِلَ عنه فيما أعتقد أكثر الأزواج أكثر المسلمين من الرجال المتأهِّلين ، لا يعاملون أزواجهم هذه المعاملة اللطيفة التي كان الرسول - عليه السلام - يعامل بها زوجَه السيدة عائشة - رضي الله عنها - ، وهذا الأدب في حسن المعاشرة لم يصِلْ إليه هؤلاء الأوربيون الذين يتظاهرون بأنهم يحترمون المرأة احترامًا ليس بعده احترام ، يحترمونها احترامًا نحن نراه ليس احترامًا لها ، بل توريط لها وتضليل بها ، مع ذلك مع مثل هذا اللطف في حسن المعاشرة للزوجة لا يفعله الأوربيون ، فأنتم - مثلًا - إذا أرداوا الدخول والخروج ترونهم يقدِّمون المرأة حتى لو كانت أجنبية ليست زوجة فقط ، والصعود إلى الطائرة والسيارة وما شابه ذلك ، هذه الشكليات .

السائل : ... معها كلب .

الشيخ : الكلب يتقدَّم أيضًا ، طيب .

فنحن إذا قرأنا كتاب " فقه السنة " وأمثاله من كتب الحديث التي تجمع بين الحديث في الفقه ، فنحن في الواقع نرمي بذلك إلى شيئين اثنين ؛ إذا قرأنا مثل هذا الكتاب وأعرضنا بسببه عن الكتب الفقهية الكثيرة المؤلفة ؛ فإنما نفعل هذا لأن كتب الفقه بصورة عامَّة بالمعنى الاصطلاحي اليوم جافَّة كما لو قرأ الإنسان القانون ، أو قرأ الكيمياء ، أو الفيزياء ، أو العلوم الشديدة على الناس إلا ذوي الأغراض والأهواء الخاصة فيهضمونها مؤقتة .

كذلك الفقه الإسلامي القديم مع الأسف هكذا ، يُقرأ بصعوبة وبمشقَّة ؛ لماذا ؟ لأنه ليس فيه قرآن وليس فيه حديث ، ليس فيه - نعم - حياة ، ليس فيه ترغيب وترهيب ، ليس فيه آداب الرسول - عليه السلام - وأخلاقه وسيرته بخلاف " فقه السنة " وأمثاله الذي يستدلُّ صاحبه على المسألة الفقهية بما جاء من الكتاب والسنة ، فبينما تكون أنت أيها المتفقِّه بفقه السنة في بحث سؤر الحيوان بصورة عامة وإذا بك تنتقل بصورة طبيعية إلى أدب من آداب حسن المعاشرة ، وبحديث يذكره المؤلف يصلك هذا المؤلف فورًا برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وبسنَّته وبهديه وبسيرته ، حيث قَطَعَك الفقهاء الآخرون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باقتصارهم على ذكر الآراء فقط دون أدلتها من كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .

فها نحن ... في بحث السؤر يستدل المصنف بحديث السيدة عائشة أنها كانت إذا وضعَتْ فمها في الكأس لتشربَ أخذ الرسول - عليه السلام - هذه الكأس ووضع فمَه في موضع فم السيدة عائشة ، فنحن إذًا استفدنا من هذا الحديث فائدتين :

الفائدة الأولى : هي المباشرة للموضوع ، وهي أن سؤر الحائض طاهر ، والفائدة الأخرى : كيف ينبغي أن نُحسِنَ معاشرة زوجاتنا والتلطُّف بهنَّ ؛ لأنهنَّ كما وصفهنَّ الرسول - عليه السلام - بحقٍّ : ( رويدك سوقك بالقوارير ) ، وصفهنَّ الرسول - عليه الصلاة والسلام - القوارير ، القوارير يعني الزجاج الذي يقبل الانكسار بسرعة ، فطبيعة هذا الجنس من الإنسان رقيق وحسَّاس جدًّا ؛ ولذلك فينبغي أن يُحسِنَ الزوج معاملة زوجته لا يعاملها بالشدة ، إنما يعاملها باللُّطف واللين ، وليس معنى هذا أن يتغاضى عن مخالفَتِها للشريعة أن يغضَّ النظر عن تبرُّجها وعن خروجها من دار زوجها بدون إذن الشرع ؛ ليس هذا هو المعنى ، إنما يتلطَّف معها في حدود الشرع فيما ليس فيه مخالفة ؛ من ذلك في الطعام والشراب ، فهذا أدب من آداب الرسول - عليه السلام - مع زوجته في الشراب .

كذلك في الطعام ؛ فكانت السيدة عائشة إذا أخذت العظم فيه اللحم اسمه لغةً العرق فيه لحم ، فتعضُّ السيدة عائشة ، ويبقى هناك طبعًا لحم قليل ، فيأتي الرسول ويضع فمه في المكان اللي عضت منه السيدة عائشة وبقي منه بقية ، هذا - أيضًا - من أدبه - عليه السلام - مع زوجه ؛ فعلينا أن نقتدي به - عليه السلام - في كل شؤون حياته ، في معاملته للناس ، وفي معاملته لأزواجه .

هذا الذي يذكره المصنف حول سؤر الإنسان على جميع أجناسه مسلمًا أو كافرًا ؛ طاهرًا ، أو جنبًا ، أو حائضًا .

مواضيع متعلقة