ما حكم صبغ اللحية وبأيِّ صبغة ؟ وماذا على مَن لا يصبغ ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم صبغ اللحية وبأيِّ صبغة ؟ وماذا على مَن لا يصبغ ؟
A-
A=
A+
السائل : ما هو القول في صبغ اللحى ؟ وبأيِّ صبغة ؟ وماذا على مَن لا يصبغ ؟

الشيخ : ... .

السائل : ... .

الشيخ : نعم .

فالرسول - صلوات الله عليه وسلم - يأمر في هذا الحديث بالصَّبغ ، فيقول : ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم ؛ فخالفوهم ) ، فأمَرَنا - عليه الصلاة والسلام - بأن نصبِغَ شيبَنا ، وهو - عليه الصلاة والسلام - لم يكن قد عمَّ الشيبُ شعره ، وإنما كان هناك نحو عشر شعرات أصابَها الشيب ، ومع ذلك فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالحنَّاء والكَتَم ، وكذلك فعل أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة ، فالأمر بالصبغ هنا فيه أمر عجيب يغفل عنه الجماعات الإسلامية إلا مَن كان حريصًا على التمسُّك بالسنة فعلًا .

إنَّ الشيب أمرٌ من سنة الله - عز وجل - فرضه على البشر إذا ما وصلوا سنًّا معيَّنة ، فهذا أمرٌ يشترك فيه المسلم والكافر ، والصالح والطالح ؛ قد يشيب أحدهم قبل غيره فلا يدل ذلك على أنه أحسن أو أسوأ من ذاك ، وقد يشيب المسلم قبل الكافر ، هذا أمرٌ مفروض على الناس ولا يدل على شيء ، ولكنه بالنسبة للمسلم يدل على شيء ؛ ذلك أنه إذا شابَ بادر إلى امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كالمذكور آنفًا ( فخالفوهم ) .

الشاهد أن الله - عز وجل - مع أنه فَرَضَ الشيب على جميع الناس - كما قلنا - مسلمين وكفار ، صالحين وفجَّار ؛ بحيث أنه لا يمكن أن يقول قائل : فلان الشايب تشبَّهَ بخلال اليهود الشايب أو النصراني الشايب ، لا يمكن أن يُقال هذا ؛ لِمَ ؟ لأن هذا الشيب ليس من صُنعه ، وليس من كسبه حتى يُقال : لِمَ شبْتَ ؟ وإنما الله - عز وجل - فرضَ الشيب على عباده ، مع ذلك - هنا العبرة - نجد الرسول - صلى الله عليه وآله سلم - قد أمَرَ المسلم حينما ... الشيب أن يصبغ لكي يخالف الكفار ، الذين يشيبون بحكم سنة الله ولكنهم لا يصبغون ... لا يصبغون ، فالمسلم إذًا عليه أن يُثبت مخالفته للكفار حتى في أمرٍ فرضَه الله عليه وجبره عليه وهو الشيب ، لكن قال له : خالف الكفار بالصبغ ؛ فكيف بمَن يأتي إلى أمرٍ فطرَه الله عليه ألا وهو أن مَيَّزه عن المرأة ، فخلق له اللحية وأمره بالمحافظة عليها وبإعفائها ، فيأتي ويتشبَّه تشبُّهًا عكسيًّا ، هناك في الشيب قلنا : لا ... يتشبَّه المسلم بالكافر ؛ لأنه ... أما هنا فهو يحلق لحيته ، فيحقِّق التشبُّه بالكافر بكسبه وعمله ، ثم هو في ذلك مخالف لأمر نبيِّه - صلى الله عليه وآله سلم - .

أردْتُ أن أشرح هذه النقطة لِأعود بمناسبة هذا الحديث والسؤال الذي مسطور هناك لِأقول : أن الصبغ الذي أمَرَ الرسول - عليه السلام - به هو أيُّ صبغٍ كان باستثناء نوع واحد ولون واحد ؛ ألا وهو السواد ؛ فلا يجوز للمسلم الخائف من الله والعالم بحديث رسول الله والمتَّبع لسُنَّته - عليه الصلاة والسلام - أن يصبغَ شيبه بالسواد ؛ وذلك لحديثين اثنين :

الأول : حديث مسلم في " صحيحه " في قصة والد أبي بكر الصديق أبي قحافة لما جِيْء به ولحيته بيضاء كالثّغامة ، فأمر الرسول - عليه السلام - أهل أبا بكر أن يغيِّروا شيبه وأن يجنِّبوه السواد ، وبعض الناس يقولون : هذا أمر خاص له فلسفة في هذه القضية ليس بحسنة ولا جميلة أبدًا ؛ يقولون بأنه كان شديد الشيب ؛ لأنه مشبَّه بالحديث بأنه كالثّغامة ، وهو نبت أبيض كالقطن بياضًا ... هذا النهي أنه خاص بأبي قحافة ، فيأتيهم الحديث الذي يشمل كلَّ المخالفين ؛ ألا وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( سيكون في أمَّتي أقوام يصبغون بالسواد كحواصل الطير لا يَريحون رائحة الجنة ) .

إذًا الأمر بالصبغ يدخل فيه كلُّ لون إلا السواد لِنهي الرسول - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك ، أعود فأقول : إذا كان كلُّ الجماعات تدَّعي الكتاب والسنة فالمهم في هذه الدعوة شيئان اثنان ؛ الأول أن تقترنَ دعواهم بالعمل بالكتاب والسنة ، وليس فقط بالكلام و ... ونحو ذلك ، والشيء الآخر أن يكون عملُهم بالكتاب والسنة على التفصيل الذي شرحناه أمسِ ؛ وهو أن يتحرَّوا السنة الصحيحة ، وأن لا يأخذوا الحديث من هنا وهناك ، فيقعون في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما شرحنا ذلك أيضًا .

خلاصة القول : لسنا بحاجة .

سائل آخر : ... هل يكون متَّبع للسلف بالنسبة لهذا ؟ هل يكون متَّبعًا في ذلك السلف ؟

الشيخ : السلف ؟

سائل آخر : السلف الصالح المؤمنين ؛ لأنُّو قد يفكِّر في نفس الحديث ويعمل به يكون مخالف ما كان عليه السلف .

سائل آخر : يعني الشرط الثاني .

سائل آخر : الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح .

الشيخ : إي نعم .

سائل آخر : على ضوء هؤلاء .

الشيخ : ... أقول : بشرط أن يكون القولُ مقرونًا بالعمل ؛ أي : أن يظهَرَ اتِّباع للسنة في منطلقهم في حياتهم كلها .

والشرط الثاني : أن يتقصَّدوا معرفة ما صَحَّ عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - من الأوامر والأحكام والنواهي ونحو ذلك .

والشرط الثالث والأخير : أن يتلقَّوا شرح ذلك ممَّا كان عليه السلف الصالح ؛ إما في منطلقهم في حياتهم ، أو في تشريحهم وبيانهم لكتاب الله ولحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولعل من المناسب أن أذكِّر بقضية هي من مشاكل الساعة ، هناك حديث في " صحيح مسلم " يقول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( مَن مات وليس في عنقِه بيعة مات ميتة الجاهلية ) ، فسَمِعْنا أن بعض الناس يكفِّرون بسبب قول الرسول - عليه السلام - : ( مات ميتة جاهلية ) يكفِّرون مَن مات وليس في عنقه بيعة ، هذه ضلالة جديدة عصرية باسم اتباع السنة ؛ ذلك لأن قول الرسول - عليه السلام - : ( مات ميتة جاهلية ) لا يساوي تفسيرهم الذي يقول : مات ميتة الكفار ؛ أي : مات كافرًا مرتدًّا خالدًا في النار ؛ لا ، فقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم أن النبي - عليه السلام - قال لأبي ذرٍّ : ( إن فيك لجاهلية ) . قال : هذا تكفير من الرسول - عليه السلام - لأبي ذرٍّ !! حاشاه !! لكن معنى هذه العبارة هنا وهناك : ( مات ميتةً جاهلية ) ، ( إن فيك لجاهلية ) ؛ أي : فيك خصلة من خصال الجاهلية يجب أن تتنزَّه منها ، وأن لا تقع فيها ، فحديثنا : ( مَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية ) ؛ أي : يموت كما كان يموت الكفار في الجاهلية ليس لهم رأس ، ليس لهم إمام يقودهم ويوجِّههم ، وكما قال - عليه السلام - : ( إنما الإمام جنَّة يُتَّقى به ) ، فكانوا يعيشون قبائل كما نعلم ذلك ، فالمسلمون إذا عاشوا هكذا وماتوا وليس في عنقهم بيعة مات أحدهم ميتة الجاهلية ؛ فإذًا لا يعني الجاهلية بمعنى أنه كافر مرتد عن الدين ، هَيْ واحدة .

وأخرى قبلها : ( مات وليس في عنقه بيعة ) ، كلُّنا اليوم مع الأسف نموت وليس في عنقنا بيعة ؛ لأنه ليس هناك خليفة مُبايَع من أهل الحلِّ والعقد حتى يجب علينا إيش ؟ أن نبايعه ؛ فإذًا هل يشملنا هذا الوعيد ولو بالتفسير الصحيح الذي ذكرناه : ( مَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية ) ؟

الجواب أن هذا ... في عنقه بيعة بمبايعة مات ميتة الجاهلية ، إذًا اليوم لا يوجد خليفة ؛ فهل يشمل هذا الوعيد وهذا الوصف الشديد كلَّ مسلم يعيش اليوم ولو كان حريصًا على التمسُّك بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح ، وكان حريصًا كلَّ الحرص على استئناف الحياة الإسلامية وتحقيق المجتمع الإسلامي وإقامة الخلافة الراشدة ؟ هل يشمل هذا الوعيد حتى أمثال هؤلاء ؟

الجواب : إذا عرفنا أنَّ معنى الحديث الواضح المتبادِر : ( مَن مات وليس في عنقه بيعة ) لِمُبايَع فليس معنى ذلك أننا في حلٍّ من أن نظلَّ هكذا كالجاهلية الأولى ليس علينا رئيس ، ليس علينا خليفة ؛ إذًا نستطيع أن نتوسَّع في فهم هذا الحديث فنقول : ( مَن مات وليس في عنقه بيعة ) فعلًا أو سعيًا ، فعلًا فَهِمْنا ، سعيًا بمعنى لا يفكِّر ولا يهتمُّ ولا يسعى لإيجاد المجتمع الذي ينبثق منه هذا الرجل المُبايَع ، فيجب مبايعته حين ذاك ؛ أي : إنَّ هذا الحديث يمكن تفسيره بنحو حديث آخر ذكرتُه آنفًا في مناسبة النفاق ؛ قال - عليه الصلاة والسلام - : ( مَن مات ولم يغزُ ولم يحدِّث نفسه بالغزو ؛ ماتَ وهو على شعبة من النفاق ) . إذًا هذا الحديث وضَّح أن الواجب على المسلم أن يُباشر الغزو ، فإن لم يتمكَّن من ذلك كما هو واقعنا اليوم - أيضًا - مع الأسف الشديد ؛ فعلى الأقل يحدِّث نفسه بالغزو ، وتحديث النفس بالغزو يستلزم تحريكَ مشاعر الإنسان ليعملَ ليتمكَّن من الغزو ؛ كذلك الحديث السابق : ( مَن مات وليس في عنقه بيعة ) فعليه أن يسعى لِيُوجِدَ المجتمع الذي ينبثق منه ذلك الرجل المُبايَع ؛ فيكون هو من جملة المبادرين إلى مبايعته .

نعم ؟

مواضيع متعلقة