هل هناك تعارض بين قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) ، والحديث الآخر : ( اغتسل بعض أزواج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جفنة ، فجاء ليغتسل فيها ، فقالت : إني كنت جنبًا . فقال : إن الماء لا يجنب ) ؟ وكلام الشيخ على نيابة حروف الجر بعضها عن بعض . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
هل هناك تعارض بين قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) ، والحديث الآخر : ( اغتسل بعض أزواج الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جفنة ، فجاء ليغتسل فيها ، فقالت : إني كنت جنبًا . فقال : إن الماء لا يجنب ) ؟ وكلام الشيخ على نيابة حروف الجر بعضها عن بعض .
A-
A=
A+
السائل : طيب يا شيخ قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم ، وهو جنب ) ، وفي حديث آخر لأصحاب السنن : ( اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جفنة ، فجاء ليغتسل فيها فقالت : يا رسول الله ، إني كنت جنبًا ، فقال : إن الماء لا يجنب ) ... كيف نوفِّق بين بين الحديثين ؟

الشيخ : وين التعارض ؟ أرني التعارض حتى أزيله ؟ وإلا ؛ فهو زائل بنفسه .

السائل : التعارض ... .

الشيخ : إذًا عن ماذا تسأل ؟

السائل : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى ؟

الشيخ : نهى عن ماذا يا أخي ؟ انظر بدقَّة .

السائل : ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) .

الشيخ : إي ، فهل اغتسل الرسول في الماء الدائم ؟ هل في الحديث الثاني ؟ معلش : هل اغتسل في الماء الدائم ؟

السائل : لا ما اغتسل .

الشيخ : إذًا ما في تعارض !

السائل : لكن الجفنة ما تعتبر ... .

الشيخ : إلى هنا فهمت عليَّ ؟

السائل : نعم .

الشيخ : طيب ، الآن دَعِ الحديث الأول ، وقِفْ عند الحديث الثاني : إيش قصة الجفنة ؟ أن امرأة الرسول - زوجة من زوجاته - اغتسلت ؛ طيب فماذا ؟ هل هي اغتسلت في الجفنة ؟ قل لي الآن ؟

السائل : يقول الحديث .

الشيخ : لا لا تقل لي الحديث ، أنا أسألك أنت .

السائل : الحديث ... .

الشيخ : معلش : هل تفهم من الحديث أنها ، طوِّل بالك ، هل تفهم من الحديث - بارك الله فيك - أن زوجة الرسول اغتسلت في الجفنة ؟

سائل آخر : من الماء .

الشيخ : هو هذا .

سائل آخر : اغتسلت من الماء الذي هو في الجفنة .

الشيخ : هذا هو ، ولذلك .

سائل آخر : بالماء بالماء ... بالماء الذي في الجفنة.

الشيخ : نعم ، لكن ما اغتسلت في الجفنة .

سائل آخر : ... .

الشيخ : الحديث الأول إيش يقول ؟ ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم ) ، فما فيه فرق بين اغتسلت من الجفنة ولَّا تغتسل في الجفنة ، أنتم عرب لازم ... .

سائل آخر : ... .

الشيخ : ما هي الجفنة ؟ فكمان خلِّينا نتعلم ما هي الجفنة ؟ هي البحيرة ؟!

سائل آخر : لا ... .

الشيخ : طيب يمكن الاغتسال في الجفنة ؟ حروف الجر - يقول العلماء - يقوم بعضها مقام بعض ، وهذا من حجج أهل السنة على أهل البدعة ، كما لمَّا قال - تعالى - حكايةً - اسمع يا إخواننا - لما أسلم السحرة ماذا كان موقف فرعون منهم ؟ أنه هدَّدهم بالقتل شرَّ قتلة ، فماذا قال في سورة طه ؟ فماذا قبل قوله - تعالى - حكاية عنه : (( ولأصلبنكم في جذوع النخل )) ؟ أول الآية إيش قال ؟ (( قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)) . هل هناك من عربي يفهم في جذوع النخل أنه يشقُّ الجذع كباب الخزانة - مثلًا - بابين وبيحطّهم جوَّة ، وبيقفل عليهم الجذع ، ويموتوا خنقًا ؟! ما أحد يفهم شيئًا من هذا ، إنما قوله - تعالى - : ((ولأصلبنكم في جذوع النخل )) أي : لأصلبنكم على جذوع النخل ، فيقولون - أهل المعرفة باللغة العربية - : أن حروف الجر يقوم بعضها مقام بعض ، فهنا إذا وجدت في رواية في الجفنة ؛ فالمقصود من الجفنة ضرورة أن الجفنة لا تتَّسع للإنسان أن يغتسل فيه ، كذلك من هذا القبيل : (( قل سيروا في الأرض )) (( قل سيروا في الأرض)) ، يعني في جوف الأرض مع الديدان والأفاعي والحيايا ونحو ذلك ؟ لا ، سيروا على وجه الأرض ، حروف الجر يقوم بعضها مقام بعض .

أخيرًا : نصل معكم إلى حديث يتداول على الألسنة - وهو الحمد لله من الأحاديث الصحيحة - وفيها اعتقاد أهل السنة أن الله - عز وجل - على العرش استوى ، وأنه كما قال في القرآن الكريم : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ )) ما هو الحديث ؟ قال - عليه الصلاة والسلام - : ( ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء ) قوله : ( ارحموا مَن في الأرض ) يعني الديدان والحشرات ؟ لا ، يعني ليرحم بعضكم بعضًا ( يرحمكم مَن في السماء ) ، وهذه النقطة الأهم التي أريد أن ألفتَ نظركم إليها ربطًا لهذا الحديث بالآية السابقة : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ )) ؛ لأنَّ بعض المبتدعة - قديمًا وحديثًا - يُشكل عليهم هذا النص القرآني والحديث النبوي - أيضًا - ، لكن الحديث النبوي يُزيل الإشكال ؛ لأنه قال : ( ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء ) ؛ فلا أحدَ يفهم من قوله في الجملة الأولى من الحديث : ( مَن في الأرض ) يعني : مَن في جوف الأرض ، وإنما مَن على الأرض ، يعني من البشر ، ( ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء ) في السماء - أيضًا - هنا بمعنى على السماء ، فحروف الجر يقوم بعضها مقام بعض ، فقوله - تعالى - : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ )) هذه النقطة يجب أهل السنة أن يعرفوها ، حتى ما إذا ما جهلوها استُغلُّوا من قبل المبتدعة ؛ حيث يقولون : أنتم تقولون إن الله - عز وجل - على العرش استوى وتُفسِّرون استوى بمعنى استعلى ، هَيْ ربنا يقول : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ)) ؛ فإذًا الله في السماء ، والسماء خلق من خلق الله ؛ فهل السماء ظرف لله - عز وجل - أحاط به ؟ والواقع أن الله وصف نفسه بقوله : (( وهو بكل شيء محيط )) ، وهو أكبر من كل شيء ، لذلك نحن نستفتح صلواتنا بقولنا : ( الله أكبر ) فكيف ربنا في السماء ؟ وما معنى قول الجارية حينما سألها الرسول ( أين الله ؟ ) فقالت : في السماء . أي : على السماء ؛ لأن حروف الجر يقوم بعضها مقام بعض ، وعلى ذلك يتفق قوله - تعالى - : (( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ )) إلى آخر الآية بالأحاديث بالنصوص الأخرى التي تعطي أن لله - عز وجل - صفة العلو على كلِّ المخلوقات وأعلاها عرش الرحمن - تبارك وتعالى - يأتي هذا الحديث يؤكِّد هذا المعنى فيقول : ( ارحموا مَن في الأرض ) أي : مَن على الأرض ( يرحمكم مَن في السماء ) أي : من على السماء .

فإذًا إذا كان الحديث بلفظ : ( في الجفنة ) ؛ فليس معنى أن الجفنة صارت ظرفًا للزوجة التي اغتسلت منها وهي جُنُب ، وإنما أخذت من الجفنة ، ففي بمعنى من ، على هذه القاعدة التي ذكرتها آنفًا .

خلاصة الكلام : أن الاغتسال في الماء الدائم شيء ، والاغتراف من الماء الدائم شيء ثاني ، والدليل أن هناك في الحديث الأول في رواية في " صحيح مسلم " قال أبو هريرة : ( ولكن ليغترف) .

زال الإشكال والحمد لله .
  • فتاوى رابغ - شريط : 4
  • توقيت الفهرسة : 00:09:09
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة