إذا وضع الرجل يده على صدره في الصلاة فأنكر عليه الناس ونفروا منه ؛ فهل له تركُ ذلك موافقةً للناس فيضعها تحت الصدر من أجل الدعوة ؟ وهل الجلوس بعد الصلاة مع الناس من أجل الدعاء مشروع للتقرُّب منهم ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
إذا وضع الرجل يده على صدره في الصلاة فأنكر عليه الناس ونفروا منه ؛ فهل له تركُ ذلك موافقةً للناس فيضعها تحت الصدر من أجل الدعوة ؟ وهل الجلوس بعد الصلاة مع الناس من أجل الدعاء مشروع للتقرُّب منهم ؟
A-
A=
A+
الشيخ : السؤال الأول هنا يقول السَّائل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نرجو منكم توضيح المسألة التالية : إنني أضع يديَّ في الصلاة على صدري ، والناس ينفرون مني ، ولا يفقهون هذه المسألة ؛ فهل عليَّ من شيء إن فعلْتُ خلافها مثل الناس ليتقرَّبوا لهذه الدعوة ، والناس يضعون أيديهم تحت الصدر ؟ ثانيًا : لا أجلس أنا أبدًا بعد الصلاة مع الناس لكي يدعوا ، وهذا ينفر منه أكثر الناس ؛ فهل عليَّ من إثم إن جلست أدعو معهم ؛ لأن قول المشايخ عندنا : لِمَ لَمْ تستغفروا وتدعوا وندعوا لكم ؟ أفتونا وجزاكم الله عن هذا كل خير ، وهذا في اعتقادنا للتقرُّب من الناس .

صدق الله العظيم حيث قال لنبيِّه الكريم : (( لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا )) ، لو أننا نحن - معشر السلفيين الداعين إلى الكتاب والسنة - سايَرْنا الناس على بدعهم ومخالفاتهم الكثيرة للسنن الصحيحة لم تكن هناك دعوة على وجه الأرض هي دعوة سلفية ، بل هذه المسايرة للناس والتي عبَّرَ عنها السَّائل بأن المقصود أن نتقرَّب إلى الناس ويتقرَّبوا هم بالتالي إلى الدعوة هي التي كانت من الأسباب التي أخَّرت الدعوة السلفية قرونًا طويلة ، وأصبح الناس يعيشون في تقليد مقيت لا يعرفون السنة ، وبالتالي لا يعرفون البدعة ؛ لأن أكثر الناس - كما قال تعالى - لا يعلمون ، والقليل من هؤلاء كانوا يسايرون المجتمع الذي كانوا يعيشون فيه ، فاستمرَّت البدع تتكاثر وتتوالد ، واستمرَّت السنن تموت ؛ حتى انقلبت البدعة سنة والسنة بدعة ، ووصلنا إلى هذا الزمان الذي نُجابَه فيه بالقاعدة التي جرت مَثَلًا في اللفظ المشهور : " رَمَتْني بدائها وانسلَّت " .

فنحن الذين ندعو إلى اتباع الكتاب والسنة ينبذوننا بلقب المبتدعة ، وهم غارقون إلى أذقانهم في البدع ، فَهُم أهل السنة ؛ ولذلك فلا بد لنا من أن نصدعَ بالحق ونصارح الناس بما هم عليه و (( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )) ؛ فقد لا تستطيع أنت أيها السَّائل أو أنا وأنا المجيب قد لا تستطيع ولا أستطيع أن أصدع بالحق في كثير من الأحيان خوفًا من الفتنة ، أما أن نعمل عملهم وأن نسايرهم ونؤيِّدهم في خطئهم فهذا مما لا وجهَ له في الشريعة مطلقًا ؛ ولذلك فلا يجوز لِمَن آمن بأن السنة وضع اليدين على الصدر أن يضعَهما تحت الصدر ، تحت السرة ، ولا يجوز لِمَن علم أن التزام الدعاء مع الجماعة بعد الصلوات الخمس كما عليه جماهير الناس اليوم بدعة لا يجوز لِمَن عرف هذا أن يُشايعهم وأن يتابعهم ؛ لأنه يؤيد البدعة بعمله ويخالف السنة .

لذلك علينا أن نصبر على هذه الدعوة التي امتَنَّ الله - عز وجل - بها علينا فعرَّفَنا بها ؛ حيث أن أكثر الناس لها جاهلون بل لها معادون ، فلا يجوز بوجهٍ من الوجوه أن نُشايعهم وأن نتابعهم على ما هم عليه من مخالفة السنة ، لكن لي ملاحظة بسيطة لا مانع تارةً من أن يجلس السُّنِّي المتمسِّك بالسنة بعد الصلاة في المسجد يقرأ الأوراد والأذكار الواردة من حيث أن الآخرين يأتون بأذكار شي منه غير وارد وشي منه وارد ، ولكن ألصقوا فيها ما لم يَرِدْ ، فصارت بدعةً إضافية كما يقول الإمام الشاطبي ، ففي جلوسه هذا تنبيه مزدوج المفعول ، الأول أن الجمهور الذي يخالف السنة إما في الإتيان ببعض الأوراد التي لا أصل لها ، أو بالإضافة إليها ما لا أصل له فينبِّه هؤلاء الناس إلى أن هذا السُّنِّي أو السلفي هو يفعل ما جاء في السنة بدليل بقائه بعد الصلاة في المسجد وإتيانه بالأوراد والأذكار ، فَهُم يتنبَّهون حين ذاك إن شاؤوا التنبُّه أن هذا الرجل ليس من سرعان الناس الذين لا يهمُّهم إلا الإتيان بالفريضة فقط ثم ينصرف إلى عمله ، فقد يُفسَّر قيامه بعد سلام الإمام بهذا التفسير الذي هو أوَّلًا خلاف الواقع ، ثم هو ثانيًا مما لا يُناسب الدعوة السلفية ، فإذا ثبت في مكانه أحيانًا وأتى بالأوراد المشروعة سَدَّ عليهم طريق اتهامه بأنه من سرعان الناس كما ذكرنا .

والشيء الثاني الذي يستفيده أولئك الناس منه أنه يُخالفهم فيما هم عليه من عادات ، فإن كان هو لا يستطيع أن يصدع بأن هذا هو السنة وما أنتم عليه هو البدعة ؛ فعلى الأقل سيوجد هناك بعض الناس مَن يتبعهم مباينته لهم لعدم مشاركته إياهم في أذكارهم وفي رفعهم لأصواتهم ؛ قد يندفع بعضهم فيسألونه : لماذا أنت تجلس وتسبِّح وتذكر الله لوحدك ؟ فيكون هذا باب فتح له لتعليم الناس السنة وتحذيرهم من البدعة .

وباختصار : ليتذكَّر السَّائل لو أن كل سلفي عرف حقيقةً ما فكَتَمَها عن الناس لم تكن لهذه الدعوة ذكرٌ مطلقًا في هذه البلاد الشامية ، لَئِن كان الله - عز وجل - قد خصَّني بشيء من ابتداء الدعوة بالعصر الحاضر فلم يكن ذلك لأننا سايَرْنا الناس ، وإنما بادرنا إلى تطبيق السنة ولو غَضِبَ علينا الناس جميعًا ؛ سواء مَن كان منهم من الأقارب أو من الأباعد ، ولَرُبما يستغرب بعضكم وإن كان الآخرون يعلمون هذا الخبر أنني من جملة الأشياء التي أعلَنْتُها أنني قاطعت حتى هذه اللحظة " مسجد بني أمية " فلا أصلي فيه صلاة لمَّا علمتُ أن المساجد المبنية على القبور سواء كانت قبورًا مزوَّرةً كقبر يحيى - عليه السلام - ، أو قبورًا صادقة ؛ لا تجوز الصلاة في هذه المساجد ، فتبنَّى هذه الفكرة كثير من الناس ، وتنبَّهوا وصاروا على حذر من الصلاة في المسجد المبني على القبر ، فلو تصوَّرنا مثل هذه المسألة وهناك عشرات إن لم نقل مئات بل ألوف المسائل كَتَمَها مَن عرفها ؛ فكيف يعرف الآخرون حكمها ؟ هذا فضلًا عن المسؤولية أمام الله - تبارك وتعالى - حينما يكتم العالم بالمسألة علمَه فيها ، فالله - عز وجل - يقول : (( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ )) ؛ ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يكتم العلم ؛ فكيف يساير الناس على ضد العلم ؟

هذا ما نقوله جوابًا عن السؤال السابق ، ولكن هذا لا يعني أننا يجب ألَّا نتعاطى الحكمة والأسلوب الحَسَن في الدعوة ، هذا شيء آخر ، الأسلوب والحكمة أمرٌ مأمور بهما في القرآن كما هو معلوم ، لكن ليس من الحكمة في شيء إطلاقًا أن تساير الناس على خطئهم وعلى ضلالهم ، بل هذا خلاف نصوص الكتاب والسنة .

مواضيع متعلقة