ما حكم قراءة الفاتحة بعد كلِّ صلاة ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ما حكم قراءة الفاتحة بعد كلِّ صلاة ؟
A-
A=
A+
الشيخ : السلام عليكم .

ما حكم قراءة الفاتحة بعد كل صلاة ؟

نقول : قراءة الفاتحة = -- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -- = كقراءة أيِّ سورة من القرآن لها أجرها المعروف في حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( مَن قرأ القرآن فله بكلِّ حرف عشر حسنات ، لا أقول : الم حرف ، بل ألف حرف ، لام حرف ، ميم حرف ) ؛ أي : الم بثلاثين حسنة ، هذا فضل مَن يقرأ القرآن كله ، لا فرق بين الفاتحة وبين غيرها ، وإن كان هناك فيه تفاضل من جهات أخرى كما قال - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : ( (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) تعدل ثلث القرآن ) ، وفي رواية لمسلم : أن الرسول - عليه السلام - خرجَ يومًا على أصحابه وقال : ( أيعجَزُ أحدكم أن يقرأ في كلِّ يوم القرآن كله ؟ ) . قالوا : كيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : ( (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) تعدل ثلث القرآن ) ، فَمَن قرأ ثلاث مرات : (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) فكأنما قرأ القرآن كله .

الغرض من هذا هو تنبيه الحاضرين ، وليبلِّغ الشاهد الغائب أن قراءة القرآن دائمًا وأبدًا له هذه الفضيلة ، ولكن لا يجوز تخصيص مكان معيَّن بسورة معيَّنة بدون إذن من الشارع الحكيم ؛ لأن الله - عز وجل - له كل صفات الكمال التي تفرَّد بها دونَ العالمين جميعًا ، من ذلك أن حقَّ التشريع إنما هو له وحدَه لا شريك له كما قال - تعالى - : (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )) ، فكلُّ دين لم يأذن به الله فليس دينًا ، وليس الدين هوى ، وليس الدين استحسان ؛ ولذلك قال الإمام العربي الهاشمي المطَّلبي الإمام الشافعي قال : " مَن استحسن فقد شرع " ؛ المسلم يستحسن شيء من " كونه " كما يقولون من عقله من كيفه من هواه بدون إذن من الله فاتخذ نفسه شريكًا مع الله من حيث لا يحسُّ ولا يدري ولا يشعر ؛ لذلك أنكر الله - عز وجل - على المشركين حينما كانوا يحرِّمون ما شاؤوا ويحلِّلون ما شاؤوا ، فقال لهم ربُّنا - عز وجل - : (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )) .

لذلك لا يجوز للإنسان أن يشرِّع من نفسه شيئًا مهما كان صغيرًا ، مهما استحسَنَه بعقله ، كما يقولون اليوم : يا أخي ، شو فيها ؟ زيادة الخير خير ، ما فيها شيء المسكين ، ما عم يلاحظ الآية : (( مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ )) ، ما بيكفي أنه أنت تفعل شيئًا ما أذن الله لك به ، هذا تشريع ؛ لذلك قال - تعالى - مندِّدًا بالمشرِّعين وبالمقلدين للمشرِّعين : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ )) ، (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) ؛ كيف يعني ؟ الأحبار يعني العلماء ، والرهبان يعني العبَّاد الصالحين ، اتخذوهم أربابًا من دون الله شو يعني ؟ اعتقدوا بيخلقوا مع الله ، بيرزقوا مع الله ، بيحيوا مع الله ؟ لا ، وهذا ما أشكل على عديِّ بن حاتم الطائي ؛ لأنه كان رجلًا من العرب الذين تنصَّروا في الجاهلية وقليل ما هم ، فلما نزلت هذه الآية الكريمة أشكلت عليه ؛ لأنه فَهِمَ الآية كما يفهَمُها بعض الناس من الجاهلين اليوم ، (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) يعني بيعتقدوا فيهم صفة الخالقية والرازقية ونحو ذلك ، فقال : يا رسول الله ، ما اتَّخذناهم أربابًا من دون الله !! يعني بهذا المعنى الخطأ ؛ فدلَّه - عليه السلام - على الصواب بطريق السؤال والجواب قال : ( ألَسْتم كنتم إذا حرَّموا لكم حلالًا حرَّمتموه ، وإذا حلَّلوا لكم حرامًا حلَّلتموه ؟ ) . قال : أما هذا فقد كان . قال : ( فذاك اتِّخاذكم إياهم أربابًا من دون الله ) .

لذلك كل إنسان من حبر - يعني عالم - أو من صالح ومتعبِّد بيستحسن شيء بعقله فمعناها هو نَسَبَ نفسه شريك مع ربِّه ، واللي بيقلده بيتَّبعه اتخذه ربًّا من دون الله - تبارك وتعالى - ؛ لذلك لا يغرَّنَّكم كون هذا الشيء حسن بعقلكم فتقولوا ما فيها شيء ؛ لأنُّو لو كان الدين بالعقل ما كان هناك حاجة ولا حكمة لِأَن يبعث الله - عز وجل - الرسل وينزِّل الكتب ، لكن ربنا اللي خلق البشر هو يعلم أن البشر بحاجة إلى وحي السماء ، وأن ينزل هذا الوحي إلى شخص ... بهذه النصوص في القرآن ، وهذه أحاديث كثيرة عن الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، من ذلك : ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) .

بعد هذه المقدمة أعود إلى أصل السؤال : قراءة الفاتحة بعد الصلاة ؟

يا تُرى ليش قراءة الفاتحة مو قراءة - مثلًا - سورة أخرى هي : (( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ )) ؟ كِدْت أقول - مثلًا - سورة يس ، فورًا راح يعترض معترض : هَيْ طويلة ؛ هَيْ جِبْنا له وحدة مثلها أو أقصر منها ، ليش ما نقرأ - مثلًا - : (( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ )) ؟ ليش ما نقرأ : (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )) مثل ما بيعملوا قبل الصلاة ؟ ما في سؤال ، شو مشرِّع هو ؟ ربنا لما بيقول : المغرب ثلاث ركعات ؛ ما نسأله ، الصبح ركعتين ؛ ما نسأله ، بقية الصلوات أربعة أربعة ما نسأله ، أما العبيد لما بدهم يقولوا لنا عن شيء نسألهم ؛ لأنُّو ما هم مشرِّعين ، فليش يا جماعة صرتم تقرؤوا الفاتحة دون سواها من السور ؟ هيك تجي بعقل أول مبتكر أول مخترع أول مشرِّع إن صح التعبير ، وساروا الناس وراه يتبعون كلَّ ناعق كما جاء في بعض الآثار .

فأقول : خير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فهدى محمد يا ترى فيه مسلم بيعتقد بنقصه ؟ لا ، فيه مسلم بيعتقد أنُّو الرسول ما علَّمنا أوراد بعد الصلاة ؟ ما فيه - أيضًا - . طيب ، خلينا نشوف الأوراد الواردة في كتب السنة ، وبصورة خاصَّة في كتاب الإمام النووي ؛ لأنُّو هذا من الأئمة الأفاضل المشهورين له كتاب اسمه " الأذكار " ، شوفوا لنا بكتاب " الأذكار " للإمام النووي فيه قراءة الفاتحة بعد الصلاة ؟ لا تجدون لذلك أثرًا ؛ إذًا هي من محدثات الأمور ، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - : ( وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) . بالرغم من هذا الكلام أعتقد أنُّو في بعض الحاضرين ممَّن لم يسبق لهم سماع كلمات في ... ما بيكون في ... الكلام ، ح يرجع يقول لي : يا أخي ، شو فيها قراءة فاتحة ؟ وما دامك عم تقول : كل حرف له ثلاثين حسنة ، شو بها ؟

نعم ؟

السائل : كل حرف عشر حسنات .

الشيخ : كل عشر الم ثلاثين حسنة ، إي نعم .

شو فيها قراءة الفاتحة إذًا ؟! أخي ، أنت لا تنظر إلى كون هذا القرآن له فضيلة ، انظر لهالمكان اللي أنت وضعته ، وإذا أخذتها ... عن محلها ما فيها شيء ، وين ما قرأت الفاتحة لك هداك الثواب بكل حرف عشر حسنات ، لكن ليش عم تقرأ الفاتحة وعقب الصلاة ؟ إذا من " كونك " معناها شرَّعت ، إذا اتباع للرسول هات النص ؟ وهَيْ جبنا لك شاهد " أذكار النووي " مو موجود ولا في أيِّ كتاب في الدنيا ، وإنما هذا موجود في عادات الناس .

إذًا من الضروري أنُّو نذكِّر بأنُّو البدعة تنقسم إلى قسمين : بدعة حقيقية ، وبدعة إضافية ، البدعة الحقيقية ما لها أصل منوب بالشريعة ، وما لنا في هالقسم الآن ، البدعة الإضافية هي من جهة لها أصل ومن جهة ما لها أصل ، مثل هَيْ ، الفاتحة سورة في القرآن ، ولها هداك الثواب اللي ذكرناه ، لكن وضعها في هالمكان بدعة ؛ أي : تُلصِق بالفاتحة أن جُعِلت في مكان معيَّن مثل الشارع الحكيم جعلها في مكان معيَّن ، وين جَعَلَ الفاتحة ؟ في الصلاة ، وجعل الفاتحة قبل السورة ، فلو عكس مسلم بيكون خالف ، لو قرأت الفاتحة في التشهد أنكر عليك كل العلماء ؛ ليش ؟ لأنك وضعت الشيء في غير محله ، وهذا بحث طويل وكثيرًا ما طرقناه ؛ لأنُّو المشكلة آخذة بخلاف الناس ، ما كانوا يفهموا أنُّو ليش كل بدعة ضلالة وهذه حسنة ، الصلاة على الرسول - مثلًا - بعد الأذان شو فيها ، هذه صلاة على الرسول ؟ الصلاة على الرسول على الرأس والعين ، والله قال : (( صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) ، لكن مين قال لك : اجلعها على المأذنة وبعد الأذان حتى صارت جزء من الأذان ، ما كان بلال يؤذِّن ؟ ما كان عمرة بن أم مكتوم يؤذِّن ؟ أبو محذورة ؟ هدول مؤذنين الرسول - عليه السلام - كانوا يؤذِّنوا ، اسأل أي شيخ : شلون كانوا يؤذِّنوا هدول ؟ في زيادة بعد : لا إله إلا الله ؟ بيقولوا لك : لا ، لكن بيرجع بيقول لك : شو فيها ؟ الله أكبر !!

طيب ، خير ولَّا شر ؟ ح يقول : خير . طيب ، الخير جَهِلَه أولئك ؟ لا ، ما جَهِلوه . أعرضوا عنه وأنتم حرصتم عليه ؟ والله إن قالوا : جهلوا ؛ كان مصيبة لا تُطاق ، وإن قالوا : علموا ، لكن ما عملوا ؛ كمان مصيبة لا تُطاق ؛ فما بالكم أيها الناس ما كنتم تعرفوا بقى فضل الإسلام اللي امتنَّ على عباده ربُّ العالمين بقوله : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) ؟!

مع الأسف الشديد يهودي في زمن عمر فَهِمَ قدر هذه الآية ؛ حيث حتى اليوم ألوف المسلمين ما عم يفهموا قيمتها ، إجا رجل من اليهود إلى أمير المؤمنين عمر ، قال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتاب الله - يعني عندكم - لو علينا - معشر يهود - نزلت لَاتَّخذنا يوم نزولها عيدًا . قال له : ما هي ؟ قال له : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )) إلى آخر الآية ، قال له : لقد اتخذناها عيدًا ، لقد نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على جبل عرفات يوم الوقفة ويوم الجمعة عيدان مو عيد واحد ، فعرف هذا اليهودي قدر هذه الآية ؛ ليه ؟ لأنُّو الله ريَّحنا بهالآية من أنُّو نشغِّل عقولنا ونضيِّع أوقاتنا أنُّو هَيْ منيحة وهَيْ شو فيها ؟ هَيْ ما فيها ، هَيْ بدعة حسنة وسيئة وإلى آخره ، واليهود ... .

مواضيع متعلقة